الإمام الحسين (عليه السلام) في وجدان المجتمع البحراني

اقرأ للكاتب أيضاً

 

          لعل أكبر أثر ظاهر في المجتمع الشيعي البحراني من حيث الشعار والتمظهرات الموسمية والإحياءات التاريخية هو الأثر الذي يجده أي مراقب بل أي زائر للمنطقة هي تلك المواسم المتمثل في ذكرى استشهاد الإمام الحسين و الأيام التي يقوم بإحيائها الناس لذكراه السنوية ، بل تتعداها إلى سائر أيام العام.

          ولم يكن هذا التمظهر عفوياً أو مجرد تخليد لرمز تاريخي قام بعمل عظيم وحسب ، وإنما هو في الأساس يثقل ميزان وعي المجتمع البحراني بنظرة عقيدية تنبثق منها كل السلوكيات الإحيائية التي تعظّم هذه الشعيرة ، حيث أن الإمام الحسين في وجدان الشيعة عموماً والمجتمع البحراني تبعاً له ، هو جزء منه ولا ينفك عنه ،حيث يعتبر أن الإمام الحسين شخصية أساسية في الدين الإسلامي ، وقد استمر هذا الدين وقام ونمى بتضحيات الإمام وجهوده وفدائه ودمه ، وهو مع ذلك الإمام المفترض الطاعة سواء تحرّك باتجاه الحرب أو باتجاه السلم ، كما هو قول رسول الله (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) ، كما أن الإمام الحسين يعتبر رمز العصمة والصراط القويم الذي لا يزيغ من اتبعه عن جادة الحق ، لأنه سيد شباب أهل الجنّة ، كما صرّح الرسول الأعظم بذلك كدلالة على مقام عصمته التي تؤدّي به إلى أن يكون سيد شباب أهل الجنة.

وكل الإحياءات التي نجد تمظهراتها في الواقع اليوم إنما هي منطلقة من ذلك المخزون العقيدي الثابت لدى المجتمع الشيعي في البحرين ، والذي يعتبر من أهم الثوابت الشعائرية التي ينسكب فيها بعد ذلك كل مادة خيرة وكل فكرة طيبة ، من خلال آلية الاحياء والتوجيه في هذه المواسم.

هنالك ثلاثة أبعاد أسّسوا عمق التمسّك بالإمام الحسين وبالشعائر الحسينية ، في وعي المجتمع الشيعي في البحرين هي:

الأول : محورية حركة الإمام الحسين وتضحياته بالنسبة لهذا للدين ، و التي لولاها لما بقي للإسلام من أثر ، حيث استشرى الفساد و انتشر باسم الإسلام ، فما كان من الإمام إلا أن يقدّم نفسه فداء للدين لكي يبقى و تستمر التضحيات بعده ، و مقولة الرسول الإعظم (الحسين مني وأنا من الحسين) تعبر عن هذه الحقيقة.

الثاني: كثرة الموروث الروائي والتاريخي الذي يصرّح بعظمة الإمام الحسين و بعظمة إحياء ذكراه ، على لسان الرسول الأعظم وعلى لسان الخلفاء من بعده و هم الأئمة الإثني عشر ، وكان منها (كلنا سفن النجاة وسفينة الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع) ، و عن الرضا عليه السلام (أن البكاء عليه ـ الإمام الحسين ـ يحط الذنوب العظام).

الثالث : الأثر الواقعي الذي عايشه المجتمع بمختلف قئاته جراء هذا الاحياء وهذا التمسّك ، حيث لامسوا البركات والكرامات في أنفسهم وفي أرزاقهم ومختلف شئون حياتهم الدنيوية ، بل والأخروية كذلك ، وهذه تصديقات للروايات الشريفة قد لامسها الناس.

إما إذا أردنا أن نقرأ الأثر السياسي والإجتماعي في وعي المجتمع البحراني ، فإن الإمام الحسين وحركته يعتبران المخزون الثوري والرسالي ، لذلك فإن أي حركة نهضوية أو مطلبية تتطلب التضحيات و تحمل المسؤولية تجاه الدين و تجاه المسملين فإن أفضل محرك لها هو ذلك المخزون من الوعي الحسيني. فهذا الوعي هو الرافد الأساس للحركة والعمل في سبيل الله تعالى وهو أقوى محرك يمكن أن يرفده.

          وهذا بالفعل ما حرّك المجتمع البحراني نحو المطالبة بحقوقه المسلوبة طوال تاريخه ، ومن هذا الرافد استلهم حركته ، فعمل العلماء على إظهار الموروث الكربلائي والفكر الرسالي لإنهاض الأمة.

بل وكان الإمام الحسين وذكراه الدرع الحصينة التي تحمي المجتمع من التأثيرات والمؤامرات التي تحاك ضدّة من أجل إبعاده عن ولائه لأهل البيت أو لإبعاده عن دينه ، وقد ذكرت هذه الحقيقة الممرضة في الإرسالية الأمريكية عام 1922 (كورنيلا) والتي أطلقت على نفسها اسم شريفة الأمريكانية ، في مذكراتها التي نشرت في العام 1989م ، مقدار صعوبة مهمتها من أجل تنصير المسلمين في البحرين عندما شاهدت تمسك المجتمع بالشعائر الحسينية ، قالت : ( وكانت هناك مناسبة أخرى كنا نشعر نحن المبشرين المسيحيين بأن مهمتنا مستحيلة ، وهي يوم عاشوراء . حيث كان أملنا يصل إلى الصفر أو تحت الصفر أيضاً ..).

          وبكلمة ، فإن الإمام الحسين في وجدان المجتمع هو شعلة نور تضيئ له دربه ، و توفّر له الفيوضات الإلهية ، وهو على موعد سنوي متجدّد مع ذكراه الخا