الطعن في معتقدات أحدهم الخاطئة صعب

لأن أفكاره مصدرها الشبكات الاجتماعية لا الحقائق

عدنان أحمد الحاجي *

يعتقد معظم الناس أنهم اكتسبوا معتقداتهم بناءً على مستوى عالٍ من الموضوعية(1).  لكن النقاشات الأخيرة بين الناس حول قضايا مثل حقوق المتحولين جنسيًا أو التطعيمات أو قضية رو ضد وايد [المتعلقة بحق الإجهاض](2، 3) تشير إلى حقيقة أخرى مختلفة.  خذ مثلًا قرار المحكمة العليا الأمريكية بإسقاط قضية رو ضد وايد(2، 3). هناك وفرة من الأدلة التي تثبت أن عمليات الإجهاض المتاحة والميسورة على نطاق واسع تؤدي إلى نتائج أكثر أمانًا للأطفال وللنساء الحوامل(4). علاوة على ذلك، تشير البيانات إلى أن حظر الإجهاض ليس فعالًا، بل ضار وخطير.  إذن، الالتزام بالحياة ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الرعاية الصحية الشاملة للاتي قد يصبحن حوامل(5)- بما في ذلك عمليات الإجهاض. يبدو أن هناك خلافًا: إذ لا يملك الناس حججًا مستندةً على حقائق.

  • عالم فائق التخصصية

هناك سبب لضياع الحقائق بسرعة في الحجج الخلافية:  ليس لدى كل أحد موارد لفهم المشكلات الاجتماعية المعقدة بشكل أعمق.  هذا يرجع جزئيًا لأن العالم الذي نعيش فيه فائق التخصص(6)، [المترجم: فائق التخصص هو تقسيم المهمة الواحدة إلى أجزاء أو مراحل ومن ثم توزيعها على عدد من المتخصصين كل حسب تخصصه - وهو ما يعرف بـ 'تقسيم العمل'(7) ]. هذا يعني أن جميع المعلومات الموثوقة تصدر بفضل الحقول والتخصصات الدراسية الواسعة والمترابطة فيما بينها.  قسَّم الناس العمل المعرفي بينهم cognitive labour [المترجم: ومنه العمل براتب كعمل الموظفين والعمل بدون راتب كعنل ربات البيوت(8)] حتى يتمكنوا من أن يتعلموا / يعرفوا بشكل جماعي أكثر مما يمكنهم تعلمه / معرفته بشكل فردي(9).
 

على سبيل المثال، السلامة الكلية لهيكلية الجسر(10) أو الأجزاء الداخلية للهاتف الخليوي هي أشياء نفهمها "نحن" معًا كمجموعة بشكل أفضل مما يفهمها فرد لوحده.

لكن ميزة المعرفة البشرية تعني سقوطًا بالنسبة لنا حين يتعلق الأمر بالإصرار على معتقدات خاطئة من المنظور الاجتماعي.

أثناء نقاش المشكلات الاجتماعية بين أولئك الذين لديهم آراء مختلفة، غالبًا ما ينتهي الأمر بأحدهم بالإصرار على أنه إذا كان الآخرون عقلانين ويستطيعون فهم الأدلة، فمن شأن ذلك أن يجعلهم  يغيرون آراءهم.

المعتقدات الخاطئة أو الإشكالية من الناحية الاجتماعية تنطوي على أفكار، كالأفكار العنصرية وكراهية النساء(11).  هذه الأفكار قد تؤدي إلى عواقب اجتماعية سلبية كبيرة، خاصة بالنسبة لأولئك الذين ينتمون إلى مجتمعات مهمشة.

تنتشر المعتقدات الخاطئة، جزئيًا، بسبب الطبيعة الجماعية للمعرفة البشرية. كأفراد، لا يمكننا تقييم كل مشكلة على حدة لأنها تتطلب معرفة متخصصة. ليس ذلك فحسب ، بل يفضل الكثيرون التمسك بمعتقداتهم الخاصة(12).

  • البحث عن شخص جدير بالثقة

نظرًا لحجم المعلومات الهائل المتعلقة بأي قضية اجتماعية معينة، فقد طور الناس أساليب اختصارات عقلية(13، 14) - أو أساليب استدلالية – ليسترشدوا بها.  هذه الاختصارات لا علاقة لها بالأدلة ولكنها متعلقة، بنحو أكثر، بتقييم من يمكننا الوثوق به.

ربما من غير المستغرب أن يعتمد المدى الذي نجد فيه شخصًا جديرًا بالثقة على معايير مجتمعات اجتماعية.  نحن نرتبط بشكل طبيعي بالذين يشاطروننا قيمنا: فالعمليات النفسية(15) تشجعنا على اكتساب قيمنا من مجتمعاتنا، وتجعلنا نميل إلى البحث عن أفراد يشابهوننا في التفكير.

مجتمعاتنا الاجتماعية تحدد لنا (تفرض علينا) بشكل جذري من نراه جديرًا بالثقة.  وتفرض علينا مواقفنا السياسية، وتحجب عنا الأدلة التي تعتبر مفيدة(16) وتجعل تقييم معظم الناس لمدى توافق معتقداتهم مع ما يقوله الخبراء تقييمًا وسطيًا وفي الحدود المعقولة(17).

  •  ننزع إلى الحصول على معلوماتنا من مجتمعنا

الموجودون بالفعل في مجتمعاتنا يبدو أنهم هم الأكثر معرفة - حتى لو لم يكن لديهم خبرة أو معرفة وحتى عندما يصرون على معتقداتهم الخاطئة.
على الرغم من أنه قد يبدو أن المعتقدات الصحيحة يمكن اكتسابها بسهولة ويسر، إلا أن الناس ليسوا بارعين تمامًا عندما يتعلق الأمر بمعرفة ما الصحيح (الذي يتوافق مع الحقائق)، كما أنهم غير مؤهلين لمعرفة من هم الخبراء المناسبون.

المعتقدات الإشكالية تتمادى في الاستمرار لأن ظروفنا النفسية والاجتماعية لا تضعنا في الموضع المناسب لتقييم القضايا والمشكلات.  هذا جزئيًا بسبب عدم تمكن الاستدلالت العقلية وحدها أن تغير آراء الناس ومعتقداتهم.

  • المعتقدات الإشكالية جذابة جدًا، لأنها سهلة

من منظور شخص يعيش في مجتمع ملتزم بمعتقدات إشكالية من الناحية الاجتماعية، هناك دائمًا "أدلة أكثر جديرة بالثقة" من شخص يعرفه.
بدل الرضا عن المعتقدات المضللة، نحتاج إلى تحرك مؤسساتي لزرع الثقة بين الخبراء والناس.

ربما الأهم من ذلك، نحن بحاجة إلى تعويز التزام مشترك باكتشاف الإنسانية في الآخرين. الاهتداء إلى اعتقاد إشكالي يعتبر أمرًا سهلًا، لكن بناء عالم أفضل يتطلب علاقات وتحالفات حقيقية بين المجتمعات.

مصادر من داخل وخارج النص
1- https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/0146167214523476

2- "كان القرار الصادر في قضية رو ضد وايد، 410 يو. إس. 113 (1973)، قرارًا تاريخيًا للمحكمة العليا الأمريكية، قضت فيه بأن دستور الولايات المتحدة يحمي حرية المرأة الحامل في اختيار الإجهاض دون قيود رسمية. ألغى القرار العديد من قوانين الإجهاض الفيدرالية والولائية في الولايات المتحدة. أثارت رو حالة من الجدل المستمر بشأن الإجهاض في الولايات المتحدة، حول ما إذا كان ينبغي أن يكون الإجهاض قانونيًا، أو إلى أي مدى يمكن أن يكون الإجهاض قانونيًا، ومن الذي ينبغي أن يقرر قانونية الإجهاض، وما هو دور الآراء الأخلاقية والدينية في المجال السياسي. شكل الجدل كذلك النقاش بشأن الطرق التي ينبغي أن تستخدمها المحكمة العليا في القضاء الدستوري. شمل القرار قضية نورما ماكورفي، المعروفة بالاسم القانوني المستعار جين رو، التي أصبحت حاملًا بطفلها الثالث في عام 1969. أرادت ماكورفي الإجهاض، لكنها كانت تعيش في تكساس، حيث كان الإجهاض غير قانوني إلا عند الضرورة لإنقاذ حياة الأم. رفعت المحاميتان، سارة ويدينغتون وليندا كوفي، دعوى قضائية نيابة عنها في المحكمة الفيدرالية الأمريكية ضد المدعي العام المحلي في مقاطعتها، هنري وايد، زاعمين أن قوانين الإجهاض في تكساس غير دستورية. استمعت لجنة من ثلاثة قضاة من محكمة المقاطعة الأمريكية للمنطقة الشمالية من ولاية تكساس إلى القضية وحكمت لصالحها. حكمت مع ذلك المحكمة المحلية ضد اثنتين أخريتن كانت تمثلهما أيضًا المحاميتان سارة ويدينغتون وليندا كوفي. استأنفت ويدينغتون وكوفي خسارتهما الجزئية أمام المحكمة العليا الأمريكية، واستأنف وايد كذلك خسارته الأولية أمام المحكمة العليا." مقتبس من نص ورد علي هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/قضية_رو_ضد_وايد

3- https://www.npr.org/2022/06/24/1102305878/supreme-court-abortion-roe-v-wade-decision-overturn
4- https://www.amnesty.org/en/what-we-do/sexual-and-reproductive-rights/abortion-facts/
5- https://www.jahonline.org/article/S1054-139X(20)30456-0/fulltext
6- https://philpapers.org/rec/MILTGE
7- "تقسيم العمل (division of labour) يقصد به أن ينقسم إنتاج السلعة الواحدة إلى عدد من المراحل. وهو شكل معاصر من أشكال تنظيم الإنتاج الصناعي. تقسيم العمل، يعبّر عن فصل المهام في أي نظام اقتصادي أو منظمة بحيث يمكن للمشاركين أن يتخصصوا (التخصص). يتمتع الأفراد وكذلك المنظمات والدول بقدرات متخصصة أو قد يكتسبوها لاحقًا، عن طريق المجموعات أو التجارة للاستفادة من قدرات الآخرين إضافة إلى قدراتهم الخاصة. قد تشمل القدرات المتخصصة المعدات أو الموارد الطبيعية وكذلك المهارات والتدريبات، وتعدّ المجموعات التي تعمل معًا مهمة غالبًا. قد يتخصص الفرد مثلًا من خلال اكتساب الأدوات والمهارات اللازمة لاستخدامها بشكل فعال تمامًا، كما قد تتخصص المنظمة من خلال الحصول على معدات متخصصة وتوظيف المشغلين المهرة أو تدريبهم. يعدّ تقسيم العمل الدافع للتجارة، ومصدر التكافل الاقتصادي." مقتبس من نص ورد علي هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/تقسيم_العمل
8- https://www.pdcnet.org/jphil/content/jphil_1990_0087_0001_0005_0022
9- https://brainlenses.substack.com/p/cognitive-labor
10- https://www.fkop.de/wp-content/cache/mendeley-file-cache/85592fa3-f9d0-371b-b658-548fe9916c72.pdf
11- "كره النساء أو ازدراء المرأة أو الميسوجينية هو كراهية أو احتقار النساء أو الفتيات. اعتبره الخطيب الروماني شيشرون ناجماً عن مصطلح الخوف من النساء (gynophobia). ويصب في نفس الموضوع مصطلح آخر قريب من الموضوع هو كراهية الزواج. وفقًا لنظرية مناصري حقوق المرأة، فإن الميسوجينية أو كره النساء يمكن أن تتجلى بعدة صور، منها التمييز الجنسي، واحتقار النساء، والعنف ضدهن، واعتبار المرأة كأداة جنسية. لطالما ظهرت كراهية النساء كسمة بارزة في الأساطير القديمة، في مختلف الأديان أيضًا بالإضافة لذلك، وُصف العديد من الفلاسفة الغربيين المُؤثرين بِكارهي النساء. يقابل هذا المصطلح مصطلح آخر يعرف بكراهية الرجال (misandry) ويعارضه مصطلح (philogyny) وهو ما يعرف بعشق النساء أو الولع بهن."
https://ar.wikipedia.org/wiki/كره_النساء
12- https://www.newyorker.com/magazine/2017/02/27/why-facts-dont-change-our-minds
13- https://www.cambridge.org/core/journals/royal-institute-of-philosophy-supplements/article/abs/seductions-of-clarity/5995DF2E11077CA54ED453A248E5A729
14- http://www.sciware.net/مغالطات-في-التفكير-النقدي/

15- "العملية النفسية هي سلسلة من الخطوات أو الآليات التي تحدث بطريقة منتظمة - وليست بالضرورة حتمية - لتحقيق تغييرات في السلوك أو المشاعر أو الفكر. العمليات النفسية هي طريقة لتفسير التغييرات في سلوك أفراد الكائنات الحية وتُصاغ كسلسلة من التغييرات المتناسقة في "حالة" ذلك الكائن الحي وبيئته." ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
http://www.scielo.org.co/scielo.php?script=sci_arttext&pid=S0121-54692011000200013

16- https://www.woldww.net/classes/Atchison-GPSSA%20paper-final.pdf
17- https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/0963662517733681


المصدر الرئيس
https://theconversation.com/its-hard-to-challenge-someones-false-beliefs-because-their-ideas-come-from-social-networks-not-facts-186523