دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *


أن تكون أجيرا تحت أي مسمى من المسميات الوظيفية حتى التنفيذية منها، فأنت في نهاية المطاف ذو أفق محدود لا يمكنك أن تتعداه إلى غيره. صندوق الوظيفة قد يختلف اتساعا وضيقا من مركز وظيفي لآخر، ولكنه يظل صندوقا، لا يطلق لخيالك وقدراتك وابتكاراتك العنان، ولا يستثمر كافة طاقاتك.

إن أدنى تأمل في الأحاديث والروايات يدلنا على أهمية الاشتغال بالتجارة والأعمال الحرة. فعن الإمام علي أنه قال للمَوالي: " اتجروا بارك الله لكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة، وواحد في غيرها". فإذا عرفنا أن 90% من الرزق مصدره التجارة، ورأينا الاهتمام الكبير في مجتمعنا بالبحث عن مصدر رزقهم في النسبة الضئيلة المتبقية من الكعكة، سندرك مدى تفريطنا في هذا الأمر الهام. وفي رواية أخرى عنه : تعرضوا للتجارات فإن


لكم فيها غنى عما في أيدي الناس وإن الله عز وجل يحب المحترف الأمين.

عند مقارنة حال المجتمعات التي انهمكت بالوظيفة بالأخرى التي انكبت على التجارة نعلم يقينا أن الثانية سلكت الطريق الأجدى، وأنها استطاعت أن تحتل موقعا مميزا على الخارطة، بينما قبعت الأولى في الهامش.

لنتأمل في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وما فيه من حث على السعي في الآفاق المختلفة طلبا للرزق على مستوى الكرة الأرضية، وليس في مجتمع محدود أو وظيفة لا تخرج من سجنها. لقد تطورت التجارة اليوم كما هو معلوم، وصار لاقتصاد المعرفة الشأن الأكبر، ولكننا لا نزال بعيدين عنه تماما. شركة واحدة مثل غوغل تقوم على اقتصاد المعرفة تجني من الأرباح سنويا مليارات الدولارات، بينما الكثير من أبنائنا الذين لا يعوزهم الذكاء أو المعرفة محبوسون في أقفاص الوظائف وصناديقها ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا .

لستُ تاجرا ولم أكن في يوم من الأيام رجل أعمال. ولكني لا أريد لأبناء مجتمعي أن يسلكوا نفس الطريق الذي سلكه الموظفون في الأرض من أمثالي، مع الاعتذار من الأديب المصري طه حسين، صاحب كتاب (المعذبون في الأرض).

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام