قصة : العين و مستشار الوزير

جلس حزيناً تثاقلت عليه أعباء الدنيا كمداً و صبت لجامها على جسده فأصبح لا يبصر طريقاً , بحث عن وظيفة لكن الواسطة و الروتين و سنتصل بك لاحقاً أقعداه في منزله بين حيطانه التي تعج بالكتابات المعبّرة عن ما بداخله من كبتٍ و أحزان .

 فجأة خرج صرصور من أحد الجدارن مسرعاً و إذا بالشاب ينظر إليه بدقة متناهية أسرع من الصوت وقال في نفسه ما أسرعه كأنه فيراري .. وفجأة أنقلب الصرصور على ظهره يعاني سكرات الموت و ارجله متوجهة لأعلى حتى إنطفأ بريقه و علت الدهشة الشاب فما الذي حدث ؟ و خرج صرصور آخر كأنه يبحث عن الأول و إذا الشاب دون قصدٍ منه قال جاءت سيارة الإسعاف حتى لحق الثاني بالأول و جاء الثالث مسرعاً وكأنه يبكي لفقدهم حتى قال الشاب مسكينه أمهم أنفجعت في ولدين ... حتى ارداها قتيلة مضرجة بألمها وفقدها فأصبحت هناك مقبرة للصراصير وفي هذه اللحظة انتابه شعور أنه يملك شيئاً ذهبياً لم ينتبه إليه إلا في هذه اللحظات وكأنّ الصراصير هم من سيفتح له أبواب الخير و الرزق و قال في وجدانه الآن جربت عيني على الصراصير دعني أجربها على البشر لأرى مفعولها وبعدها انطلق للثراء .

 خرج وهو في غمرةٍ من الفرح تسبقه خطاه الآن أصبحت املك وظيفة ولن تمنعني واسطة ولا ملفات خضراء ولا إتصالات فأنتم من جنيتم على هذا الفقير المسكين و جعلتموه يسلك هذا الطريق لكن لا حيلة لدي فالجوع قاتل ارهابي لا يعرف رحمة ولا رأفة , وقف بالقرب من أحد مراكز بيع المواد الغذائية وجاءت سيارة فارهة صاحبها على مايبدو انه ابن تاجر كبير فهو شاب في عمر صديقنا ملابسه و تسريحة شعره و الحلي التي في يده دليل على أنه يعيش في طبقة عالية من الثراء , فقال الشاب ماشاء الله البيضة توها طالعة مافيها ولا خدش واحد و عندما خرج الشاب من المركز وحاول تشغيل السيارة لم يستطع حتى ابتسم صديقنا و كأنه اطمأن للموهبة الجديدة التي امتلكها للتو فمرّ بجانب السيارة وقال هامساً ما شاء الله حتى اشتغلت السيارة .

و جاءت له الفكرة الذهبية وأول خطوة إلى المستقبل الواعد فهو لا يحبذ هذا الطريق الملتوي للحصول على وظيفة لكن في ظل الظروف المعاصرة سلك هذا الطريق و قد اقسم على نفسه أن يترك العين الحاسدة عندما يظفر بوظيفة تستره و تزوجه و تأويه , غيّر ملابسه ولبس ملابس مناسبة للميكانيكي و أنطلق الى أحد الدوائر الحكومية وجلس بالقرب من سيارة المدير التي كانت متوقفة في المكان المخصصة له بحيث لا يراه المدير و أنتظر طويلاً في أشعة الشمس الحارقة و العرق بلل ملابسه و لسانه أصبح كالخشبة اليابسة حتى رأى فجأة شخص من مظهره يدل على أنه المدير فاستعد وأعتدل و رأى المدير فعلاً ركب السيارة و رماها بعينه الحارة حتى رأى المدير يتأفف و نزل من السيارة و أتصل على احدهم فجاء مسرعاً وحاول أن يساعد المدير و يشغل السيارة لكنها لم تشتغل و أتصل هذا الشخص على أحدهم وجاء شخص أجنبي و لم يستطع أحد أن يشغل السيارة حتى جاء الشاب و أقترب من السيارة و علامات الذهول على ملامح الجميع فمن أين خرج هذا فجأة ؟ ولماذا هو هنا أصلاً ؟ وقال انا أعرف كيف تشتغل حتى قال بصوت فحيح كصوت الثعبان ماشاء الله و أوهمهم أنه يبحث عن شئ و فعلاً اشتغلت السيارة و هللت اسارير المدير فرحاً و جميع من حوله و قال له المدير بكرا تجيني المكتب ابي اتفاهم معك .

 في اليوم التالي دخل على المدير في تمام الساعة العاشرة لبس ثياباً نظيفة و سرّح شعره جلس و ابتسامه خجلاء ارتسمت على وجهه الطفولي و ابتدره المدير قائلاً : ماشاء الله عليك أمس لولاك ماكانت السيارة اشتغلت . قال الشاب : هذا من فضل الله . قال المدير : بس في شئ محيرني .. أممم إنت شالجابك هنا ؟ وفي هالوقت ؟ وكأنك ما شاء الله مستعد . قال الشاب : كنت اتوقع بتسألني هالسؤال بس بصراحة انا مريت من عندكم وكنت تعبان قلت ليش يا ولد ماتستريح و مالقيت مظلة إلاّ مظلتك و بعض المظلات المخصصة لكبار المسؤولين . قال المدير : سبحان الله الصدف كثيرة والله كاتب لك رزق .. ابتسم الشاب ابتسامة سخرية و استطرد المدير وقال : من اليوم ان شاء الله رايح نوظفك عندنا في الورش الخاصة بالسيارت والآلات .. غمرت الفرحة على وجهه وبدت ملامحه واضحة من الابتسامة وكأنه للتو انتهى من غسل وجهه .

 
بدأ العمل في الورشة الخاصة بالصيانة وتعلم في فترة وجيزة كيف يصلح السيارات و الآلات و تطوّر في عمله و كافح فيه بكل قوته الشبابية المتدفقة في أطرافه و استمر على هذا حتى أصبح رئيساً لقسم الصيانة و زاد نشاطه و اعتلى صهوة التميز و الإتقان في العمل و أصبح يشار إليه بالبنان و أصبح محط أنظار الجميع و تم ترقيته إلى رئيس قسم الموارد البشرية و أيضاً بصم بصماته الكادحة بالعطاء و أعطى كل مجهوده و تسلح بالفكر النير و العمل الدؤب وكان لا يخرج من عمله حتى ينجز عمله فيبقى إلى فترات متأخره من الليل و يأتي صباحاً قبل الموظفين و مكتبه لا توجد عليه أي ورقة و بعدها تم ترقيته للمدير الإداري العام بالدائرة و أصبح بعدها نائباً للمدير العام .
 

ذات يوم استدعاه المدير العام و أول مادخل عليه قام له مسلّماً مبتسماً و شعر أن خلف تلك الإبتسامة شئ مكنون , قال المدير : أهلاَ أهلاً بك عزيزي .. رد قائلاً : أهلا بك يا طويل العمر .. قال المدير : إنت من الآن وصاعداً ستكون طويل العمر .. استغرب الشاب وعلت الدهشة محياه .. قال المدير : ماهي قصتك حتى وصلت إلى هذه المرحلة الكبيرة و المثالية ؟ .. قال الشاب : سأقول لك الحقيقة كاملة يا سعادة المدير .. قال المدير : وأنا سأسمعها بكل احاسيسي .. قال الشاب : يا سعادة المدير أنا لست بارعاً في تصليح السيارات و في ذلك اليوم الذي كنت متواجداً فيه في مواقف السيارات كنت متعمداً أن اكون هناك بعدما رأيت ما ألمّ بي من ضيق العيش و بعد أن تعبت من البحث عن العمل وبعد ان سجّلت في الديوان ولم يقبلني أحد ولم يستقبلني أحد .. عدتُ للبيت و الحسرة و اليأس يعصفان بقلبي حتى اكتشفت أنّ عيني حارة وجئت لسيارتك و أعطيتها العين لكي تكون المدخل الحقيقي لتوظيفي و بالفعل نجحت خطتي و كنت يا سعادة المدير احمل بكالوريوس إدارة الأعمال و اتقنت صيانة السيارات و الآلات و واصلت دراستي و نلت ماجستير في إدارة الأعمال حتى تمكنت من كل شئ وأصبحت في هذا المكان و الآن ولله الحمد وضعي المادي في أحسن حال و تركت الفقر بسبب العين .. ضحك المدير بصوت عالي وقال : أهااا يا خطير إنت والله طلعت ذكي ماشاء الله عليك ماتوقعت كل هالسيناريو .. ابتسم الشاب ابتسامة هادئة .. و قال المدير : اليوم استدعيتك لأبشرك بعمل جديد تكريماً لمجهودك في الدائرة .. علت علامات الإستفهام وجه الشاب .. قال المدير: هذا خطاب جاء من الوزير فيه تكليفك بمنصب مستشار الوزير .