الأمن الذي يخلق دولة بوليسية

الأمن أم الحرية ؟ !(3)

منتظر الشيخ أحمد
 
يعرف الأمن في اللغة بمعنى السكينة و الطمأنينة، و الأمن نقيض الخوف يقول تعالى ﴿وآمنهم من خوف(قريش/5)، و يذكر علماء النفس أن الإنسان لا يقوم بأمر إلا وهو يعتقد بأنه يعود عليه بالأمن عاجلاً أم آجلاً، فإذا أمن على نفسه في بلد معين سعى إلى العيش فيه، وإذا أمن على ماله في تجارة ما سعى إلى وضع ماله فيها وهكذا.
و الخوف أحد عوامل السعي إلى الأمن يقول الأمير(عليه السلام) : نعم مطية الأمن الخوف.
 
 و قد تطور مفهوم الأمن ليشمل الجماعة بدل الفرد، كما تنوعت مفاهيم الأمن لتشمل كل أمور الحياة ( الاجتماعية، و الاقتصادية، و النفسية ..الخ) و ذلك بهدف الوصول إلى استقرار تعاملات الأفراد الذين يعيشون في المجتمع، و توكل مهمة حفظ الأمن بمختلف أنواعه على عاتق السلطة الحاكمة، و هي المخول الوحيد باتخاذ أي إجراءات في سبيل الحفاظ على كيان المجتمع والأمن والنظام فيه بمختلف أشكاله وصوره .
 
و مازال يثير هذا التطور لمفهوم الأمن جدلية بين السلطة و المواطن، فالسلطات تعطي مفهوم الأمن الجماعي مفهوما ديناميكياً متغيراً حسب الظروف و الأهواء، و تدخل مفاهيم و مصطلحات أمنية جديدة مثيرة للجدل دون حسم لحدودها و هويتها منها الأمن الوطني أو القومي، و الذي يذهب بعض  المفكرين إلى أن الغرض من وجود مثل هذه مفردات التهويل بوجود خطر جماعي يستهدف كيان المجتمع، و يصل هذا الخوف إلى حد الهوس فيخلق تعابير جديدة منها (الأمن الغذائي، و الأمن الصناعي، و الأمن الفكري و الأمن المائي...الخ) و كل هذه التعابير المربوطة بـ(الأمن) يراد بها خلق ذلك الجو المخيف الذي يدعوا لضرورة الحزم في مسألة الأمن، و هنا تتلاعب الدول المستبدة بهذه التعابير لتتخذ منها وسيلة لتصفية معارضيها في الداخل أو خلق الأزمات لإبعاد النظر عن أخطاء و مساوئ النظام الحاكم، لاسيما و أن مثل هذه الدول البوليسية تضع مواطنيها دائماً و أبداً في دائرة التهمة، و الكثير من الدول البوليسية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر  وجدت لنفسها مبررات بسم قانون مكافحة الإرهاب لضرب معارضيها في الداخل.
 
ففي مثل هذه الدول تجد العشرات من السجناء منسيون داخل سجونهم بذريعة (الإرهاب) دون محاكمة عادلة، و يحرم السجين حتى من رؤية أبناءه، بل يصل الأمر في بعض الدول البوليسية إلى إخفاء كل أخبار السجين عن ذويه، و حتى مكان سجنه أو حالته الصحية، و يبقى معلقاً دون توجيه تهمة، أو تحديد مصير السجين لسنين عديدة.
 
لهذا خشية الشعوب الغربية من تحول دولهم إلى دول بوليسية –رغم أن السلطات جاءت باختيار الأمة الغربية عن طريق صناديق الاقتراع- وذلك بعد الإجراءات المشددة التي اتخذتها الأنظمة هناك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، و لكن بقية تلك الشعوب تراقب أنظمتها كيلا تشذ عن النهج الديمقراطي، بل إنها ربطت أهداف (الإرهاب) لمنعهم من ممارسة حريتهم لهذا هم أصروا على النهج (الديمقراطي) ليفشلوا مخطط الإرهاب، و اعتبروا أن على حكوماتهم السعي للحفاظ على الحرية و نشر الحرية.
 
بمعنى آخر إن (الأمن) بقدر ما هو ضروري، بقدر ما تكون الحاجة للحرية و الشفافية ضرورة أكبر، و هنا بقدر ما نحن نحتاج للأمن لا ننسى بأن التخلي عن "الحرية" سيولد إرهاب و خوف أكبر، لهذا الحفاظ على الأمن لا يأتي عن طريق الارتضاء بالدولة ذات النظام البوليسي، فالدولة البوليسية تهتم أولاً و أخيراً في الحفاظ على كرسيها و تتخذ الأمن ذريعة لتصفية معارضيها في الداخل، فتحول أي معارض ينادي بالحرية إلى "مجرم" مطارد بإسم زعزعة الأمن.
 
يقول (د. كاتوزيان): في المجتمع الذي تهدف كل القوانين فيه المحافظة على السلطة، لا نستطيع أن ننفي إمكانية تحول حقوق الإنسان فيه إلى لعبة لأهواء الطبقة الحاكمة. فإذا كنا نخشى في المجتمع الحر من اعتداء الشركات الكبرى والرأسماليين على حقوق الآخرين، مستخدمين ثرواتهم، أفلا يحق لنا أن نخشى مثل ذلك في مجتمع تحتكر السلطة كلّ القوى ووسائل الإنتاج، وتملك أيضاً ناصية القانون؟
 
لهذا فإن تحديد الضرورة الأمنية أو الضرورة الحضارية، إنما يتمّ عبر سلطة شرعية مقبولة عند الأمة. إذ من دون ذلك، تدعي كل سلطة مستبدة أن الضرورة الأمنية تقتضي التضحية بحريات الأفراد، والاعتداء على حقوقهم الطبيعية.