الإنسان واغتنام الفرص

الأستاذ حسين صليل *

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على محمد وآله الطاهرين

      الفرص جمع فرصة وتطلق على الأمر النادر وهو الشيء الذي يحتمل أن لا يتكرر أو الذي يتكرر قليلاً، لكن هذا إذا نظرنا إلى ذلك من ناحية الأشياء بالنسبة إلى الإنسان أما إذا نظرنا من منظار الإنسان بالنسبة إلى الأشياء فإن الأمر يتغير فتصبح وتتصف كثير من الأشياء بالندرة حيث هو لا يضمن البقاء والعودة لذلك يقال في المناسبات عساكم من عواده.

     وللإيضاح نتأمل قليلاً عندما فمثلاً عندما نقول لشخص ما إن شهر رجب فرصة للإنسان فيمكنه استثماره بالصيام وبعض الأعمال الأخرى، فإن شهر رجب هو شهر واحد في السنة فلا يتكرر إلا مرة في السنة، فإذا بقي الإنسان حياً فإنه يتكرر لكن إذا نظرنا إلى الإنسان بالنسبة إلى شهر رجب فإننا لا نضمن أبداً تكرار هذا الشهر فيصبح شهر رجب في غاية الندرة، نحن نرى أن شهر رمضان يتكرر كل عام مرة ونستفيد من خيراته لكن نرى أيضاً أن كثيراً من الناس لم يدركوا شهر رمضان الجديد.

    لذلك نجد في علم الاقتصاد يتكلمون عن ما يطلق عليه الاختيار و تكلفة الفرصة البديلة حيث يرون أن حاجات الإنسان في تزايد بينما الموارد المتاحة قليلة ونادرة فيكون اختياره لأي مورد يعني تضحيته بمورد آخر "إذ بسبب الندرة لابد أن تبرز مشكلة الاختيار وبالتالي تكلفة الفرصة المترتبة على ذلك" (1) ويعني ذلك أن يختار لأنه لا يستطيع الحصول على كل شيء.

     نحن كمؤمنين نقول أن الموارد المتاحة يمكن أن يوظفها التوظيف الصحيح فيستفيد منها هو والأجيال التي بعده، يقول سبحانه وتعالى ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20) سورة لقمان
      فإن نعم الله سبحانه على الإنسان أكبر من أن تعد، لذلك حتى النفايات التي يمكن إعادة تصنيعها أو تحويلها إلى مادة نافعة و كان وبإمكان الإنسان ذلك فإن تركه يعد إسرافاً مذموماً في الدين الإسلامي قال عز وجل  ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) سورة الأعراف
وفي آية أخرى ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) سورة الأنعام

  عندما نتحدث كمؤمنين عن اغتنام الفرص فإننا لا نلتفت إلى قول أهل الاقتصاد الذين يقولون بقلة الموارد وندرتها فقط بل نقول إن ما أنعم الله به على الإنسان لا يعد ولا يحصى لكن على الإنسان أن يوظف هذه النعم التوظيف الصحيح وأن يفجر طاقاته لكي يستفيد منها أكبر ما يمكن أن يكون هو والأجيال التي بعده، نعم إن الإنسان بطبعه يتطلع إلى كثير وكثير من الملذات كما روى " لا يملئ بطن ابن آدم إلا التراب" لأن الإنسان مخلوق للآخرة فكل ما في الدنيا لا يملئ عينيه.

ما نريد الإشارة إليه هنا كيف يتعامل الإنسان مع الفرص بالنظر إليه لا بالنظر إليها؟
كما ذكرنا في المقدمة بأن الفرصة هي الأمر النادر، فإذا نظر الإنسان إلى ما حوله لوجد أن كل شيء نادر إذا ما قارنه بعمره ومدة بقائه في هذه الدنيا، وما نريد الوصول إليه هو أن عمر الإنسان أن وجوده أن حياته أنفاسه قوته ...إلخ هي الفرص النوادر وليست الأشياء بحد ذاتها وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام " إضاعة الفرصة غصة" (2)
أمام الإنسان الدنيا و الآخرة فأيهما يختار، فإنه موجود في هذه الدنيا فيمكنه العمل فيها لها ويمكنه العمل للآخرة فهو حر، فإما أن ينهمك في شهواته الدنيوية وينسى آخرته و إما أن يوظف كل ما هو موجود بين يديه لمصلحته في الدارين فيكون من الفائزين كما يقول تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) سورة آل عمران

   إن الفرص للإنسان كثيرة وتتلخص في الحديث الشريف ما مضمونه " اغتنم ... حياتك قبل موتك وشبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك ولكن سوف نتعرض لأهم هذه الفرص كما يأتي:

1- عمر الإنسان أغلى ما لديه :

إن حياة الإنسان تتكون من سنين وأشهر وأيام وساعات ودقائق وثواني بل أنفاس، فكل لحظة من لحظات هذا الإنسان هي فرصة ثمينة وقد لا تتكرر، عندما يسوف الإنسان أعمال الخير و التوبة ويقول غداً أتوب غداً أصلى غداً العام القادم أحج الشهر القادم أخمس وهكذا فهو في حقيقة الأمر لا يلتفت إلى هذه الفرص النادرة فمن يضمن لك أنك تعيش إلى العام القادم أو الشهر القادم أو اليوم القادم بل من يضمن لك أنفاسك.

في قصة طريفة ينقل (مضمون القصة) أن رسول الله  سأل أحد أصحابه كيف هو مع الدنيا فقال إني إذا أصبحت لم أحدث نفسي بالمساء وإذا أمسيت لم أحدث نفسي بالصباح فقال له الرسول إنك لطويل الأمل فإنه أي الرسول إذا شهق لا يحدث نفسه بالزفير والعكس، وهذا ليس مبالغة لأن عمر الإنسان أنفاس، لأننا إذا نظرنا إلى محدودية العمر أغنتنا عن أي شيء آخر فقد ورد عن أمير المؤمنين علي " نفس المرء خطاه إلى أجله" (3).

2- مرحلة الشباب أهم مراحل العمر

قلنا أن عمر الإنسان هو بحد ذاته فرصة ثمينة عليه أن يستفيد منها ولا يضيعها فتنقلب إلى غصة كما في الرواية المشار إليها، لكن هذا العمر عدة مراحل الطفولة وهي مرحلة الاكتساب و والإنسان فيها غير مكلف شرعاً ثم مرحلة الشباب ثم الكهولة فالشيخوخة.

إن أقوى ما يكون الإنسان في مراحل عمره هي فترة شبابه فقواه الجسمية والعقلية في أوجها لذلك على الإنسان أن يسارع في استثمار هذه المرحلة الذهبية من مراحل عمره قبل أن تنقضي ولا ينفع الندم.

عندما يسوف الإنسان أعماله يماً بعد يوم كل يوم يقول غداً وإذا به يهرم فإن ما يستطيع عمله وهو شاب قد لا يستطيع القيام به و كهل أو شيخ لأن مرحلة الشباب هي مرحلة القوة والنشاط وتفجر الطاقات، كم من أشخاص استطاعوا الحج مثلاً وسوفوا حتى كبروا فإما الحج بعناء أو أنه لا يستطيع أصلاً وكذلك الصوم، ونحن هنا لا نقصد الواجبات فقط بل حتى المستحبات أيضاً.

3- الصحة فرصة ذهبية

في الرواية" نعمتان مجهولتان الصحة والأمان" إن ما يستطيع أن يعمله الإنسان وهو في حال الصحة ليس كما يمكنه في حال المرض، فمن الناس من يتحسر عندما يصيبه مرض يقعده على أيام الصحة التي ذهبت دون أن يستفيد منها لكن هل هذه الحسرة تنفع كلا.
كثير منا يزور المرضى خصوصاً الذين أقعدهم المرض و لا يتعض، هل تعلم أنك إن عشت ستبقى في صحة وعافية طول عمرك حتى تسوف وتوجل إلى الغد وما بعد الغد بل إلى سنوات.

علينا جميعاً أن نتأمل من آلان قبل فوات الأوان هل نحن ممن يستفيد من الفرص في حياته ويستثمرها لصالحه وإخوانه المؤمنين ومجتمعه ودنياه وآخرته؟

 إن ما ذكرنا من الفرص (العمر، الشباب، الصحة) هي عمدة الفرص في حياة الإنسان وإلا فإن نعم الله سبحانه وتعالى التي لا تحصى ولا تعد كثيرة وكلها فرص فالغنى ووجود المال لدى الإنسان فرصة فقد يفتقر الإنسان و لا يعود غنياً فعليه أن ينفق في سبيل الله قبل الفوات ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) سورة الحديد
 وقد ورد عن أمير المؤمنين في نهج البلاغة كلمة جميلة وكل كلامه جميل " احذروا نفار النعم فما كل شارد بمردود"(4)
نستفيد من هذه الكلمة معاني جمة إذا تفكرنا فيها من ضمنها :

أ‌- لزوم المحافظة على النعمة بالشكر فبالشكر تدوم النعم.
ب‌- النعم فرص قد تذهب ولا تعود ويندم الإنسان حين لا ينفع الندم.

وقد ورد في دعاء مكارم الأخلاق لزين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين صلوات الله وسلامه عليهما "اللهم صل على محمد وآل محمد واكفني ما يشغلني الاهتمام به واستعملني بما تسألني غداً عنه واستفرغ أيامي فيما خلقتني له"(5)
هذا الدعاء عظيم الشأن يستفيد منه المتأمل أنك تطلب من الله سبحانه أن يوفقك لانتهاز فرص الخير والطاعة لأنك تستطيع أن تنشغل بجمع المال والإنكباب على الدنيا وتنسى الآخرة فتكون قد ضيعت فرصة ثمينة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويأخذ بأيدينا إلى ما يرضيه عنا والاستفادة من فرصة الوجود في هذه الدنيا للفوز برضا الله سبحانه والجنة ومرافقة محمد وأهل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

المصادر
1-مبادىء الاقتصاد للدكتور ماجد المنيف ص 33
2- شرح نهج البلاغة لآية الله العظمى الإمام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) ص326)
3- نفس المصدر السابق ص 379)
4- نفس المصدر السابق ص300.
4- شرح الصحيفة السجادية لآية الله العظمى الإمام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) ص 156-157)
كاتب ( السعودية )