المثل الشعبي والعمق الثقافي

شبكة مزن الثقافية محمد حسن يوسف

في الدراسة الأنثروبولوجية لمجتمع ما في حقبة زمنية فائتة يعتمد الباحثون على مجموعة من المصادر كالآثار المادية الباقية و كتابات المزامنين لذات الفترة و ما توارثته الأجيال الآتية من تراث ثقافي (القصة والأسطورة والشعر والدين).

عند دراسة مجتمعنا (القطيفي والبحراني) كثيرا ما يتغافل عن أن الأمثال الشعبية بما تحمله من مفردات وأفكار ومعتقدات وسلوك لا تقل أهمية عن الآثار المادية والثقافية الأخرى. نعم قد تذكر الأمثال الشعبية في كثير من الأحيان كإرث مجرد دون تحليلها وإسقاطها على المجتمع المتخيل.

أزعم أن لأمثالنا الشعبية عمقا ثقافيا مهما وذلك لعدة أسباب أذكر منها:

أولا: باحثو المجتمعات في الأغلب ينحازون لإسقاطاتهم الشخصية ونتائجهم المسبقة، واعتماد الأمثال الشعبية كنقطة من نقاط الارتكاز يقلل من الانحياز باتجاهيه.

ثانيا: الموروث الشعري البحراني فقير بالمقارنة مع المجتمعات المجاورة إلا في غرضين فقط هما الموال و المرثيات الحسينية، أما في باقي الأغراض الشعرية فيعتبر الشعر نخبويا ولا يعكس الحياة الحقيقية للداخل المجتمعي.

ثالثا: صحيح أن الأهازيج متوارثة بشكل جيد في مجتمعنا وتؤرخ في كثير من الأحيان للحوادث لكن في الأغلب تكون ذات صياغة اعتباطية لدعم الوزن أو القافية، وعلى نفس المنوال نجد الألغاز الشعبية.

رابعا: لأن المثل لا يحتاج بالضرورة لضوابط كتابية كالشعر والأهزوجة فإنه لن يكون اعتباطيا ولا نخبويا وسيستمر أثره لأطول فترة ممكنة متداولا لدى أوسع شريحة من الناس.

خامسا: المثل الشعبي هو عبارة عفوية وليس منتجا ابتكاريا ولذلك يحمل صورة أقرب لحقيقة المجتمع.

من جهة أخرى قد تطرأ على المثل الشعبي تغيرات في المفردات والمواضيع مع مرور الزمن وتغير اللهجة المحكية إما لاندثار المفردات أو لاستقباح التلفظ بها مما يفقده مركزيته. ولنأخذ على سبيل المثال (فرينا  له الفريه دخل بحماره) تحول في أفواه الكثيرين إلى (سمحنا له دخل بحماره) وأفقد هذا التحول ارتباط هذا المثل بالمجتمع الزراعي البحراني.

لو أردنا أن نتفحص أحد الأمثال الشعبية لنرى ماذا يمكن أن يحمل، وليكن ( إذا وياك عبد العين طب ولا تسمي)، سنجد مجموعة من المحاور من الممكن أن تناقش لتبرز صورة واضحة عن حياة وثقافة المجتمع آنذاك:

١- طبيعة الأرض: وفرة ينابيع المياه سابقا في المنطقة حتى وإن نضبت جميعها الآن.

٢- الأسطورة: حضور أساطير الجن في الذهنية الجمعية (عبد العين في عيون الماء، الدعيدع في بساتين النخيل، ابو مغوي في البحر).

٣- الحالة الدينية: التعلق باسم الله تعالى كالمفزع الأول لاتقاء شر ما لايؤمن جانبه (عبد العين).

٤- السلوك: الاحتياط عموما إلا إذا كان مصدر الشر يقف إلى جانبك فعندها لا داعي للحيطة. وهنا من الممكن اعتبارها ازدواجية في المعايير، الاستغاثة بالله تعالى (الخير) في الخوف والاستقواء بعبد العين (الشر) في الأمن.

ختاما، لو حللنا كل ما وصل إلينا من الأمثال الشعبية القطيفية والبحرانية بالتأكيد سنصل إلى صورة جديدة قد تكون مغايرة إلى حد كبير للصور المتخيلة في أذهان الباحثين.