لنحمي أنفسنا من الغزو

     أضحت قوى الشر – في عالمنا المعاصر – لا تحتل الدول المستضعفة بمجرد قوة المدفع والدبابة فقط ، بل بقوة ثقافته المنحلة وقيمه الخاوية التي يقوم بحقنها في دماء الضعفاء ثقافياً والمتذبذبين قيمياً، فكما رأينا الحملة الفرنسية بقيادة (نابليون بونابرت) عندما أتت إلى مصر لم تأت بمجرد الجيش وقواه المدفعية، وإنما جاءت بقافلةٍ من شراب الخمر؛ وذلك لنشر الفساد في هذه المجتمعات، حتى قال نابليون مقولته الشهيرة: خمرٌ وغانية أعظم على الأمة المحمدية من جيشٍ بمدافع.

 ثم بعد ذلك أتى بمطبعته إلى العالم العربي –المعروفة بمطبعة بولات– وذلك لنشر الثقافة التي تقضي على هذه الأمة وتدمرها ثقافياً ثم بعد ذلك تدمرها قيمياً.
 ومن الطبيعي أن تكون هذه الحملة ناجحة الأهداف، عندما يكون هذا الشعب لا يمتلك حصيلةً ثقافية تحميه من الثقافات المضادة، فمن المعروف أن الإنسان المثقف يكون محصناً من الثقافات المضادة، ولا يغزوه العدو حتى وإن تغلَّبَ عليه بقواه العسكرية والمدفعية، فعندما غزا (جيش الرومان) القوي (أثينا) عسكرياً غزت أثينا الرومان ثقافياً وهي التي تعتبر في نهاية المعادلة (أثينا) المنتصر الأوحد في هذه المعركة، فإلى أين ذهبت روما وقوتها العسكرية؟... وأين ذهبت اليونان وثقافتها الواسعة المدارك؟.. إنها خلِّدت وكتبت في التاريخ، وأتاحت لأجيالها القادمة حياةً حضارية تشهد لها جميع الحضارات.

    وإذا قرأنا واقعنا الحاضر فسنرى أن الغزو على أبواب التغلغل والاستشراء –في هذه الأمة- فقد بدأت قوى الاحتلال بنشر ثقافتها في العراق التي يحتلها عسكرياً وهو طريق إلى نشر ثقافته في كل هذه المنطقة لتكون تابعة له ثقافياً وعسكرياً، ثم بعد ذلك يكونون كالعبيد له، وهو غطاءٌ ساترٌ على سياساتها التي تتبعها في احتلال الدول المستضعفة، فليس هناك أي حكومة أو جهة تستنكر عليه هذا النوع من الغزو (الغزو الثقافي) فهو ليس غزواً حسياً يدرك باليد.

  لهذا فلنسارع جميعاً ويداً بيد لبناءِ حصونٍ منيعة – كحصون اليونان- تقوم هي باحتلال من يحتلها عسكرياً وتجعله تابعاً لها.