(الجزءُ السَّابِعُ مِنْ سِلْسِلَةِ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ)
حديث الجمعة 19 جمادى الأولى 1446هـ .
قَالَ تَعَالَى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) آية 122 سورة التّوبة.
كَانَ حديثنا في الجمعةِ السّالفة عن المسألة التي أجمع عليها الفقهاءُ وتسالموا عليها قديمًا وحديثًا في ( وجوبِ تعلُّمِ المسائِلِ التي يبتلي بها المكلَّفُ غالبًا )
تحدّثنا عن بعض الأمور والحالات التي يَتَّضِحُ من خلالها مستوى التباين بين المُكَلَّفِينَ فِي الاحتياج إلى مسائل معينةٍ دون غيرها ، وأوجزنَا عوامل التّباين والاختلاف في سِتَّةِ أمور للتوضيح لا للحصر وقلنا أنها :
1- العمر. 2- الجنس. 3- الوضع الاجتماعي. 4- المهنة. 5- الموقع الجغرافي. 6- الوضع الصّحي.
وهي كما قلنا للتّوضيح لا للحصر وإلَّا فهناك عوامل أكثر. كمدخلية الزّمان والوقت في الابتلاء بمسائلَ شرعية دون غيرها، وغير ذلك من عوامل أخرى.
تحدّثنا عن عامل العمر وما له من علاقة بالأحكام الشّرعية وأوردنا الشّواهد والأدلة واليوم أيضا نتحدّث عن العامل الثاني وهو الجنس بين الذّكر والأنثى کعامل يكون سببًا للاختلاف والتّباين في الحاجة إلى أحكام شرعيةٍ معيّنةٍ دون غيرها، ونؤكد على أننا نقدمُ الشّواهدَ فقط دون سردِ أو صياغةِ المسائلِ الشّرعيّةِ أو ذكرِ جوابِها.
نعني بالجنس أي جنسِ المكلَّفِ هل هو ذكر أم أُنثى وهناك قسم ثالث يشتبه فيه ولا يعلم هل هو ذكر أو أُنثى وهو ما يُسَمَّى بالخنثى، ولكل واحد منهم تفصيلاته وأحكامه في بحر الفقه العميق الواسع الضخم.
قد يختص الذكرُ بأحكامٍ وتختص الأنثى بأحكامٍ وقد يشتركان في بعضِ الأحكامِ، وقد رَصَدَهَا الفقهاءُ في كتبهم الفقهية مما يدلُّ على سعةِ الفقهِ وسعةِ الأحكامِ وأيضا سعةِ المتابعةِ الدّقيقة لدى الفقهاء.
المشتركات بين الذّكر و الأُنثى كثيرة فهما المخلوقان المكرّمان لله عزّ و جلّ :
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ آية 45 سورة النّجم.
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ آية 3 + 4 سورة اللّيل.
وغاية الخلق لها هي العبادة وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ آية56 سورة الذّاريات.
اقتباس من كتاب الشيخ فوزي آل سيف ( السّيّدة زينب ونساء النّهضة الحسينية ) ص10 : "الدّين الإسلامي ينظر إلى المرأة والرّجل بنظرةٍ متساوية في مرحلتي التّكليف والجزاء، بمعنى أنَّ أصولَ التّكليفِ هي واحدةٌ مع ملاحظةِ خصوصياتِ كلِّ قسمٍ من هذين الجنسين، كما أنَّ الجزاءَ واحدٌ".
قَالَ تَعَالَى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) آية 97 سورة النّحل.
تبدأ اختلافاتُ الأحكام الشّرعية بين الذّكر والأُنثى من الولادة فعلى سبيل المثال :
1-تسميةُ المولود هل هي حق للأب أو للأم ؟
2-ما هو الاسم المستحب للذّكر وما هو للأُنثى ؟
ومع أنَّنَا قلنا أنَّنَا لن نخوضَ فِي الأجوبةِ ولكنني سأستثني هذا الشاهد وأقدّمُ جوابه؛ لأنّ له علاقة بنبينا محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وبابنته فاطمة الزّهراء عليها السّلام :
أ- المستحبّ أنْ لا يخلو الذّكور في البيت من اسم محمّد صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأن لا تخلو الإناث في البيت من اسم فاطمة.
ب- يستحبّ تسمية الجنين في بطنِ أمّه محمّد حتّى الولادة فيتّضح أنّه ذكر أو أنثى ولعل التّقدم والتّطوّر التّقني الآن أفسد هذه المفاجأة ولكن الحكم لا ينتهي إلى هنا بل :
ج- لو كان المولود ذكرًا فيستحبّ أيضًا إعطاؤه اسم (محمد) مؤقتًا حتَّى اتّخاذ قرارالاسم النّهائي.
لاحظوا كرامة نبينا محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ عند الله كيف انعكست في الأحكام الفقهية وكلّنا سمعنا الحديث عن شأن نبينا أنّه ( لا يعرفه إلا الله وعلي ).
3- يستحبّ للمولودين (الذّكر والأُنثى) أنْ يعقّ عنهما بذبيحة والتّصدّق بلحمها على الفقراء أو إطعام المؤمنين بها وهنا نجد حكمًا فقهيًا يعمل بِهِ الفقهاءُ في التّفريق بين الذّكر والأُنثى فيرون استحباب ذبح الحيوان الذّكر كعقيقة عن المولود الذّكر وذبح الحيوان الأنثى عن المولودة الأنثى.
وهكذا تستمر الاختلافات والأحكام بين الجنسين في أبواب كثيرة من الفقه في العبادات وفي المعاملات أيضًا.
من المسائل المطروحة بالنسبة للمرأة ولعلّ البعض لا يعلم بها :
1- إذا اجتهدت والاجتهاد مرتبة علمية لا يختص بها الذّكر فهل تكون مرجعًا للتّقليد؟
2- هل يحقُّ للمرأة الولايةُ والوصايةُ والقضاءُ ؟
3- هل يحقُّ للمرأةِ أنْ تكونَ إمامةً في الصّلاة للرّجال أو للنّساء !؟
وكما قلت لا نقدّمُ أجوبة وإنّما نوردُ فقط الشّواهد والدلالات على تباين واختلاف المكلفين في الحاجة والابتلاء .
وهكذا تستمر التّباينات والاختلافات في الأحكام بين الجنسين من بعد الولادة فِي أحكامِ البلوغِ وأحكامِ الجنابةِ وأحكامِ الدّماءِ ومن أحكامِ الدّماءِ مسالةٌ مطروحةٌ لدى الفقهاء وهي :
( هل تلحق الدّماء الثّلاثة : الحيض والاستحاضة والنّفاس بالدّم المعفو عنه في ثياب المصلي !!؟ ) وهذه وإن كانت قد تكون مورد ابتلاء للرّجل فقد يصل بعض هذا الدّم إلى ثوبه إلّا أنها تكون في النّساء أكثر لاختصاصهن بالدّماء الثّلاثة.
وحتى عندما يصلُ الرّجلُ الذّكر وتصلُ المرأةُ الأنثى للموتِ تمتد بينهما الاختلافاتُ الفقهية سعةً وضيقًا في أحكام :
التّغسيل والغاسل والتّكفين والولي والصّلاة والدّفن بل وحتّى في التّشييع هناك اختلافات فقهية أو أحكام فقهية لكل واحد منهما.
وهل انتهينا إلى هنا وانتهت التباينات والاختلاف بموتهما !!؟
كلا، بل هناك اختلافات تمتد لما بعد الموت كما في أحكام الإرث !! وإليكم بعض الشّواهد :
قاعدة الإرث العامّة للورثة من الطبقة الأولى وهي طبقة الأولاد : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ ... آية 11 سورة النّساء.
في إرث الطّبقة الثّانية وهم الإخوة والأخوات هناك ثلاثة صلات لهم بالميت.
1- إخوته من الأبوين ( الأب والأم ) وهم ما نسميهم الأشقّاء.
2-إخوة من الأب فقط (غير شقيق ).
3-إخوة من الأمّ فقط (غير شقيق ).
وبسبب الصّلة التي تأتي من جهة الأب ( الذّكر) أو الأمّ ( الأُنثى ) يتحدد الوارث وكلها أحكام شرعية شرعها اللهُ عزّ وجلّ بحكمته وهو الرّب الخالق والعالم بمصالح عباده وعلينا كمسلمين أن نسلم ولا نعترض على ما يأمرنا به اللهُ ورسولُه.
لا تستغرب وتقول هناك حالات بعيدة أو فرضية فهذه المسألة تحديدًا المتعلقة بإرث الإخوة والأخوات سُئلت عنها قبل يومين فقط وكانت مورد ابتلاء لبعض العوائل وجوابها هو: [ إذا كان للميت إخوةٌ من الأبوين لم يرثِ الإخوةُ من الأب فقط، وإن لم يوجدِ الإخوةُ من الأبوين ورث الإخوةُ من الأب فقط، ولا يمنع الإخوةُ من الأبوين أو الأب الأخوةَ من الأمّ فقط من الإرث ] م 77 خرائط الإرث للشيخ حسن القبيسي ص ۳۱.
للأسف الشّديد سمعت مؤخرًا أنّ هناك وبسبب الجشع والطّمع في حطام الدّنيا من يعترض على الأحكام الشّرعية وكأنهم لم يقرؤوا أو سمعوا قولَ اللّهِ تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) آية 36 سورة الأحزاب.
اللهم إنا آمنّا بك وبرسولك ونعوذ بالله من الضلال بعد الهدى.
نكتفي بهذا القدر من الإيضاحات والشّواهد والدّلالات المتعلقة بتأثير الجنس بين الذّكر والأنثى في تباين واختلاف الحاجة والابتلاء للحكم الشّرعي.