بيان سماحة الإمام المدرسي دامت بركاته عاشوراء الحسين

شبكة مزن الثقافية
 
إن شهر محرم الحرام رافد عظيم ينبعث من روح النهضة الإيمانية للإمام الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد المرسلين محمد المصطفى وآله الهداة المرضيين.

السلام على سبط الرحمة وإمام الهدى الحسين بن علي، وعلى أخيه حامل لواء الفضل العباس بن علي، وعلى أولاده الشهداء البررة وأصحابه الأوفياء، وعلى شيعته ومواليه الى يوم القيامة.

لقد حان ميعاد الحزن الغاضب، والثأر العادل، والوعد الحق، حان يوم الإمام الحسين، يوم كل مستضعف يطالب بحقه، يوم كل مدافع عن الحق والعدال والكرامة.

لقد نشر الرب سبحانه سحائب رحمته باسم السبط الشهيد، فطوبى لمن تَعَّرض لنفحات تلك الرحمة الإلهية، طوبى لشيعة أبي عبد الله الذين استوعبوا دروس نهضته، واتبعوا نهج قيامه، واستجابوا لندائه الذي لازال يدوي في كل ضمير حيّ: ألا هل من ناصر ينصرني، وطوبى لزائريه، وطوبى لمجددي عزائه.

  • أيها الموالون لأهل بيت الرحمة:

إنّ في يوم الإمام الحسين، وملحمة عاشوراء، دروس كثيرة وعبر شتى، فعلى كل مسلم أن يستوعب

منها ما يتناسب وضعه، وتقتضيه حاجته، فإذا كنتَ أيها الموالي – شيخاً كبيراً فلك في الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر، وزهير بن قين، ومسلم بن عوسجة، وآخرين من حَمَلَةِ الكتاب وفقهاء الأمة قدوة مباركة.

أما الشبيبة فإنّ قاسم بن الحسن السبط خير أسوة لهم وخير مثل لمن أراد منهم أن يتكامل في معارج السموّ ويبلغ درجات عالية من رضوان الله سبحانه والجنة.

والعلماء الربانييون يتخذون من أبي الفضل العباس بن علي وسائر المستشهدين من أهل البيت في كربلاء قدوات صالحة في المسير الى الله سبحانه.

  • أيها الأخوة المؤمنون:

إنّ عاشوراء السبط الشهيد تسير مع الشمس، فتشرق كل يوم على عالم جديد، وعلى الأمة أن تستلهم منها ماينفعها في خضم صراعها مع الأعداء، واستجابتها لتحديات عصرها. ولعل الحكمة الشائعة: كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء، تشير الى هذه الحقيقة، إذ أن أرض الطف ويوم عاشوراء إتسعا بما في تلك الملحمة من دروس وعبر حتى شملا كل أرض وكل عصر..
أولسنا حين نقف على أعتاب مرقد سيد شباب أهل الجنة نقول: السلام عليك ياوارث آدم صفوة الله، السلام عليك ياوارث نوح نبي الله، السلام عليك ياوارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك ياوارث موسى كليم الله، السلام عليك ياوارث عيسى روح الله، السلام عليك ياوارث محمد حبيب الله، السلام عليك ياوارث علي..

إن وراثة الإمام الحسين لكل تلك الرسالات على اختلاف عصورها وظروفها دليل على أن حكمتها وعبرتها

وقيمها تتناسب وكل عصر ومصر..

فعلينا إذاً.. أن نبحث فيها عمّا يهمّنا في ظروفنا حسب المتغيرات، ذلك لأن الإمام الحسين – كما هو مكتوب في ساق العرش- مصباح هدى وسفينة نجاة.

وعلى الخطباء أن يركّزوا في حديثهم عن يوم الإمام الحسين على قيمها الثابتة التي تتناسب مع ظروفنا الحالية، إقتداء بالأئمة المعصومين الذين تحدثوا بعد واقعة الطف والتي نجدها في منظومة الزيارات المأثورة، وبالذات زيارة عاشوراء وزيارة وارث.

فما أحوجنا الى تجديد التدبر في تلك الزيارات والإستفادة منها لتكريس القيم الهامة التي تنفع الأمة اليوم.
إن تفاصيل واقعة الطف تستدر الدمع وتصوِّر حقائق الواقعة حتى تجعلها مشهودة، ولكنها بحاجة الى التكميل بالحديث عن عبرها حتى تمتد عبر الزمان والمكان.

فحيث يكون الظلم تكون راية الطف مرفرفة، وفي ظلها ينظم الصالحون من عباد الله أنفسهم لمواجهة الظالمين.
إن الأمة - أية أمة- تتعرض لتحديات شتى، مثل الكوارث الطبيعية، وغزوات الطامعين، ونزوات الطغاة وغيرها، وإنما الأمة التي تملك تراثاً عظيماً من قيم الشجاعة والفداء، وركائز الصبر والإستقامة، ومبادئ القيادة والطاعة، هي التي تنتصر على تلك التحديات بإذن الله تعالى.

ولاريب أن تراث الطف، ومبادئ نهضة السبط الشهيد، ومناهل البطولة والفداء التي تجري في دماء المسلمين عموماً، وشيعة أهل البيت خصوصاً هي التي أمدتنا بقوة عظيمة في مواجهة التحديات.

وإذا أردنا الإستمرار في الإنتصار على التحديات أنّى كان مصدرها، فعلينا الإستمرار في خط الولاية لأهل البيت وإبقاء شعلة الإيمان متَّقدة.

إن الشعائر الحسينية التي إعتادت عليها اُمتنا أصبحت جزءاًً من كياننا الحضاري، إنها كهفنا الذي نأوي اليها عند الأزمات، إنها سفينة النجاة لنا في بحر الظلمات، إنها مصباح الهدى عند تراكم الفتن، إنها أعلام الهدى ومنائر التقى.

من هنا فإن علينا ليس فقط الإستمرار في إقامة الشعائر الحسينية وإنما أيضاً تطويرها بالإنتشار في آفاق جديدة وعبر وسائل حديثة مثل الفضائيات وشبكات الإنترنت وإستخدام الأقراص المدمجه والأفلام النزيهة والمعبِّرة.

كما أن على المتصدين لإقامة الشعائر، أو الموجهين فيها مثل الخطباء الكرام ورؤساء الهيئات وأمناء الحسينيات ومن إليهم أن يلاحظوا الحقائق التالية:

أولا: أن يتأملوا ملياً في الثقافة التي تنتهجها هذه الشعائر وألا تكون ثقافة سلبية تنشر الكراهية والحقد وتبث روح التشاؤم والإنطواء..

عليهم أن يزيّنوا تلك الشعائر بالكلمات المضيئة التي صبغت ملحمة الطف والزيارات المأثورة التي وردت عن أئمة الهدى وذلك مثل خطب الإمام الحسين في يوم عاشوراء وكذلك خطب السيدة زينب والإمام زين العابدين عليهما السلام وغيرها، ومثل زيارة عا شوراء والوارث، بل ودعاء الإمام الحسين التي تلاها في يوم عرفة.

تلك الكلمات والخطب والنصوص المأثورة هي شعار تلك الشعائر، وصبغة تلك الملاحم، وقطب الرحى في ثقافتها، فعلينا العمل على نشرها في أيام عاشوراء لتكون هادية بإذن الله اُمتنا لمعارف إلهية نقية عن شوائب الشك والوسوسة والسلبية والإنطواء.

ثانيا: عليهم أن يقرؤوا واقعنا الراهن في ضوء نهضة السبط الشهيد، لحل مشاكلنا العالقة عبر تلك القوة الكبيرة التي تنبعث من واقعة الطف.

فإذا كان هذا البلد بحاجة الى بسالة الأبطال لقمع زمر القتل والإعتداء على الأبرياء، فإن في ملحمة الطف ألف عبرة وعبرة في هذا المضمار.

وإذا كان البلد بحاجة الى ثقافة الأصالة ضد محاولات التذويب فإن إستقامة بقايا السيف الذين رفعوا راية الإمام الحسين بعد شهادته مثل الإمام زين العابدين علي بن الحسين وعمته الصامدة الباسلة الشجاعة الصابرة زينب الكبرى، وسائر أهل بيت الرسالة، إن إستقامتهم كانت المثل الأعلى للصمود أمام طغيان بني أمية، وعنفوان ظلمهم ومن ثم كسر شوكتهم بإذن الله تعالى.

وإذا كان البلد بحاجة الى روح التعايش والتسامح لاحتواء الآخرين تحت راية أهل البيت فإن قصة الشهيد حرّ بن يزيد الرياحي الذي قبل الإمام الحسين توبته تُحفِّزنا نحو إحتواء الآخرين عند إحساسهم بالندم وعودتهم الى خط الرسالة.

وإذا كنا بحاجة الى مواجهة الضعف أمام الغزو الثقافي فعلينا الإستنارة بمصباح أبي عبد الله الحسين في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح في أمة الرسول الأكرم .

وهكذا على المتصدي للشعائر الحسينية أن يستلهم من نهضة الإمام الحسين وعبرها الحكيمة حلولاً ناجحة لقضايا الأمة المعاصرة عموماً ولقضايا المنطقة التي تحيرت فيها خصوصاً. وكلّما كانت قراءتنا لواقعنا أقرب الى دروس النهضة الحسينية كانت الشعائر أوقع في النفوس وأنفع للناس.

ثالثا: على المتصدين للشعائر الحسينية أن يؤكدوا على ثوابت الخطاب الديني، وأهمها التذكرة بالله العظيم وأسمائه الحسنى، وبالتقوى والإستعداد للآخرة وأهوالها، والشوق الى الجنة والخشية من النار، وتذكير الناس بشرائع الدين مثل الصلاة والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة القسط وإشاعة السلام والتحلّي بروح المسؤولية واحترام الآخرين وتجنّب الظلم والعدوان، والإبتعاد عن الفواحش ماظهر منها ومابطن والإثم.

إن شهر محرم الحرام رافد عظيم ينبعث من روح النهضة الإيمانية للإمام الحسين وعلينا أن نروي به عطش الأمة الى الجوانب الروحية والمثل العليا التي فيها، والله سبحانه نسأل أن يوفقنا جميعاً لأداء واجبنا تجاه إمامنا أبي عبد الله الحسين ولنكون من الشاهدين على الأمة، والمجاهدين في سبيل الله، إنه ولي التوفيق..


محمد تقي المدرسي
غرّة محرم الحرام 1428هـ