المدارس التفسيرية : البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ( 1412هـ )

الأستاذ محمد الشبيب *

 

أ- التعريف بالمفسر :

   هو سماحة الإمام أبو القاسم ابن السيد علي أكبر ابن السيد هاشم الموسوي النجفي ولد 1317 هـ– 1899م .

  فقيه أصولي كبير ومجتهد محقق نـحرير ، وعالم مدقق ومن كبار مراجع التقليد وأساتذة الفقه والأصول . وفي طليعة الزعماء الدينيين . ولد في بلدة  ( خوي ) وهاجر بصحبة والده إلى النجف الأشرف ، بعد أن أكمل المقدمات وتتلمذ على شيخ الشريعة الأصفهاني . والشيخ مهدي الأصفهاني . والشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين الأصفهاني . والشيخ محمد حسين النائيني .

  ثم تصدى للتدريس بصورة واسعة ، وألقى محاضرات قيمة في الفقه والأصول والتفسير . ومجلس درسه وبحثه هو الأول من نوعه فقد تحضره أمة من الأساتذة ومئات من رواد العلم الأفاضل ، وذلك في مسجد  ( الخضراء ) الذي يقيم الجماعة فيه . ويكاد المسجد يغص بالطلاب والمستمعين من غير الطلاب الدينيين لذلك يعتبر اليوم زعيم الحوزة العلمية النجفية ،. وقد طبعت جملة من تقريراته التي ألقاها على الأعلام من دروس الفقه والأصول والتفسير . قام بتشييد المآثر في إيران والعراق ، وتشجيع الحوزات بصورة عامة . وقد أشاد مدرسة ومكتبة وجامعاً من الضخامة بمكان إلى جانب الصحن الشريف من جهة ( محلة العمارة ) إلا أن السلطة المجرمة هدّمتها إلى جانب ما هدّمت من مآثر وآثار نجفية أخرى باسم توسيع الشوارع .

   ولم تتعرض المرجعية الدينية في تاريخها و حوزتها العلمية منذ تحولها من بغداد إلى النجف الأشرف عام 449 للهجرة (1057م)، على يد شيخ الطائفة الطوسي إلى ظرف قاهر مشابه، كالذي مرت به خلال مرجعية الإمام الخوئي، إذ تزامنت مرجعيته مع حكم جائر في العراق جعل من الشيعة و التشيع هدفا لطغيانه و إرهابه، خصوصا بعد الثورة الإسلامية في إيران، التي قلبت كثيرا من الموازين و اعتبرها النظام البعثي في العراق خطرا مباشرا عليه، لذلك جعل من الشيعة و المدن الشيعية هدفا لهذا الطغيان، و في تلك الظروف الصعبة الموجهة ضد الحوزة العلمية، كانت مهمة المرجع الأعلى الإمام الخوئي تكاد تنحصر في المحافظة على دور الحوزة و استقلالها، لمتابعة مهامها العلمية و الفقهية ، و استمرار الدور التاريخي لمدينة النجف الأشرف.

  في حين أرادت السلطة العراقية انـحياز المرجعية إلى جانبها في مواقفها اللا إنسانية و اللا إسلامية، و خصوصا في حروبها الظالمة مع الجيران، و طالبت السلطات الإمام بإصدار فتوى ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. و عندما رفض ذلك رضوان الله تعالى عليه، كشرت السلطات العراقية عن أنيابها، و كانت أول بادرة إجرامية منها هي الاعتداء على منزل نجله الأكبر المغفور له السيد جمال الدين في محاولة لقتله عام 1979 م، و الذي اضطر من جرائها مغادرة العراق إلى سوريا حتى توفي بعدها في إيران عام  1984 م.
كما قامت السلطات باعتقال مجموعات كبيرة من رجال الدين و تلامذة الإمام في الحوزة العلمية و أعدمت الكثيرين منهم، و في مقدمتهم تلميذ الإمام و ابنه البار الشهيد السيد محمد باقر الصدر، و في عام 1980 م قامت السلطات بتفجير سيارة الإمام الخاصة و هو في طريقه إلى جامع الخضراء لأ داء صلاة الظهر، و قد نجا من تلك الحادثة بأعجوبة بالغة كذلك تم إعدام آية الله السيد محمد تقي الجلالي معاون الإمام الخاص عام 1982 م، و في عام 1985 م اغتيل صهر الإمام سماحة آية الله السيد نصر الله المستنبط، بواسطة زرقه بإبرة سامة، كما اعتقل نجل الإمام السيد إبراهيم، و صهر الإمام السيد محمود الميلاني، و أكثر من مئة من أفراد أسرته و معاونيه من العلماء .

من تآليفه المطبوعة : البيان في تفسير القرآن . أجود التقريرات 1-2 . مباني تكملة منهاج الصالحين 1-2 . تهذيب وتتميم منهاج الصالحين 1-2 . المسائل المنتخبة . مستحدثات المسائل . تعليقة على العروة الوثقى . رسالة في اللباس المشكوك . نفحات الإعجاز . منتخب الرسائل .. مناسك الحج . تعليقة المنهج لأحكام الحج . معجم رجال الحديث 1-23

1- التعريف بالتفسير  ومنهجه:

  كان السيد الخوئي شديد التعلق بالقرآن  وتجد ذلك مذكوراً في مقدمة كتابه البيان  حيث يقول عن نفسه:
 ((كنت ولعاً منذ أيام الصبا بتلاوة كتاب الله الأعظم ، واستكشاف غوامضه واستجلاء معانيه . وجدير بالمسلم الصحيح ، بل بكل مفكر من البشر أن يصرف عنايته إلى فهم القرآن ، واستيضاح أسراره ، واقتباس أواره ، لأنه الكتاب الذي يضمن إصلاح البشر ، ويتكفل بسعادتهم وإسعادهم . والقرآن مرجع اللغوي ، ودليل النحوي ، وحجة الفقيه ، ومثل الأديب ، وضالة الحكيم ، ومرشد الواعظ ، وهدف الخلقي ، وعنه تؤخذ علوم الاجتماع والسياسة المدنية ، وعليه تؤسس علوم الدين ، ومن إرشاداته تكتشف أسرار الكون ، ونواميس التكوين . والقرآن هو المعجزة الخالدة للدين الخالد ، والنظام السامي الرفيع للشريعة السامية الرفيعة .

  أولعت منذ صباي بتلاوته ، واستيضاح معانيه ، واستظهار مراميه ، فكان هذا الولع يشتد بي كلما استوضحت ناحية من نواحيه ، واكتشفت سراً من أسراره ، وكان هذا الولع الشديد باعثاً قوياً يضطرني إلى مراجعة كتب التفسير ، وإلى سبر أغوارها . وهنا رأيت ما أدهشني وحيراني))

ويقول السيد الخوئي عن منهجه في التفسير:

  على المفسر أن يجري مع الآية حيث تجري ، ويكشف معناها حيث تشير ، ويوضح دلالتها حيث تدل . عليه أن يكون حكيماً حين تشتمل الآية على الحكمة ، وخلقياً حين ترشد الآية إلى الأخلاق ، وفقيهاً حين تتعرض للفقه ، واجتماعياً حين تبحث في الاجتماع ، وشيئاً آخر حين تنظر في أشياء أخر .

على المفسر : أن يوضح الفن الذي يظهر في الآية ، والأدب الذي يتجلى بلفظها ، عليه أن يحرر دائرة لمعارف القرآن إذا أراد أن يكون مفسراً . والحق أني لم أجد من تكفل بجميع ذلك من المفسرين .

  من أجل ذلك صممت على وضع هذا الكتاب في التفسير ، آملاً من الحق تعالى أن يسعفني بما أملت ، ويعفو عني فيما قصرت . وقد التزمت في كتابي هذا أن أجمع فيه ما يعني فهمه من علوم القرآن التي تعود إلى المعنى . أما علوم أدب القرآن فلست أتعرض لها غالباً لكثرة من كتب فيها من علماء التفسير ، كالشيخ الطوسي في ( التبيان ) والطبرسي في ( مجمع البيان ) والزمخشري في ( الكشاف ) . نعم قد أتعرض لهذه الجهات إذا أوجب البحث علي أن أتعرض لها أو رأيت جهة مهمة أغفلها علماء التفسير وقد أتعرض لبعض الجهات المهمة وإن لم يغفلها العلماء .

وسيجد القارئ أني لا أحيد في تفسيري هذا عن ظواهر الكتاب ومحكماته وما ثبت بالتواتر أو بالطرق الصحيحة من الآثار الواردة عن أهل بيت العصمة ، من ذرية الرسول ـ ـ وما استقل به العقل الفطري الصحيح الذي جعله الله حجة باطنة كما جعل نبيه ـ ـ وأهل بيته المعصومين عليهم السلام حجة ظاهرة .

وسيجد القارئ أيضاَ أني كثيراً ما أستعين بالآية على فهم أختها ، واسترشد القرآن إلى إدراك معاني القرآن ، ثم أجعل الأثر المروي مرشداً الى هذه الاستفادة .

 

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
عاشق مزن
[ القطيف ]: 13 / 3 / 2006م - 11:37 م
أحسنت يا أستاذ محمد شبيب

وبارك الله فيك ورزقك شفاعة أهل البيت

يوم الحساب .
عضو اللجنة الإشرافية بمركز القرآن الكريم بأم الحمام