هذيان ابنة : لا أتخيل نفسي وأبنائك بين أحضاني يعبثون بعمامتي

شبكة مزن الثقافية

أردت أن أكتب .... وفي ماذا ؟ في لحظة صدق عن شخص أصبح أبعد من رؤى العين ... وأقرب من وريد القلب
أردت أن أكتب ... فانتابتني حيرة خرساء ... ومشاعر باهتة... عن ماذا أكتب ؟
صورة مشتتة .... سطرتها أيام عامين من عمري ... ومن عمر الفراق عامان ... ما أطول الأيام وأقصرها ... أستغرب حين أعد الأيام فأجدها بلا عدد لأنها كانت بلا رؤياه ...
هل أبكيه؟؟ أم أفخر به ؟؟ أم أمدحه ؟؟ لا أعرف ما الغرض من كتابتي ... عَلمونا أنّ لكل صنفٍ غرض ... ولكني هنا أود أن أحطم القواعد فأكتب بلا غرض .. وأحذف المنطق ... وأقلب الميزان ... لأجعل القلب فقط يكتب ... بلا تدخل مني في باديء الأمر تعلمت أن كل شيء يولد صغيراً ويكبر إلا الحزن ... يولد كبيراً فيصغر وإذا بي في الأيام القلائل التي تلت وفاة أبي أسمع كبيرات السن والعجائز يتمتمن وسط الدموع ( شوقك طويل .... دربك طويل )
احترت في هذه الكلمات ... وأنا التي لا أفهم من كلامنا التراثي شيئاً فلجأت لكبيرات عائلتي همست لي إحداهن : لن تشعري بالمرارة الآن ... ستتجرعينها لاحقاً
كان هناك صوت في أعماقي يندهش .... عن وجه الصلة بين الحزن الذي يصغر وبين المرارة التي سآراها لاحقاً .... وأتعبت عقلي بالمنطق والربط والحل ...
حتى تركت الأيام تعلمني الآن ... بعد عامين ... أجدها قد علمتني ...
الحزن كان يصغر ... لكن الشوق كان يزداد ... والرغبة بتقبيل الجبين الذي عانقته التربة الحسينية ... باتت مستحيلة التنفيذ وابتسامة الحنان افتقدتها ... منذ أمد ... وكأس الماء الذي أسكبه له عند مجيئه من المسجد ... اشتقت له ... لكلماته .. لكل ما فيه تغيرت أشياء كثيرة ...منذ رحيله إلا شوقي له ... لم يزل يكبر ويقتحم خلواتي ... ويفجر مكنوناتي .. وجفف دمعي ...
قالت لي أختي الأصغر يوماً : (أنت أقل منا حزناً ... لك حياة أخرى ...)
نعم حياة أخرى ... ولعل غصتي كانت هنا ... ولعل دمعة الحزن المحتبسة ..زارتني هنا .... في الحياة الجديدة
في ليلة الزفاف التي سميت بليلة العمر ... كل فتاة ... تذرف دمعة لفراق أهلها لكنني في تلك الليلة ... لم أشعر بالدمعة تقتحم فرحتي ... لأني و لي الفخر وجدت أبي ... متجسداً في الوجوه الضاحكة .. وفي البسمات المشرقة .. وجدت حشداً ما كان ليأتي لولا أن أبي هو أبي ... وجدت الحب والحنان في أوجه الحاضرين فرأيت ابتسامة أبي الحنون في الوجوه كلها ... حتى نسيت أني يتيمة .... (تلك الكلمة التي أمقتها ... وأمقت أن تتربى أخواتي الصغار في ظلها ... بينما نعمت أنا بالأبوة... حتى أنه قبل يومين ... طلبت مني أختي الصغرى ... عزيزته التي لم تنعم بمعرفته ... طلبت مني رقمه في الجنة ... ضحكت وبكيت ... وأظن أني لم أملك إلا أن أهبها رقماً ... أي رقم ..لكي أبعث فيها الأمل )
ربما بعد زفافي بأيام ... بكيت .. لأني لم أجد بين صوري .. صورة لي مع أبي بثوب زفافي ... تخيلتها أجمل الصور ربما الان أبكي لأني أفتقد صورته بين عائلتي الجديدة ... لأنه الجد الذي سيفتقده من لم يعرفه كان يقول لي قبل وفاته بشهور ( لا أتخيل نفسي وأبنائك بين أحضاني يعبثون بعمامتي )
في هذه اللحظات فقط ... أحسست بأني عرفت ما معنى أن شوقي طويل ...
أظنه لن يبارحني حتى مماتي فمن عرف شخصاً مثله ... لا يملك إلا أن يشتاق للابتسامة الوضاءة ..
حتى العمامة اشتقت إليها ... ونسيت في زخم الأيام .. كيف ألفها .. بعد أن علمنا

قد قيل لي ...اتخذي عبد اللطيف ابناً لك ....
فرددت .. وسأردد ... في حياتي ... عبد اللطيف واحد وقد رحل ... ولن يحتل أحد اسمه ولو من باب الذكرى
 

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
محمد هادي
[ الكويت ]: 5 / 5 / 2007م - 12:51 ص
بارك الله فيك .

ورحم الله شيخنا المقدس واسكنه فسيح جنانه .

جلست مع العلامة الشبيب رحمه الله عدة جلسات مازلت اتدكر تفاصيل حديثه الشيق والممتع .
2
سعيد الخباز
[ القطيف ]: 5 / 5 / 2007م - 12:53 ص
مرت ست سنوات على رحيله وكانها الامس .

رحمه الله
3
سيد علي
[ ام الحمام ]: 5 / 5 / 2007م - 12:55 ص
فقدت ام الحمام علماً من اعلامها الكبار
ومازلنا الى يومنا نفتقد عالماً في مثل علمه وتقواه وحبه لخير .

رحمه الله شيخنا العالم

الفاتحة لروحه الطاهرة