المرجع الشيرازي : من يعرقل الشعائر الحسينية فليس له إلاّ المصير الأسود والعاقبة السيئة

شبكة مزن الثقافية

بمناسبة قرب حلول شهر محرم الحرام، وذكرى عاشوراء الخالدة واستشهاد مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه، وكالسنين السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة مهمة وقيّمة بجمع من العلماء والفضلاء وأساتذة الحوزة العلمية والمبلّغين الذين وفدوا من طهران وأصفهان وقم المقدسة على بيت سماحته للاستفادة من توجيهاته القيّمة، وذلك يوم الأربعاء الموافق للخامس والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام 1429 للهجرة.

بارك سماحته في بداية كلمته ذكرى عيد الغدير الأغرّ وكذلك الذكريات العطرة التي تصادف في نفس الأيام وهي ذكرى نزول سورة (هل آتى)، ونزول آية المباهلة، وآية الولاية (التي تذكر تصدّق مولانا الامام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالخاتم)، وسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّق الجميع لأن يكونوا مصداقاً لقول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «إن الله تعالى اطلع إلى الأرض فاختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أنفسهم وأموالهم فينا، فأولئك منّا وهم معنا في الجنان(1)» وبالأخصّ لإحياء الغدير وعاشوراء اللذين يعدّان ركني التشيّع، وقال:

في السنين السابقة كانت تقام مثل هذه الجلسات بحضور آية الله السيد محمد الشيرازي أعلى الله درجاته ونجله آية الله السيد محمد رضا الشيرازي قدّس سرّه، لكننا اليوم نفتقدهما، ونحن أيضاً سيأتي اليوم الذي علينا أن نترك فيه الدنيا ونرحل عنها إلى الدار الآخرة، وهناك سيكون كل واحد منّا مسروراً وقرير العين بمقدار ما بذل جهداً وسعى في إحياء الغدير وعاشوراء، وإذا كان مقصراً ومتقاعساً في ذلك فستنتابه الحسرة بقدر ما قصّر وتقاعس.

أما من كان معرقلاً لإحياء الغدير وعاشوراء فلا يمكننا أن نتصور عاقبته السيئة واليوم الأسود الذي ينتظره وما سيصيبه في الآخرة.

وقال سماحته: نقرأ في زيارة المعصومين صلوات الله عليهم لمولانا قمر بني هاشم أبي الفضل العباس عليه السلام وهي مروية بطرق عديدة وصحيحة السند: «فجزاك الله عن رسوله وعن فاطمة وعن أمير المؤمنين والحسن والحسين أفضل الجزاء بما صبرت واحتسبـت وأعنت»(2).

هذه الفقرة من الزيارة تؤكد ثلاث خصيصات مهمة جداً لمولانا العباس عليه السلام وهي:

الأولى: الصبر في الشدائد.

الثانية: النيّة الخالصة لله تعالى، واحتساب المصاعب قربة إلى الله وفي سبيله جلّ وعلا.

الثالثة: إعانة أخيه الإمام الحسين صلوات الله عليه ونصرته له إلى آخر لحظة من عمره الشريف سلام الله عليه، فيجدر بنا أن نتعلّم هذه الفضائل من سيدنا العباس عليه السلام ونطبّقها على أنفسنا. فمن بعد واقعة كربلاء وإلى يومنا هذا اقتدى بسيدنا العباس عليه السلام الكثير من المؤمنين وصبروا على الشدائد وأخلصوا لله تبارك وتعالى واحتسبوا كل ما لاقوه من الأذى والمصاعب في سبيل الله تعالى، وسنرى ـ ويرى غيرنا أيضاً ـ يوم القيامة الأجر العظيم لأولئك المؤمنين، ومنهم:

شاعر أهل البيت صلوات الله عليهم الحسين بن حجّاج الذي كان معاصراً للشيخ الطوسي وللسيدين المرتضى والرضي رضوان الله تعالى عليهم. فقد نظّم هذا الشاعر المؤمن في حق أهل البيت صوات الله عليهم قصائد عديدة مليئة بمضامين التولّي والتبري، ومنها قصيدته المعروفة بالغديرية والتي يقول في أوّلها:

يا صاحب القبّة البيضاء في النجف         من زار قبرك واستشفى لديك شُفي

بسبب سعيه في نشر فضائل أهل البيت صلوات الله عليهم عاش الحسين بن حجّاج متخفياً وبعيداً عن عائلته لمدة عشرين سنة.
ومنهم عطيّة مفسر القرآن وتلميذ الصحابيَّين الجليلين ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري. فقد كان (عطية) مشرّداً ومطارداً لسنين عديدة من قبل الحجّاج الثقفي. وقبض عليه في مدينة شيراز وكان كبير السن، فأمر الحجّاج بنتف لحيته وجلده بأربعمئة سوط.

ومنهم كميل بن زياد رضوان الله تعالى عليه، حيث أراد الحجّاج قتله ففرّ. ولكنه وبسبب ضغط الحجاج على عائلة كميل وأرحامه وكان من الممكن أن يقتلهم ذلك الطاغوت السفاح، سلّم كميل نفسه للحجّاج، ولكنه أظهر صموداً وصلابة أمام الحجّاج ولم ينثنِ ولم ينكل.

ومنهم أيضاً الذين قاتلوا في كربلاء بين يدي الإمام الحسين صلوات الله عليه، حيث تحلّوا بمعنويات عالية وقاتلوا في الواقع بأرواحهم وليس بأجسادهم فقط.

وأكّد سماحته ضرورة التأسّي بمولانا أبي الفضل العباس عليه السلام وقال: نحن لا نستطيع أبداً أن نبلغ مقام مولانا العباس عليه السلام ولا يستطيع أحد أن يبلغ مقامه عليه السلام، ولكننا يمكننا أن نقتدي به ونكمل مسيرته في السير على طريقه عليه السلام.
من جانب آخر قال سماحته: لقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تبقى قضية مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه حيّة وأن تزداد حيوية كل يوم، وأن تزداد انتشاراً وسعة في كل مكان مهما سعى الظالمون في عرقلتها. ففي الماضي أي قبل ألف وثلاثمئة وثمان وستين سنة لم يشترك في مجالس البكاء على الحسين سلام الله عليه سوى بعض الناس من بني هاشم فقط وكان مجلس العزاء منحصراً بهم، ولكن بعد ذلك أصبحت مجالس العزاء على مصاب الحسين صلوات الله عليه تقام من قبل المؤمنين والمحبّين في كل أرجاء المعمورة. فقد نقل لنا كبار السنّ أن رضا بهلوي (والد شاه إيران المخلوع) منع إقامة الشعائر الحسينية، لكننا اليوم لا نرى أثراً للبهلوي وأعوانه الظلمة، وفي المقابل انظروا إلى سعة وانتشار إقامة الشعائر الحسينية في إيران.

إن مجالس العزاء على مصاب مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه تقام اليوم بقرب البيت الأبيض في أميركا وقصر الكرملين في روسيا، فهي اليوم أصبحت عالمية وغدت منتشرة في كل مكان.

ووصف المرجع الشيرازي قضية مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه بأنها اختبار وامتحان كبير للخلائق وقال: هذا الامتحان يجري وسيظل يجري على الجميع، فعلينا أن ننتبه جيّداً الى أن إهانة قضية سيد الشهداء صلوات الله عليه والتلاعب بالشعائر الحسينية أمر خطير جدّاً.

إن جميع الانبياء يستأذنون الله تعالى لزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه حتى خاتمهم وأفضلهم مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا يبيّن مدى مكانة الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه وعظمة قضيّته عند الله جلّ وعلا.

واعتبر سماحته الخدمة في سبيل قضية سيد الشهداء بأنها ذات قيمة عظيمة جداً وبالأخصّ الفعاليات التبليغية في شهري محرّم وصفر، وقال:

كان لمرجع التشيّع الكبير المرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي زميل في المباحثات العلمية وهو السيد جعفر الشيرازي. وبعد وفاة الأخير نقل المرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي قصّه عنه وهي ذات عبرة، حيث قال:

ذات ليلة رأيت مولانا الإمام سيد الشهداء ومولانا قمر بني هاشم سلام الله عليهما في عالم الرؤيا في الغرفة التي كنت أتباحث فيها مع السيد جعفر الشيرازي، فقال مولانا الإمام الحسين لأخيه العباس سلام الله عليهما: احذف اسم القارئ الفلاني من قائمة قرّاء المجالس الحسينية واكتب مكانه اسم السيد جعفر الشيرازي. فاستيقظت متعجّباً ومندهشاً، وفي الصباح سألت من السيد جعفر الشيرازي: هل أصبحت قارئاً في المجالس الحسينية؟

قال:لا.

قال: فذكرت له ما رأيت في عالم الرؤيا، فبكينا، وقال السيد جعفر:

ذهبت ليلة أمس ـ وكانت ليلة الأول من محرّم ـ إلى المرقد الطاهر لمولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأقدّم تعازيّ له سلام الله عليه. وخلال رجوعي كنت أُفكّر في الحديث الشريف عن الأئمة الصادقين صلوات الله عليهم: «من بكى (على الحسين) أو أبكى غيره ولو واحداً ضمنّا له على الله الجنّة، ومن لم يتأت له البكاء فتباكى فله الجنّة»(3)، فقلت في نفسي: الحمد لله حيث إني بكيت كثيراً على الإمام الحسين، ولكن ومع الأسف لم أُوفَّق لحدّ الآن لإبكاء أحدٍ عليه، لأني لا أُجيد قراءة التعزية في المجالس الحسينية. فصمّمت على أن أقرأ مجلس العزاء لعائلتي من أحد كتب المقاتل. فذهبت إلى الأصدقاء وسألتهم عن كتاب يروي قصّة مقتل سيد الشهداء صلوات الله عليه. فناولني أحدهم كتاب(جلاء العيون) للعلاّمة المجلسي، فأخذته وقرأت منه مجلس العزاء لزوجتي وأبنائي.

وذكرالسيد عبد الهادي أنه أصرّ الكثير ممن كانوا حوله أن يعرفوا من هو ذلك القارئ الذي أمر الإمام الحسين صلوات الله عليه بحذف اسمه من قائمة (قرّاء المجالس الحسينية). لكنه ـ رحمه الله ـ امتنع ولم يفش اسمه. وكان محقّاً في ذلك.

وأردف المرجع الشيرازي: يقول والدي المرحوم الميرزا مهدي الشيرازي بأنه قد عاشر السيد عبد الهادي الشيرازي سنين عديدة ولم يره قد عمل حتى مكروهاً واحداً. وهذه الرؤيا التي نقلها السيد عبد الهادي رضوان الله تعالى عليه فيها دروس وعبر كثيرة، وتلفت انتباهنا إلى الواجب المُلقى علينا تجاه القضية الحسينية المقدسة. فعلينا أن نكون يقظين دوماً في أن لا يُسلب منّا توفيق الخدمة في سبيل قضية مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه أبداً بعد كل تلك السنين التي قضيناها من عمرنا في سبيل ذلك، وأن لا نكون من الذين تنتظرهم العاقبة السيئة.

أسأل الله تبارك وتعالى ببركة مولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه أن يوفّقنا جميعاً للتحلّي بالصبر في الشدائد، والاستقامة في سبيل خدمة القضية الحسينية المقدسة، وأن نحتسب كل ما نلاقيه في هذا الطريق، خالصاً لوجه الله تعالى.
هذا، وأقيم بعد كلمة المرجع الشيرازي دام ظله مجلس عزاء حسيني وألقى أحد من الفضلاء الحاضرين قصائد شجية في مصاب مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه.

 

1) غرر الحكم/ ص117/ح2049.
2) الكامل في الزيارات/ الباب الخامس والثمانون/ زيارة قبر العباس عليه السلام/ ص256.
3) مثير الأحزان/ ص14..