مستويات ثلاث في نصرة القرآن (2/3)


البُعد الاجتماعي

هل يكفي أن نجعل للقرآن مساحةً في حياتنا الشخصية فحسب؟ هل يكفي أن يقرأ المؤمن القرآن بنفسه، أم ينبغي أن يُساهِم في صبغ المجتمع بصبغته أيضا؟
أساساً، القرآن يمثِّل خلاصة الإسلام كُلِّه، بيد أنَّ الإسلام لا يختزل في حياة الانسان الشخصية، بل له بُعدٌ اجتماعيٌ يرتبط بالمجتمع الإسلامي، فلذا ينبغي لمن أراد نُصَرةِ القرآن، ومواجهة هُجرانِه أن يُساهِم في جعل القرآن واقعاً اجتماعياً حاضِراً في حياة الناس العامَّة... حاضِراً صوتاً و صورةً وكتابةً ورموزاً. 

قد تقول: أليس من الأفضل الاهتمام بأن تكون (تعاليم القرآن) حاضرةً في حياة الناس، بدل الاهتمام برَسمِ القرآن؟
فأقول: إنَّهما هدفان متصِّلان، فالأول نتاج الثاني، والثاني ضروريٌ حتى مع تعسُّر الأول.

فماذا يعني جعل القرآن واقعاً اجتماعيا؟

يعني، أن يكون القرآن حاضِراً في حياة الناس العامَّة، أي أن  يرى الإنسان الصِبغة القرآنية في حياته الاجتماعية، في كُلِّ مكان:  في المدرسة، والجامعة، والسوق.. والشارِع، والإعلامِ، 
هذا أولاً.

وثانياً: أن يُشجِّع المجتمع أفرادَهُ بأن يُصبحوا قرآنيين، ويحفِّزهم بكافة الحوافز المادية، والمعنوية.

فمن باب المثال لا الحصر:

  •  الاهتمام بالمناهج القرآنية في الدراسة الأكاديمية

هل تعلمون، أنَّ معدَّل ما يصرفه الطفل الواحد في سنوات الدراسة الابتدائية والثانوية، يبلغ حوالي 13 الف ساعة، فالسؤال الأول: كم يخصَّص من هذه الأوقات لدراسة القرآن وتحبيب القرآن إلى الأجيال الجديدة؟ 
وثانياً: كم تقترب تلك المناهج من روح القرآن وتزرع في الطالب تعاليم الرب تعالى؟
وثالثا: كم يثمِّن المجتمع هذه المادة، ويشجِّع الطالب على اتقانها؟ 

فعلى أقل التقدير، ينبغي أن يكون اهتمام الوالدين – والمجتمع- بدروس القرآن والتعاليم الدينية، مساوياً لاهتمامه بالرياضيات والفيزياء وغيرها. 

أما إذا وجد الطفل أنَّ المجتمع يُشبعه مديحاً إذا أتقن الرياضيات، أو حفظ حروف هجاءٍ أجنبية.. لكنَّه يرى من المجتمع جفاءً أو عدم مبالاةٍ حين يُتقن درسَ القرآن أو الدين.. أقول حينها يتحوَّل اهتمامُه عن القرآن فيزهد فيه.

ومن جهة أخرى فإن إعادة كتابة منهج القرآن (الإسلامية) تحت اشراف الفقهاء العارفين بتفسير القرآن وتدبره، والمدركين لأهدافه وغاياته، ضرورة حيوية لبناء مجتمعٍ قرآني. 

  •   الحضور البصري للآيات القرآنية في الشوارع والأسواق

كما شاهدتُ في بعض البلدان الإسلامية، حيث تُزيَّن الحدائق العامة، وجدران المنشآت الحكومية، و دعامات الجسور الضخمة و .. تُزيَّن بمقاطع من الآيات، مع نقوشٍ بصرية زاهية..  فتجد عبارات مثل (وقولوا للناسِ حُسناً) أو (وبالوالدين احساناً) .. وغيرها من العبارات القرآنية المنتقاة بعناية. 
وكذلك في الأماكن العامة، كالمساجد، والحسينيات، والدواوين، وقاعات الأفراح والأحزان، كُلُّها تزيَّن بآيٍ من كتاب الله عزَّوجل. 

وقد يمرَّ على هذه اللوحات الخاصة او العامة، ملايين الأشخاص سنوياً، وتنتقش بذلك العبارة القرآنية، وتتسلل المفاهيم القرآنية الى وعيهم بذلك.

  •  أن يقوم المجتمع بتأسيس المؤسسات أو الهيئات أو المشاريع القرآنية

دون الاكتفاء بما تتبناه المؤسسات الدينية أو الرسمية، وقد شاهدتُ بنفسي قوة الحركة القرآنية في بعض محافظات العراق، والسبب كثرة المؤسسات المجتمعية، ومهما كان مساحة عملها صغيراً، إلا أنَّها ستكون مبارَكة، فتجتمع مع بعضها كما تجتمع قطراتُ المطر فيكون غيثاً مباركاً.

  •  الاهتمام بالتدبُّر في القرآن

التدبُّر والتفكر في القرآن، وفق شروطه الموضوعية، يردم الفجوة بين الإنسان وبين كتاب الرب، ولذا ينبغي الاهتمام بموضوع التدبُّر اهتماماً بالغاً، وتضمينه جميع البرامج الشبابية، أي، أن يكون درس التدبُّر في القرآن حاضراً دون الاكتفاء بدروس حُسنِ القراءة أو أحكام التلاوة.. فكلما بدأت رحلة الإنسان مع التدبر والتفكر في القرآن بصورة مبكَّرة، كُلَّما كان تأثيرها على الفرد أكبر.

  •  ترميز المتميِّزين قرآنياً، وتكريمهم 

 حين يجد الشباب تكريماً مادياً، وترميزاً اعلامياً للمتميِّزين قرآنياً، الحُفّاظ منهم، والقُرّاء، والمفسِّرين.. يكون ذلك دافعاً لمن يجد في نفسه الطموح والموهبة أن يسير في هذا الطريق. فكثرة البرامج الاعلامية، في ترميز هؤلاء وكذلك تكريمهم مادياً يزيد من مساحة المهتمين، ويكون خير عونٍ للمؤسسات العاملة في هذا الحقل.


وغيرها كثير، لكن الجامع بينها:

أن يكون القرآن حاضِراً – حضوراً مادياً- في الحياة العامة. 
وأن يشجِّع المجتمع – عبر مؤسساته الرسمية او المجتمعية- أفرادَه في الاهتمام المتزايد بالقرآن الكريم، حَفظاً، وتِلاوَةً، وتدبُّراً

هكذا نكون قد اقتربنا خُطوةً نحو القرآن، وعالجنا بعضَ إشكالات هَجرِ القرآن.
ولكن يبقى المستوى الأهم: المستوى الحضاري
سأناقشه في بحثٍ منفصلٍ بإذن الله تعالى.