ومضات قرآنية (14)

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾
في الآية الكريمة يبين النبي إبراهيم عليه السلام في دعوته لأبيه (عمه) واحدا من أهم المقومات التي يمتلكها وتجعله أحق بأن يتبع ألا وهو العلم. العلم هو المقوم الأول والأبرز للقيادة ويسبق بذلك العمر والنسب والجاه والحالة المالية التي عادة تؤخذ في الحسبان بغير برهان.
كان اعتراض بني إسرائيل على تولي طالوت قيادتهم هو أنه (لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ) مع أن الموقف الذي كانوا فيه كان موقف حرب التي تحتاج إلى قوة وذكاء وتخطيط ولذلك رد الله عليهم بأن أبان لهم المقومات الحقيقية لقائد الحرب وهي (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ).
لكن العلم لوحده لا يكفي بأن يكون سبيلا للهداية ويجعل الإنسان كفؤا للقيادة، فكما أن العدل يحتاج للإحسان كذلك العلم يحتاج للتقوى. يصف الله عز وجل عالما من علماء بني إسرائيل وهو بلعم بن باعوراء (وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِىٓ ءَاتَيْنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ()وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فلم ينفعه علمه وأهلكه طغيانه واتباعه لهواه، وفي آية أخرى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ). وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام (رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ، وَعِلْمُهُ مَعَهُ لاَ يَنْفَعُهُ).
يقول الشاعر
لو كان في العلم من دون التقى شرف
لكان أشرف من في الأرض إبليس.
(إِلَهِي إِنَّ مَنِ انتَهَجَ بِك لَمُستَنِيرٌ وَإِنَّ مَنِ اعتَصَمَ بِك لَمُستَجِيرٌ، وَقَد لُذتُ بِك يا إِلَهِي فَلا تُخَيب ظَنِّي مِن رَحمَتِك وَلا تَحجُبنِي عَن رَأفَتِك).
محمد حسن يوسف
١٤ رمضان ١٤٤٦