الإمام الحسين ( ع ) سيد الشهداء

 

خلدتك الأيام جيلاً فجيلاً         وستبقى مدى الزمان خليلاً
يوم ناديت ياسيوف خذيي       أبت النفس أن أعيش ذليلاً


      في استعراض حياة الحسين لا بد من الإشارة إلى أن للحسين حياتان تفصل بينهما واقعة الطف :

  • الأولى :الحياة التاريخية الاعتيادية .
  • الثانية :حياة المجد والخلود والعطاء على مر الأجيال .

     ونحاول في هذا البحث الحسيني عن شخصية الحسين أن نتعرف على الخطوط العريضة والمعالم البارزة عن هذه الشخصية المتميزة من شخصيات أهل البيت .

     تمتد الحياة التاريخية للإمام الحسين   من السنة الرابعة للهجرة وحتى سنة إحدى وستين للهجرة حيث استشهد في العاشر من محرم في أعظم ملحمة عرفها التاريخ عن عمر يناهز السابعة والخمسين عاماً وفي هذا التاريخ انتهت حياة الحسين   الدم واللحم والهيكل الجسدي ( الحياة التاريخية ) حيث مزقته الحراب وقطعته السيوف وسحقته حوافر الخيول بأبشع مجزرة ارتكبت بق آل رسول الله هذا حسين الجسد ، أما حسين الفكر والمبادئ والثورة والقيم والمثل والإباء والشيم والعزة والكرامة فهذا ما لم تستطع حراب الأمويين أن تنال منه شيئاً بل بالعكس هذا الحسين الثائر ولد يوم العاشر من المحرم وحياته الخالدة ولدت يوم الطف وبقيت وستبقى الصرخة المدوية على ألسنة الأحرار والشعلة المتوهجة التي تنير للثائرين طريق كفاحهم ونضالهم ضد كل أشكال القمع ، والباطل وتتحدى كل ألوان البطش والتسلط والحرمان بل أصبحت ثورة الحسين   الشبح المخيف الذي يهدد عروش الظالمين بالانهيار والزلزال المدمر الذي ينسف كيانات الجبابرة والجلادين والطواغيت عبر العصور.

     إن دم الحسين أعطى منهجاً روحياً للظلمة ولمن تربعوا على حب الدنيا الفانية وأنار لهم طريق الهدى والصلاح ليس حباً للدنيا وزينتها وإنما لإنقاد البشرية من الهلاك في الجحيم.
     فالحياة التاريخية للحسين    تمثلت بسبعة وخمسين عاماً عاش منها ستة أعوام في ظلال جده رسول الله ( ص ) وقد أشرف النبي مباشرة على إرساء الأسس الرصينة والقواعد المتينة لبناء شخصية الحسين ( ع )   ليكون مجدداً لرسالته وممثلاً لشخصيته الخالدة ومضحياً من أجلها ومن هنا قيل إن الإسلام المحمدي الحدوث وحسيني البقاء والاستمرار.

     من حياة الحسين ( ع )   يولي التربويون والإجتماعيون اهتماماً بالغاً لمرحلة الطفولة في حياة الإنسان لإنها تعتبر الركيزة الأساسية واللبنة التي تبنى عليها الشخصية وقد تولى النبي بنفسه بناء شخصية الحسين    والإشراف على طفولته فقد كان الحسين    في سنه المبكر التي لا تكاد تبارح شفتي رسول الله ، حيث قال:  ﴿ حسين مني وأنا من حسين .

فمنذ أن أشرف نور الحسين    ملأ قلب النبي بهجة وسروراً في الوقت الذي ملأ بيت علي    والزهراء    غبطة وسعادة وبمجرد أن زفت البشرى للنبي ( ص ) بهذا الوليد الميمون المبارك أسرع النبي ببيت الزهراء     وقال لأسماء بنت عميس هات لي ابني فقدمته إليه ملفوفاً في خرقة بيضاء؛ فطفح وجه النبي ( ص ) بالبشر والمسرة وضمه إلية وأذن في أذنيه اليمنى وأقام في اليسرى ثم وضعه في حجرة وبكى ، فقالت له أسماء: فداك أبي وأمي مما بكائك.

     فقال: من ابني هذا؛ قالت: إنه ولد الساعة؛ فقال: يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي؛ ثم قال: يا أسماء لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادته .
     وهكذا نرى البكاء والمأتم يولد مع ولادة الحسين    وتداول النبي مع الإمام علي وتطارح السؤال حول تسميته، فقال الإمام : ما كنت أسبقك بذلك يا رسول الله فسماه النبي حسيناً.

     وفي اليوم السابع عق عنه كبشاً وحلق رأسه وتصدق بوزنه فضة وأجريت جميع المراسيم والمستحبات الشرعية على يد رسول الله منذ يوم الحسين الأول كما فعل مع أخيه الحسن من قبل.

     وفي الحقيقة أن إشراف النبي على صياغة هاتين الشخصيتين كما أشرف على صياغة أبيها الإمام علي أمير المؤمنين    من قبل الإعداد هذه الشخصيات المتميزة للدور الكبير في حمل الرسالة والذود عنها وحماية مستقبلها وأهم ركيزة التفكير الرسالي والذهنية الواعية التي تعتمد التقوى منطلقاً وأساساً لكل ممارساتها في الحياة حتى إذا غاب نور النبي في السنة العاشرة من الهجرة
وافتتحت مدرسة الإمامة التي أسس قاعدتها ومنهاجها رسول الله لتمارس مهامها ومسؤولياته بعد وفاة النبي لحفظ الإسلام كان الحسين الجناح الثاني بعد أخيه الإمام الحسن ( ع ) بتلك الدرسة التي أسسها جده وتولى عمادتها أبوه الإمام علي فعاش في ظلال أبيه علي بن أبي طالب عملاق الدنيا ومفخرة الدهر نحوا خمسة وثلاثين عاماً عاصر في مطلعها التآمر على الحكم الشرعي لأبيه أمير المؤمنين وعزله عن موضع السلطة الإسلامية، وتفاعل مع الأحداث الرهيبة التي جرت على البيت الطاهر وما لاقته أمه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء من اعتداء وانتهاك لحرمتها وقداستها وعاش المحن المروعة التي تجرعتا من محاصرة لبيتها ومحاولة احراقة بالنار على من فيه حتى وإن كانت فيه بضعة رسول الله وهكذا يقتحم بيت الزهراء وتضرم النار ببابه وتتجرع الزهراء المحنة تلو المحنة حتى تستحيل على كتلة من المآساة والدموع ثم تذهب ضحية الأحداث المؤلمة وهي في عمر الزهور ولم تتجاوز العقد الثاني من حياتها المقدسة فلحقت بأبيها رسول الله ( ص ) في فترة وجيزة العام الواحد وقد اعتصر الألم قلب الحسين لفقد أمه وهو في مطلع العمر ومستهل الصبا إلا أنه استمد الصبر والجلد من صبر أبيه أمير المؤمنين ( ع ) فبقي إلى جانب أبيه يعيش في ظلاله ويتخلق بأخلاقه ويتعلم في مدرسته ويضرب الرقم القياسي في الصبر والتحمل والتضحية أو ولعل ذلك يعود إلى أنه خلال خلافة غبن الخطاب لم يتجاوز مطلع الشباب وفي خلافة عثمان بن عفان قد تكامل شبابه فاشترك هو وأخوه الحسن    في الحاة العامة وفي بعض الغزوات إلى أفريقيا وبلاد الفرس ورعى أكثر المؤرخين بأن الحسين    قد اشترك هو وأخوه الحسن    في الدفاع عن عثمان وقد أمرهما أمير المؤمنين أن يقفا على باب داره ليصدا هجمات الثوار عليه.

     وأضاف إلى ذلك بعض المؤرخين أن الثوار قد تهيبوا الدخول عليه من الباب الذي رابط عليه الحسنان    فسلقوا الجدران ودخلوا عليه وكانت بذلك نهايته.

     إن الإمام الحسين    وقف أمام الطغاة وجماعة الشيطان ووضع ميزان الحق أمام رغباتهم وشهواتهم الفائرة تجاه الدنيا وحب المناصب وإبعاد الناس عن طريق الحق القرآن ، وبذلك أدرك الإمام الحسين    الخطر المحدق بالرسالة فأراد أن يكشف هذا الواقع ويقلعه عن جذوره ويرجع الأمة إلى سنة رسول الله وينسف كل كل ما بناه الظالمون طيلة خمسون عاماً ولكن الثمن كان غالياً جداً فنهض نهضته المباركة وقد اسفرق كل ما آته الله من قوة في القلب والبدن وبذل كل غالي ونفيس صارخاً بالأمة ﴿﴿ ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ واحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله ( ص ) نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهلكم فلكم في أسوة  ْْ وهكذا فجر سيد الشهداء بدمه الطاهر وبدماء أولاده وأخوته وأصابه روح التضحية والنضال في الأمة وأبطل مفعول تيار الانحراف وأرجع الأمة إلى مسار الرسالة الأصيل، ولهذا ترتبت على ثورة الحسين    آثار مهمة يمكن أن نوجزها بالنقاط الآتية:

• ثبتت ثورة الإمام الحسين    خطاً وأسست منهجاً ثورياً وأرست في الأمة سياسة تمثلت بالثورة على الحاكم الظالم ووجوب قتاله وإذا بويع الظالم تنقض بيعته لإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، بل أكثر من هذا اعتبرت بعض النصوص الواردة عنهم    أن طاعة السلطان الظالم خروج ومروق من الدين.
• إن الفاسق لا يبايع وإذا بويع غفلة أو خداعاً ثم ظهر فسقه وانحرافه وأصبح خطراً يهدد الإسلام فيجب نقض بيعته وإسقاطه بل قال بعض الفقهاء يعزل قهراً وان لم تقدر الأمة قادرة على عزله تصبح حكوميته غير مشروعة.
• الأثر التربوي وهو أن ثورة الإمام الحسن    ربت الأمة على رفع الرفض للظالم أينما كان ، وفي أي وزمان ولهذا أصبح منهج أهل البيت    منهج الرفض لكل ما خالف كتاب الله وسنة رسوله ولهذا جسدت الثورة الحسينية منهجاً ورسمت واقعاً وكتبت تاريخاً .
• من آثار ثورة الإمام الحسين    انفجار ثورات كثيرة على أثرها بل كل الثورات التي حدثت بعد يوم الطف امتداداً لتلك الثورة الجبارة كثورة التوابين وثورة صاحب فخ وثورة زيد بن علي وإلى يومنا هذا ، ورحم الله الإمام الخميني الذي فجر أعظم ثورة في القرن العشرين الذي قال كل ما عندنا من عاشوراء .


بقــتله فـــاح للإسلام نشرهدى          وكلما ذكرته المسلمين بكا
     وصان ستر الهدى من كل خائنته        ستر الفواطم يوم الطف إذ هتك