الاحتجاج البكائي

البكاء لدى البشر له دلالات عدة منها إظهار الألم بشقّيه الجسدي والنفسي ومنها سلاح استجداء واستعطاف الآخرين وكذلك إظهار العاطفة تجاه شخص ما أو حدث ما ولكن ما أود الحديث عنه هنا هو كون البكاء عنواناً احتجاجياً، وترددت في عنوان المقال لصعوبة الفصل في التقديم والتأخير بين الموضوعين هل هو احتجاج بكائي أم بكاء احتجاجي.
مارس الإنسان طقوس البكاء الفردي والجماعي على مر التاريخ البشري ولا تكاد تخلو حضارة بشرية من ذلك وفي أغلبها يكون موضوع البكاء دينياً أو بكاء فراق. بكى السومريون موت الإله تموز وبكى المسيحيون المسيح ويحيى وبكى العرب فراق الديار ورحيل الأحبة وبكت الخنساء أخاها صخراً وبكى متمّم أخاه مالكاً.
وفي التراث التاريخي الديني نُعت خمسة بالبكّائين النبي آدم لفراق الجنة، ويعقوب لفراق يوسف ويوسف لفراق أبيه وفاطمة الزهراء لفراق أبيها والإمام زين العابدين لمصيبة الحسين عليهم السلام. الملاحظ أن ثلاثة من البكّائين كان بكاؤهم احتجاجياً وهم النبي يعقوب والسيدة الزهراء والإمام زين العابدين عليهم السلام.
مكرُ إخوة يوسف بأخيهم كان ذا هدف واحد (يخلُ لكم وجه أبيكم)، لكن نبي الله يعقوب فطن لذلك وظل يبكي على فراق ابنه لعشرات السنين مع علمه بحياته احتجاجاً على جريمة إخوته، فلم يتحقق من مرادهم شيء.
أما السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها فكان بكاؤها احتجاجاً على الانقلاب على وصية أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فما المؤذي في بكاء امرأة على رحيل أبيها وبالخصوص إذا كان بمقام نبي الله.
أما الإمام السجاد وكذلك الأئمة من بعده عليهم السلام، فإن المسار الاستئصالي الذي اتبعه بنو أمية لعترة رسول الله منذ مقولة (إلا دفناً دفنا) إلى (لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية) كان لابد أن يجابه بسلاح مغاير قائم على قوة ناعمة مؤثرة ودائمة، فكان الأئمة عليهم السلام يبكون الحسين ويأمرون شيعتهم بالبكاء عليه حاملين في ذات الوقت استذكاراً لمُثُل ستظل على طول الدهر مناراً لكل من أراد الحرية.
على مدى أكثر من ثلاثة عشر قرن ظل احتجاج زين العابدين عليه السلام ينمو ويتوسع ليشمل مئات الملايين أو ربما المليارات من البشر وأصبح طقساً يتعبّد به الشيعة وباقي المسلمين بل وحتى بعض غير المسلمين، وأصبح البكاء جريمة نكراء تعاقب عليها الدول لأنها تهز عروش طغاتها.
3/7/2025