آية الله السيد المدرسي : موقّعو ( بيان المثقفين ) لا يمثلون التيار الرئيس في الشيعة

شبكة مزن الثقافية

ماذا يحدث بين المسلمين؟ سؤال محوري طرحته "الصوت"، وهي تحاور المفكر الإسلامي آية الله هادي المدرسي، الذي رائ أن الخلافات الطائفية بين المسلمين في المنطقة "مستوردة من المحيط الخارجي"، ويرى أن حلها بسيط وسهل جدا، "وهو بالجلوس والتحاور والتفاهم".

ويلفت المدرسي في رؤيته إلى أن الوحدة "هي هدف ننتهي إليه ولا نبتدأ منه"، معتبرا أن "تجربة أوروبا نموذج في تأكيد أهمية الحوار لحسم الخلافات".

وحول بيان بعض المثقفين الشيعة في شأن تصحيح مسار الطائفة الشيعية، يرى المدرسي أن "بعض الموقعين على البيان لا يريدون الخير للطائفة"، مبينا أن "عملية التطوير هي أقرب ما نحتاج إليه وليس الإصلاح"، مشددا على أن "الإصلاح والتصحيح لا يفرضان من الخارج، ولا يأتيان عبر البيانات الإعلامية، بل بالحوار الداخلي وبمشاركة أصحاب الرأي والقرار في الطائفة، وليس الخارجين عنها".

ويرجع المدرسي الأزمة المالية العالمية إلى "تفشي الربا وإعطاء المال قيمة في ذاته من دون ضوابط، وتحويل حياة الناس إلى رفاهية كاذبة وثقافة استهلاكية"، وإلى نص الحوار:

نبدأ من بيان بعض مثقفي الشيعة الذين طالبوا فيه بتصحيح مسار الطائفة في الوطن العربي، عبر إلغاء بعض المفاهيم وتغيير طريقة إخراج الخمس، ما رأيكم في هذا البيان؟

أي تصحيح لمسار أي طائفة أو أمة إذا لم يكن نابعاً من الداخل وفي اتجاه الأصول فهو حركة لا تنتهي الى نتيجة ولا يمكن لأي جماعة أن تنادي بحركة تصحيح من دون الالتزام بالثوابت، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود ثوابت لكل مذهب ودين، وأنا أعتقد أن كلمة التطوير أقرب مما نحن في حاجة إليه من كلمة التصحيح، وحتى بالنسبة الى الاسلام ككل لابد أن نستنطق القرآن في كل زمان كما ورد في الحديث الشريف "استنطقوه لأدوائكم"، وبالنسبة لأمور حياتنا، إذا كان لا بد من عمل شيء، فلابد من إعادة القراءة وليس التصحيح كما نادى به البعض، وكأننا نسير في طريق خطأ، ولكي يأتي الأمر بنتيجة، لا بد أن يكون نابعا من الداخل كما أنه لا بد أن نفرق بين دعوات الخارجين عن الصف الشيعي والإصلاح وبين التصحيح والتطوير، فلا يمكن لإنسان أن يشذ عن جماعة ويسمي نفسه مصلحا لها، وفي كل مذهب هناك التيار الأساسي والرئيس وهؤلاء لا يمثلون التيار الرئيس في الشيعة.

  • القرار الشيعي

لكن، ألا تعتبر ما جاء في البيان في شأن الخمس يعبر عن صرخة ألم، حيث تتكدس الأموال عند البعض، فجريدة الصوتيما أعداد الفقراء الشيعة في ازدياد؟

أنا شخصيا لا أعرف أن الخمس يتكدس في الحسابات، لكن ما اعرفه ان الخمس مورد اساسي نفع، ولا يزال ينفع، كثيرا من الناس وكان له دور اساسي في استقلال هذه الطائفة في كثير من المناطق، لا سيما في العراق، حيث منع ذوبان قسم كبير من الشعب في الحكم السابق، نعم نرى أن يتحول هذا المورد المالي الى مؤسسة مالية، لكن لا يمكن لنا ان نفصل بين صاحب الدعوة ودعوته، والراية الصحيحة لا بد أن تحملها يد سليمة، وبعض الذين وقعوا على هذه الوثيقة لا يريدون الخير لهذه الطائفة، ولا أتهم الجميع، ولكن بشكل عام عدد أتباع مذهب أهل البيت يبلغ نصف مليار من مختلف الفئات، أي ثلث المسلمين، فهذا المذهب لا يقتصر على أشخاص حتى يحدث تصحيحه هكذا، ولإجراء عملية التصحيح كما ينادون يجب أن يصدر الأمر من أصحاب القرار والرأي في المذهب وأن يكون ملتزما بالمذهب وليس خارجا وشاذا عنه، ولا يمكن فرض الإصلاح والتصحيح من الخارج.

  • التطوير مستمر

ألا ترى أن عملية التطوير غائبة عن المذهب الشيعي؟

لا أعتقد، والدليل على ذلك ما يجري ولا يزال يجري في مناطق عدة، كان الشيعة يشكلون فيها أكثرية وجرى فيها عملية تطوير، لكن عملية التطوير لا تأتي في صورة انفجار حتى تذكر في الصحافة، وبذلك تكون عملية اعلامية بحتة، وعندما تبنى المباني لا يحدث ذكر ذلك في الصحافة، لكن إن وقع مبنى يذكر ذلك، والتطوير عمل يومي، فهذا فقهنا تحول من فقه أفراد الى فقه دولة وأمة، وهذا من نتائج عملية التطوير، ونحن ندعو الى عدم الجمود والى عدم الخروج عن الاصول التي لا يمكن نسفها ثم المطالبة بتصحيحها.

  • تحديد الثوابت

لكن هناك اختلافا في الثوابت والمتغيرات داخل المذهب الشيعي؟

لنسأل أولا من الذي يحدد الثوابت، فلا يمكن لشخص خارج عن الاصول أن يحدد لنا ثوابتنا، والثوابت الرئيسة لدينا كتاب الله وسنة نبيه وأهل بيت نبيه، وهناك مبادئ وقيم جاء بها جميع الأنبياء والشرائع والثوابتن ليس ما نراه نحن حتى لو اعتبرت ثوابت بل الثوابت ما هو موجود في بطون الكتب، وأكرر الخروج عن الأصول لا يعتبر من التصحيح والتطوير، وهذا الأمر في جميع المذاهب والأديان، ولا تحدث عملية التطوير والتصحيح ببيانات صحافية تلزم به الكل بل في حوار داخلي.

  • تجديد الخطاب الديني

ما رؤيتكم حول تجديد الخطاب الديني في ظل عدم مقدرته على جذب الآخرين؟

أكرر لا بد لنا أن نكتشف البطون المختلفة للقرآن، وإذا كان الحديث الشريف يقول "إن للقرآن سبعين بطنا" اذاً هناك بواطن موجودة داخل الكتاب لا بد لنا أن نستخرجها في كل زمان ومكان، وقضية الفقه وتطويره وتطوير الحوزات تبدأ من داخل المناهج التعليمية وإذا لم نستطع تطوير المناهج التعليمية في أي مكان فنحن نجتر التخلف جيلا بعد جيل، ومثال على ذلك في السابق كان يوجد في الفقه ما يسمى بخيار المجلس، أي أنك إذا كنت جالسا في مجلس واشتريت أو بعت به تستطيع الفسخ ما دام المجلس لم ينفض، فأين الآن خيار المجلس في البورصة؟ وحسب هذا الظرف لا بد لنا من استنباط الأحكام المناسبة.

هل القواعد الفقهية قادرة على ذلك، يعني استنباط الأحكام الخاصة بالناس في العصر الحالي؟
نعم بالتأكيد.

نلاحظ في الخطاب الديني الشيعي غياب فقهي لبعض المفاهيم المتعلقة مثلاً بالاقتصاد وحقوق الإنسان باستثناء تجربة الشهيد الصدر؟

هناك كثير من المحاولات والشهيد الصدر كان من روادها في وقت كانت فيه الحاجة لمثل هذه المسائل أقل من الآن، لكن هناك كثرا ممن كتبوا في فقه المرور والحقوق، قد لا يكون بالمقدار الكافي، وهذا ما نحتاج الى تطويره، ففي جميع العلوم لا نستطيع أن نقول إننا وصلنا الى النهاية، ومن قال وصلنا الى النهاية فهو لا يفهم، نعم منظومة قيم الدين كاملة، لكن الفقه لا ينتهي وهو كل يوم في حالة تطور، وهذا الحال في كل العلوم ولننظر الى فوكوياما الذي جاء بنظرية نهاية التاريخ، التي تعتبر أحد أسباب الأزمة المالية الحالية، حينما قال إننا وصلنا الى نهاية التاريخ في الاقتصاد وإن السوق هو الذي يصحح نفسه بلا ضوابط ولا تدخلات ويعني ذلك بفهمه أن علم البشر انتهى، ومع أن حياة البشر في حالة تطور ورب العالمين كل يوم هو في شأن وهو بديع السماوات والأرض.

وبالنسبة الى الخطاب الديني فهو بحاجة الى نهضة لا تكون من قبل فرد أو فئة بل من قبل الجميع في داخل الأمة الاسلامية، وتجديد الخطاب الديني لا يعني إلغاء المقدس في الدين وترك الأصول.

  • الوحدة الإسلامية

رغم مرور أكثر من نصف قرن على عملية الوحدة الإسلامية وانطلاق مؤسسات التقريب بين المذاهب، فإن عمليات الوحدة لم تمنع الصراع الطائفي؟

الوحدة حاجة لا بد أن نبنيها لبنة لبنة، وبطبيعة الحال الناس لا يبحثون عن الوحدة ولا بد للوحدة من تحولها الى حاجة عند الناس، وأعتقد أن الوصول الى قواسم مشتركة والتعاون في ما بيننا هدف نهائي لنصل اليه،ولا نبدأ به وكنا سابقا نريد أن نبدأ بالوحدة مثل الوحدة التي كان يدعو اليها الليبيون، كانت تحدث من خلال لقاء زعيمين، فتقوم الوحدة ثم تنهار، والوحدة الحقيقية تقوم وتنتج مثلما حدث في أوروبا ومع كل الحروب التي عاشها الأوروبيون بدأوا بأصغر الأمور ونظموا أمورهم الى أن يصلوا الى الولايات المتحدة الأوروبية، أما لو كانوا جلسوا مع بعضهم وأصدروا بيانا مشتركا بأنهم اقاموا وحدة، لما وصلوا لما هم عليه الآن ونحن نعيش الآن في فترة ما قبل الاتحاد الأوروبي، لذا تجد مجرد اي حادث صغير او اختلاف يفجر جميع الاحتقانات، والأمر الأول المطلوب هو أن نتحاور مع بعضنا ونتفاهم، والأمر الثاني أن نجد القواسم المشتركة وهي كثيرة ونترك الخلافات لحوارات داخلية وليس للإعلانات وأن نمنع الإثارات وأن نحترم بعضنا بعضا ومقدساتنا وعقائد بعضنا وأنا أعتقد أن الخلافات الطائفية في بعض المناطق مثل الكويت مستوردة وهي نتاج محيطات خارجية.

كيف يكون الاحترام وهناك تيارات في كلا الفريقين تدعو إلى التكفير والقتل؟

الدين الذي يتسع لمليار ونصف مليار نسمة لا يعقل أن يكون على منهج واحد وتفكير واحد، نعم هناك في التراث شيء من هذا القبيل، وهذا موجود لدى كل البشر، لكننا يمكننا مع وجود هذا الأمر أن نتعاون ونتحاور وأن نمنع الجهلة من كلا الطرفين، لأن دائما هناك من يجد مبتغاه في الإثارات.

نجد فتوى للشيخ شلتوت (من كبار علماء المذهب السني) تجيز التعبد بالمذهب الجعفري (الشيعي)، لكن لا نجد فتوى شيعية تجيز التعبد بالمذهب السني فما السبب؟

السبب في ذلك بسيط جدا هو أن هناك أطرافا تتهم الشيعة بأنهم غير مسلمين، لكنه لا يوجد في الشيعة من يتهم غيرهم بأنهم غير مسلمين، وأنا هنا لا أتحدث عن شواذ أي مذهب وأقول نحن بالإجماع نرى كل من ينطق بالشهادتين هو مسلم ورغم اقتناعي بمذهبي لكني لا أكفر الآخرين، ورغم أن القرآن يشير إلى سنة الاختلاف، فإنه يدعو إلى التعاون على البر والتقوى، والشيخ شلتوت عندما أصدر الفتوى لم يغير مذهبه وأنا مسبقا أقول إن جميع هؤلاء مسلمون وما نتفق عليه %90 وما نختلف فيه %10.

  • مولد المسيح

نحن على أبواب مناسبة ذكرى مولد السيد المسيح، عليه السلام، هل هناك رسالة توجهها بهذه المناسبة؟

عندما التقيت بأحد المسيحيين قلت له إذا كنت أريد أن أدعوك للإسلام فلا أريد أن أخرجك من المسيحية، ونحن نعتقد بقدسية السيد المسيح، عليه السلام، والسيدة مريم، عليها السلام، أكثر من غيرنا والرسالة التي أوجهها هي أننا يجب أن نتعاون لأننا جميعا مخلوقون لإله واحد والقرآن يدعونا إلى كلمة سواء.

نحن مقبلون على ذكرى عاشوراء وهناك دعوات إلى تجديد الخطاب العاشورائي وتطويره؟

الإمام الحسين، عليه السلام، يشكل قضيتين: قضية حق مضيع وقضية جسد مقطع، وقضية الحق المضيع هي القضية التي من أجلها قتل ومنها تلك الشعارات التي رفعها "ألا ترون أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه"، والتركيز على أهداف الحسين وعلى الحق المضيع وليس فقط على الجسد المقطع هو بداية سليمة لتجديد الخطاب العاشورائي.

  • التعاون مع الغرب

"الصوت" سألت المفكر الإسلامي آية الله هادي المدرسي: كيف يتحقق التعاون فيما إهانات الغرب للنبي محمد، صلى الله عليه وآله وسلم تتواصل؟

فأجاب "في هذه المسألة هناك تقصير من جانب المسلمين في تفهم الآخرين أو نشر ما يرتبط برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن الكريم، وتوجد خطوات عدة لمعالجة هذه القضية، منها سن قوانين لمن يتجاوزعلى مقدسات أخرى، وهذه مسؤولية الحكومات، والخطوة الثانية هي إنشاء مراكز في الأماكن التي يهان فيها رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ونشر كل ما يرتبط به، ونحن لم نؤمن برسول الله لقرابة، وإنما لأننا فهمناه وعرفناه على حقيقته ولو فهمه الآخرون سيحترمونه على أقل تقدير، إن لم يؤمنوا به، وهذه مهمة المسلمين.

  • احذروا حرف L

تحدث المفكر الإسلامي آية الله هادي المدرسي عن أسباب الأزمة المالية قائلا "لقد أصبح المال هو رأس مال نفسه، من دون إنتاج أو تنمية، وأصبح من لديه مبلغ من المال يزيد فيه من دون عمل أو إنتاج وهذا هو الخطأ في الغرب، حيث إن المال اصبح قيمة في حد ذاته، وليس ثمنا لجهد أو بناء أو ما شابه ذلك، وهذا لابد من تصحيحه، والأزمة المالية كشفت عن خلل كبير في النظام القائم الذي يعتبر أن المال قيمة في حد ذاته، مع أن الملاحظ قيمة المال بصرفه وليس بجمعه، وأعتقد أن الحل الاسلامي العام في ثلاثة أمور، الأول، منع الربا، ونحن ننظر إلى الربا على أنه تعامل بين افراد، بينما المشكلة الأساسية أن صندوق النقد الدولي يعتمد على الربا في عملية إقراضه للدول، بحيث إن اقتصاد البلد لا يستطيع أن يدفع الفوائد، كما في بعض الدول الأفريقية التي يذهب نصف ميزانيتها لدفع الفائدة فقط، والأمر الثاني، ألا يعطى للمال قيمة من دون ضوابط وأن نقول إن السوق هو يصحح نفسه من دون ضوابط، مما سبب هذا الانهيار المالي وما هو آت أعظم، حيث كانت الأزمات المالية في السابق تصيب العالم على شكل حرف V أو U أما الأزمة الحالية فهي على شكل حرف L ونحن في بدايات الأزمة، ونهايتها ستشمل جميع الكرة الارضية كلها، ونحن الذين سندفع الثمن، لأن الكبار سيعوضون ما خسروه منا نحن.

والأمر الثالث، تحويل حياة الناس إلى رفاهية كاذبة وزرع ثقافة الاستهلاك وعدم دفع الناس الى بذل جهد، فالكون بني على أساس الكد وبذل الجهد "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، وكان يجب تعويد الناس على العمل، وبدلا من استخراج البترول وتحويله الى مبان شاهقة وسيارات فارهة، كان لا بد لنا من تحويله الى مزارع ومصانع، وتجربة الصين ماثلة أمامنا، ويجب استثمار المال في الزراعة والانتاج وليس الاعتماد على البورصة

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محب ال المدرسي
[ الكويت ]: 30 / 12 / 2008م - 10:47 ص
سيدى بارك الله فيكوحفظك ورعاك