الشباب والتطلعات

اقرأ للكاتب أيضاً

   إن الإسلام بطبيعته  الإصلاحية يتفحص في  طبيعة الواقع الاجتماعي  , من أجل الحفاظ عليه من الانهيارات والتصدعات , ولا شك أن ذلك يندرج تحت إطار الوصول إلى المجتمع النموذجي الفاضل إما من باب الوقاية وإما من باب العلاج .

   ولأجل ذلك دأب الزعامات الدينية كالأنبياء والرسل  إلى تجسيد هذه النظرة إلى أبعد الحدود , فما رأيناه من  المسيرة الإصلاحية التي استمر عليها الأنبياء والأوصياء على مر التاريخ إلا تأكيد على هذه المسألة .

    نذكر ذلك لأن طبيعة الواقع الاجتماعي ومساره سواء كان باتجاه الإصلاح أو بالاتجاه المعاكس لن يبقى محنطا , وإنما سوف يلقي بظلاله على الإنسان صعودا أو نزولا سلبا أو إيجابا , ولعل من أكثر الطوائف تأثرا وانفعالا طائفة الشباب , التي تنعكس عليها هذه الاتجاهات .

  •    الشباب بين دائرة التطلعات

   هذه الطائفة في الحقيقة بين كماشة المبتدأ وبين كماشة الضغوطات المتكالبة , وبينهما مسار طويل يخطه كل شاب لمسيرته ومساره ,   فمن جهة المبتدأ ترجع هذه الطائفة إلى أصل الخليقة والحكمة من الوجود , فلماذا خلق هذا الإنسان ؟ ولماذا انتقل من العدم إلى الوجود ؟ ومن نقله ؟ ولماذا خلقه ؟

   هذه الأسئلة وغيرها حري بكل إنسان أن يجلس جلسة صفاء ولحظة خلاء بينه وبين نفسه من أجل تلمس إجاباتها واكتشاف حقائقها  , ولا شك أن الشباب  هم أكثر حاجة لهذه الأسئلة ونقاشاتها .

  إن أصل الخليقة هو الله عز وجل  , وله حكمة متعالية من هذا الخلق , وهذه الحكمة المتعالية يمكن للإنسان أن يقترب منها رويدا رويدا بإرادته . فلو قرأ الإنسان القرآن لرأى ذلك جليا  ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )  - هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا –
   إذا أدركنا ذلك جيدا انكشفت لنا الحقيقة واضحة فعرفنا المبتدأ , وأن الله لم يخلقنا اعتباطا وإنما من أجل غايات سامية ينبغي علينا السعي لتحقيقها .

   لكن المشكلة عند كثيرين ليست هنا , وإنما تنشأ المشكلة من كماشة الضغوطات المتكالبة عليه لا سيما جيل الشباب , فمع تزايد ضغوطات الواقع من جهة

سواء طبيعة الواقع الثقافي والاجتماعي والتربوي بل وحتى الاقتصادي , تفرض طريقة خاصة في التعاطي ولو بأثر رجعي على ملامح المبتدأ   .
  كيف إذن يمكن لنا التوفيق بين الأمرين بين أساسيات المبتدأ وبين استحقاقات الضغوطات المتكالبة . استحقاق البحث عن المال وما يجره ذلك على الإنسان من نسيان المبادئ وأحكام الشرائع  , أو الانجرار , مثلا من أغنى الدول السويد , ويسمونها بالجنة , لكن أهل الجنة ليسوا سعداء كما يصرحون .

   أن الشباب هم أكثر الأصناف إلحاحا في الإجابة على هذه التساؤلات  , ولكن من أين نبدأ ؟

    سؤال هام وكبير , ولكن التوفيق بين الكماشتين يبدأ من التربية الإسلامية التي ارتكز عليها الجيل الشاب  , لأن هذه التربية تمكن الشاب من تجاوز هذه الضغوط المتراكمة  وفي ذلت الوقت تؤمن الرغبات الجامحة  , ومن ثم توجهه بسهولة واقتدار نحو التطلعات النبيلة والسامية , التطلعات التي تقفز على الواقع التفصيلي  فتجعله يعيش جوا من الاطمئنان والسكينة وحالة من الرضا ...

    لا نريد  لحديثنا أن يكون في فضاء مطلق  , بل نود الحديث قليلا عن الشباب وكربلاء , حيث استوقفتني هذه الرواية المأثورة عن الإمام الحسين عليه السلام :-
*  (   قال جعيد الهمداني : أتيت الحسين بن علي وعلى صدره سكينة ابنته ، فقال : يا أخت كلب ، خذي ابنتك عني ، فسألني ، فقال : أخبرني عن شباب العرب ؟ قلت : أصحاب جلاهقات ومجالس قال عليه السلام : فأخبرني عن الموالي ؟ قلت : آكل ربا ، أو حريص على الدنيا ! قال عليه السلام : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) والله ، إنهما للصنفان اللذان كنا نتحدث أن الله تبارك وتعالى ينتصر بهما لدينه . يا جعيد همدان : الناس أربعة : فمنهم من له خلاق ، وليس له خلق ومنهم من له خلق ، وليس له خلاق . ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق ، فذاك أشر الناس ومنهم من له خلق وخلاق ، فذاك أفضل الناس ).

  •   تأملات من واقع الحديث :

1- السؤال عن شباب العرب له دلالات ومضامين , منها مثلا متابعة ورصد الجيل الشاب واقعا وحقيقة من قبل الإمام عليه السلام , وذلك لأن الإصلاح لا شك يبدأ من هنا بصورة كبيرة , ولذا نحن نحتاج أيضا إلى رصد المظاهر الشبابية , حتى يتسنى لنا معالجة السلبية منها وتشجيع الايجابية . اللامبالاة مرض خطير , التوجه إلى الأمور الاستعراضية تنساق مع فورة الشباب , المستقبل مرهون ببناء هذا الجيل .

* الجلاهقات والمجالس البطالة الغير منتجة ضياع لعمر الإنسان .
2- المصيبة في هذا الجيل كما يعبر الإمام عليه السلام , حين قرأ آية الاسترجاع له أيضا مدلول كبير جدا , وكأنه مصيبة تقارن بمصيبة الموت , ولو أنها مصيبة معنوية خطيرة , تتصل بالمجتمع  .

3- انخراط الشباب في المشاريع التنموية الميدانية , ونهضة الإمام الحسين أكبر شاهد على ذلك , حيث  أن الفئة العمرية الشبابية كانت تمثل نسبة معينة من شهداء كربلاء .

عالم دين ( السعودية )