سماحة العلامة الحبيب : حجّية سنّة أهل البيت 2-3

سماحة العلامة الشيخ محمد حسن الحبيب
سماحة العلامة الشيخ محمد حسن الحبيب
حجّية سنّة أهل البيت

أولاً: الكتاب العزيز
قال تعالى ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً سورة الأحزاب، آية 33

القول بحجية السنة الصادرة من أهل البيت (قولهم وفعلهم وتقريرهم) والتعامل معها بالقبول والتسليم والتعبد بها كما هو الحال مع السنة الصادرة من الرسول يعود إلى القول بعصمة أهل البيت من الخطأ والسهو والنسيان وتنزيههم عن ارتكاب أي ذنب مهما صغر.
وهذه الآية على قول الشيعة تثبت ذلك وتدل عليه، ولتوضيح هذا الأمر علينا استبيان معاني بعض المفردات الواردة في الآية وبيان المراد منها.
    • ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ
لا خلاف في أن أداة الحصر في الآية تدل على حصر المنقبة في أهل البيت، والإرادة هنا تكوينية لا تشريعية لأن الأخيرة قد عمت عباده قاطبة فهي مطلوبة من كل أحد فلا اختصاص للبعض دون غيرهم في وجوب التطهر من الرجس والذنب والمعاصي.
والقول بالارادة التكوينية هنا لا ينفي الاختيار لأن المشمولين بها غير مجبرين على فعل أو ترك فهم لا يقدمون على ارتكاب المعاصي عن إرادة واختيار.
    • ﴿الرِّجْسَ
قال أهل اللغة أن الرِّجْس هو: القَذَرُ، و قيل: الشي‏ء القَذِرُ. وورد في معناها الذنب، والشرك، والبخل، والحسد، أو الاعتقاد بالباطل، وغيرها.
وواضح من هذه المعاني أنها بيان للمصداق وهي كثيرة تعود إلى مفهوم عام وشامل لكل قذارة بطبع الإنسان أو بحكم العقل أو الشرع أو كليهما، ويتأكد هذا المعنى بدخول (الـ) المعروفة (بألف ولام الجنس) والأخذ بمذهب القائلين بأن الرجس اسم جنس بمعنى: القَذَرُ.
و الرجس اسم جنس، و أل التعريف تفيد العموم والشمول، و المعنى التنزّه عن جميع الذنوب.
    • ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ
يرى الشيعة أن المراد من أهل البيت هنا هم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ولديهم أدلتهم المثبتة لذلك، بينما يضيف أهل السنة نساء النبي معهم ولديهم أدلتهم التي بقدمونها للدلالة على ذلك.
قال ابن كثير في قوله تعالى ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى اللّه عليه و سلم في أهل البيت هاهنا، لأنهن سبب نزول هذه الآية و سبب النزول داخل فيه قولا واحدا إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح.(١)
وقال الزحيلي: أهل البيت: كل من لازم النبي صلى الله عليه و آله و سلّم من الأزواج والقرابة، بدليل مطلع الآية: يا نِساءَ النَّبِيِّ. (٢)

والخلاصة: إن أهم ما أوردوه يقع في أمرين:

الأول: سبب النزول.

قال ابن كثير: نزلت في نساء النبي صلى اللّه عليه و سلم خاصة. و هكذا روى ابن أبي حاتم قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا زيد بن الحبّاب حدثنا حسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قال: نزلت في نساء النبي صلى اللّه عليه و سلم خاصة. وقال عكرمة: من شاء باهلته أنها نزلت في شأن نساء النبي صلى اللّه عليه و سلم‏.(٣)

وهذا على فرض صحته منقوض بقول كثير من الأعلام منهم ابن كثير نفسه حيث قال: إن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففيه نظر، فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك‏.(٤)

منها ما أورده ابن عربي في المراد من أهل البيت حيث نقل روايتين أحدها: ما روي عن عمر بن أبى سلمة أنه قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى اللّه عليه و سلم ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً في بيت أم سلمة دعا النبىّ صلى اللّه عليه و سلم فاطمة و حسنا و حسينا، و جعل عليا خلف ظهره، و جللهم بكساء، ثم قال: اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.

قالت أم سلمة: و أنا معهم يا نبىّ اللّه. قال: أنت على مكانك و أنت على خير.

والثانية: روى أنس بن مالك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يأهل البيت، ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

وعلق على هاتين الروايتين بقوله: خرّج هذين الحديثين الترمذي و غيره.(٥)

الثاني: وحدة السياق

قالوا أن سياق الآية والآيات السابقة واللاحقة تتحدث عن أزواج النبي فهن إذا مشمولات بهذا المقطع من آية التطهير أيضا.

والجواب:

أولا: ما ذكره صاحب الميزان: أن الأحاديث على كثرتها البالغة ناصة في نزول الآية وحدها، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النبي ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة وعروة، فالآية لم تكن بحسب النزول جزءا من آيات نساء النبي و لا متصلة بها و إنما وضعت بينها إما بأمر من النبي أو عند التأليف بعد الرحلة.(٦)

ثانيا: أن الضمائر هناك جاءت بصيغة المؤنث وهنا بالمذكر وهذا يعني أن المعنى المراد مختلف وإلا ما اختلفت الضمائر تأنيثا وتذكيرا.

ثالنياً: الحديث الشريف

وردت في طائفة كبيرة من الأحاديث الشريفة تدلل على حجّية سنّة أئمة أهل البيت ، نشير إلى بعضها:

1. حديث الثقلين
  • حدثنا عبد اللّه‏، حدثني أبي، حدثنا أبو النضر محمد بن طلحة، عن الأعمش، عن عطية العَوْفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي قال: (إني أوشك أن أُدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللّه‏ عزّ وجلّ، وعترتي، كتاب اللّه‏ حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني: أنهما لن‏ يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض، فانظروا بم تخلفوني فيهما).(٧)

و جاء الحديث المذكور في طائفة من الروايات في مصادر أهل السنة على النحو التالي: (كتاب اللّه‏ وسنّتى) أورد منها صاحب "كنز العمال" نحو عشرين رواية، أربعة منها بلفظ (سنّتى) أو (سنّة نبيه)؛ و قد نقل ثلاثة منها عن أبي هريرة، وقال أبو نصر السجزي عن أحد الموارد في "الإبانة": إنه غريب جداً عن أبى هريرة؛ ونقل الرواية الرابعة عن ابن عباس. و لا تعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات، لأن رسول اللّه‏ خلف كتاب اللّه‏، وعترته، وسنته بين المسلمين، و أمرهم بحفظها و الاهتمام بها.(٨)

والاستدلال بهذا الحديث أن كتاب الله حجة بلا خلاف فمن المفترض أن يكون عدله مثله.

٢. حديث السفينة

أخبرني أحمد بن جعفر بن حمدان الزاهد ببغداد، حدّثنا العباس بن إبراهيم القراطيسي، حدّثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدّثنا مفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش الكناني، قال: سمعت أبا ذر يقول "وهو آخذ بباب الكعبة" من عرفني فأنا من عرفني، ومن أنكرني، فأنا أبو ذر، سمعت النبي يقول ﴿ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق.(٩)

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

مع الوصف المذكور يلزم أن يكون أهل البيت حجج الله على الناس وإلا عد هذا الحديث مبالغة وهذا لم يقل به أحد من الأعلام.



(1) تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)، ج‏6 ص 365.
(2) تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج‏3 ص 207.
(3) تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)، ج‏6 ص 366.
(4) المصدر السابق.
(5) أحكام القرآن، ج‏3،ص 153.
(6) الميزان في تفسير القرآن، ج‏16 ص 312.
(7) مسند أحمد: ٣ / ١٤و ١٧ ؛ ٤ / ٣٦٧ و ٣٧١ ؛ السنن الكبرى: ٢ / ١٤٨ ؛ ٧ / ٣٠ ؛ ١٠ / ١١٤ ؛ المستدرك: ٣ / ١٤٨ ؛ كنزالعمال: ١ / ١٧٢ ـ ١٧٣ برقم ٨٧٠ ـ ٨٧٦ ؛ ١ / ١٨٥ ـ ١٨٨ برقم ٩٤٣ ـ ٩٥٥.
(8) دروس في نصوص الحديث ونهج البلاغة ص 13.
(9) المستدرك: ٣ / ١٥٠ ؛ كنزالعمال: ٦ / ٢١٦و ٢٥٠ ؛ حلية الأولياء: ٤ / ٣٠٦.