كيف يكلّم الله أنبياءه؟

نحو ثقافة قرآنية (3)

يستطيع الإنسان أن يتكلم مع أخيه الإنسان بسهولة ويسر بالغين، فهما أبناء دائرة واحدة ونوع واحد، وكلاهما يملك جهاز إرسال وجهاز استقبال، يملكان اللسان والأوتار الصوتية، ولديهما أذن تلتقط خيوط الكلام.

لكنّ الله ـ جلّ وعلا ـ ليس جسماً محسوساً ليكون لديه أوتار صوتية ولسان وأذن، فكيف يتم التواصل بين الله المعنوي والإنسان الحسي، وهما ينتميان لعالمين مختلفين: أحدهما من عالم الغيب، وثانيهما من عالم الحسّ؟!

كيف يكلّم الله الأنبياء؟

ما هي طرق وحي الله للأنبياء؟

لقد سلطت إحدى آيات القرآنية الكريمة الضوء المكثف على هذا السؤال، فقالت: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ(1).

وبيّنت أنّ هناك ثلاث طرق يوحي الله بها للأنبياء، هي:

1ـ الإلقاء في الروع، عبر الإلهام أو الرؤيا:

ففي عالم الرؤيا والمنام رأى النبي إبراهيم الخليل أنّه يذبح فلذة كبده وولده الغضّ الندي إسماعيل، ورؤيا الأنبياء حقّ: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(2).
 
2- المخاطبة من وراء حجاب:

فقد كلّم الله نبيّه موسى من وراء حجاب، أسهمت فيه شجرة في الوادي المقدس خلق الله فيها الكلام، وبعثه منها: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(3).

3- إرسال الملك (جبريل الأمين):

أغلب الوحي للأنبياء كان يقوم الملك الأمين جبريل ، فهو الواسطة بين الله والأنبياء، ينقل لهم وحيه وأمره ونهيه.

يقول الله تعالى عن نبيّه المصطفى محمد : ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى(4).

وقد مرّت - بهذا الترتيب - في الآية المكثفة التي بيّنت أشكال وحي الله للأنبياء.

وبشكل آخر يمكن إرجاع هذه الطرق الثلاث إلى أسلوبين هما:

1ـ الوحي بالمباشرة (الإلقاء في الروع).
2ـ الوحي بالواسطة (المخاطبة من وراء حجاب، أو إرسال الملك).

 

(1) سورة الشورى، الآية 51.
(2) سورة الصافات، الآية 102.
(3) سورة القصص، الآية 30.
(4) سورة النجم، الآية 1ـ 7.