دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *


الدَّين ممنوع والعتب مرفوع والرزق على الله. عبارة أصبحت مألوفة جدا في مجتمعنا. تجدها في ورقة على مرآة الحلاق، وفي مغسلة الثياب، وفي المحلات الصغيرة، وفي المتاجر الكبيرة. وصار الأغلب يتخوف من الدَّين، ويرددون: السَّلف تلف. فهم يرون أن الديون إتلاف وإهلاك للمال. حتى في البنوك التي يقوم جُلُّ عملها على الديون، وتستطيع أن تتغدى بالعميل قبل أن يتعشى بها، ولديها من الخبرات والتوثيقات ما يمكنها من تحصيل ديونها، فإنها تضع هامشا محددا للديون المشكوك في تحصيلها، والديون المعدومة.


تحولت مسألة الديون إلى هاجس كبير لدى الكثير من أصحاب الأعمال الذين يُضطرون للتعامل بالبيع بالدَّين. كما ساهمت هذه المسألة في أحيان كثيرة في قطع سبيل المعروف، وذلك حين يخشى من يريد أن يُقرض أحدا من عدم السداد بسبب تراكم التجارب السلبية عنده.

من هنا تأتي أطول آية في القرآن الكريم- آية الدَّين، الآية 282 من سورة البقرة- مقننة لهذا الموضوع الهام جدا، لكي تحفظ لكل ذي حق حقه، وحتى تضمن استمرار الثقة بين المؤمنين في معاملاتهم، وتمنع الخلافات بينهم. فالتشريعات ضرورية جدا في مثل هذه الأمور المالية الحساسة، لأن الركون للثقة وحدها قد أدى ويؤدي كثيرا إلى نزاعات وخصومات تنتهي بأن يقول كل طرف للآخر (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ)، وهو ما لا يريده الدين، بل يريد خلافه.

الإسلام دين واقعي، فهو من جهة حث على القرض ودعا إليه، فقد ورد عن رسول الله : "من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات، وإن رفق به في طلبه تعدى به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب، ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرم الله عز وجل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين". ومن جهة أخرى حث على توثيق الدين وكتابته والإشهاد عليه. والدَّين كما يقول الفقهاء أعم من القرض، لأن "العين المقترَضة تسدد بمثلها في الجنس والصفات، فإذا استقرضت نقدا ثبت في ذمتك للمقرض نقد مثله، وكذلك إذا اقترضت طعاما أو شرابا، وما إليه،... أما الدين فيثبت في الذمة بسبب من الأسباب الموجبة له كالقرض والبيع والإيجار والزواج والخلع والجناية والنفقة والحوالة، وما إلى ذاك".

للتأمل في آية الدين بقية تأتي بإذن الله.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام