دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *


 كثير من الناس يعتقد أن التوفيق ضربة حظ، وأنه لا علاقة له بإرادة الإنسان ونيته وإخلاصه. بعضهم يبرر فشله في أي شأن من شؤون الحياة بمعاندة ومعاكسة الحظ له وعدم التوفيق. وهو بهذا يحاول إبعاد المسؤولية عن نفسه، وإلقاء اللوم على أسباب خارجية لا دخل له فيها.

ومثل هذا لا يمكنه أن يتقدم خطوة للأمام، ما دام لا يرغب في تحمل المسؤولية واتهام نفسه بالتقصير في الأخذ بأسباب النجاح.

حين نتأمل في قوله تعالى: (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما) نلاحظ أن التوفيق بين الزوجين الواقع جوابا للشرط مشروط بتحقيق فعل الشرط وهو إرادتهما الإصلاح. فإذا تحقق الشرط تحقق المشروط بإذن الله.

يقول صاحب الميزان في تفسير هذا المقطع من الآية: أي إن يرد الزوجان نوعا من الإصلاح من غير عناد ولجاج في الاختلاف، فإن سلب الاختيار من أنفسهما وإلقاء زمام الأمر إلى الحكمين المرضيين يوجب وفاق البين.

و أسند التوفيق إلى الله مع وجود السبب العادي الذي هو إرادتهما الإصلاح، والمطاوعة لما حكم به الحكمان لأنه تعالى هو السبب الحقيقي الذي يربط الأسباب بالمسببات وهو المعطي لكل ذي حق حقه .

فالتوفيق الذي هو: "جعل شخص أو شيء موافقا لآخر، حتى يحصل الالتيام والتقارب بينهما، ويرتفع التنافر والتخالف والتباعد" ، يحتاج لتحقيق مقدمات موضوعية من الإنسان نفسه.

وبعد توفير المقدمات المطلوبة تتدخل الإرادة الإلهية العليمة الخبيرة في إحداث التوفيق بمقتضى حكمة الله تعالى. (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) .

في آية أخرى يظهر للمتأمل الربط بين الإرادة والتوفيق. يقول نبي الله شعيب : ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ . فهو يشير إلى أنه يأخذ بالأسباب، ويعمل إرادته بكامل قوتها لتحقيق هدفه المنشود (مَا اسْتَطَعْتُ)، ويبقى الأمر في نهاية المطاف بيد الله تعالى.

من هنا يجب علينا أولا أن نوفر مقدمات التوفيق، من خلال الإرادة الحقيقية العازمة على الوصول للهدف بكل طاقتها ووسعها، ثم نقول ﴿وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام