المذهبية والاختلاف

    

تستمر الأصوات وترتفع في تكرار مسألة ذات أهمية كبيرة لدى المسلمين ألا وهي « الوحدة الإسلامية » ونرى كثيراً من منظري هذه القضية في شاشات التلفزة وندوات الحوار وعلى صفحات الإنترنت ، فهي قد تزيل عن المسلمين أوجه الاختلافات البسيطة عندما يتحدون للوقوف أمام عدو مشترك وهو الكفر والظلم .

إلا أن هناك فئة لا يرضيها أن تستمر هذه الدعوات ، وأن يتحد المسلمون في وجه الطغاة بل أن يقفوا على أصحية طوائف المسلمين وأي طائفة هي التي ستدخل الجنة ، ويتتبعون كل حديث ورواية صحيحاً كان أم ضعيف حتى يكفروا فئات على حسابهم وأنهم الفرقة الناجية من الفرق الـ 73 التي ذكرها الرسول في حديثه .

الاختلاف سنة إلهية :

الاختلاف سنة من سنن الله في المجتمعات فهناك اختلاف في اللسان واللون والرأي وما أشبه، وقد تحدث ربنا عز وجل عن ذلك في القرآن الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ سورة الروم آية 22.

إن وجود التنوع والاختلاف من المقومات الأساسية في المجتمع الإنساني، وقد جعل الله عز وجل هذا الاختلاف سبباً للتمحيص والاختبار لمن يريد أن يبحث عن الحقيقة ويتمسك بها وأشارت آيات القرآن الكريم إلى ذلك حيث يقول ربنا عز وجل: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَسورة هود آية 118-119.

وقد يدفع الهوى المرء إلى عدم العدل والإنصاف وهذا أحد العوامل المؤثرة في نشوء الخلافات، وتوصي آيات القرآن الكريم بالابتعاد عن ذلك حيث يقول ربنا عز وجل: ﴿...فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ... سورة النساء 135. بل إن الهوى يعطل الاستفادة من العقل فلا يرى صاحب الأهواء الأمور من زاوية الرشد والتعقل وقد قال أمير المؤمنين علي: (كم من عقل أسير تحت هوى أمير)

واعتبر أمير المؤمنين علي أن الابتعاد عن التعصب والأهواء الضالة شجاعة الشجعان فقال: (أشجع الناس من غلب هواه)، كما أن هناك عوامل سلبية أخرى قد تسبب نشوء الخلافات والاختلافات كالغرور والعصبية والكبر والجهل وما أشبه ينبغي أن نعالجها في أوساطنا حتى لا تكون سبباً للفتن والتمزق والتشرذم.

الحوار للوصول إلى الحقيقة :

لا أحد يشك في أن الحوار يمكن أن يدفع إلى إزالة كثير من الخلافات بين الناس إذا استخدم بالشكل الصحيح والذي حدده القرآن الكريم بقوله تعالى : ﴿ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  سورة النحل آية 125.

فأساس الحوار هو الفهم والتقارب وإيجاد الأرضية التي يتفق عليها الطرفان لتكون أساس العلاقة بينهم .

ونحن المسلمون متفقون على هذه الأرضية إذ أننا نعتبر الدين الإسلامي والرسالة المحمدية هي الأرضية التي تقرب بيننا نحن مذاهب المسلمين من السنة والشيعة بمختلف طوائفهم ، لكن للأسف أن هذه الأرضية لا تعجب بعض البشر لهذا تراهم يصرون على عدم وجودها بين هذه المذاهب ، بل يجب أن توجد في فئة واحدة ومذهب واحد ، لهذا ينال بقية المذاهب صفة الكفار أو الخوارج لأنهم لا ينتمون لهذا المذهب الفلاني أو العقيدة الفلانية .

الوحدة من منظور الاختلاف :

 قال عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ سورة سبأ آية 46، إن أساس وحدة الأمة هو الدين الإسلامي حيث أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هي التي تجمع المسلمين والشهادتين هي من تجعلهم في ركنٌ متين ، لهذا فالعمل كجماعات مختلفة تنظر إلى هدف واحد وهو إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى بالأساليب الصحيحة والملازمة لكتاب الله وسنة نبيه  وجاء في الروايات عن رسول الله أنه قال: (يد الله مع الجماعة).

ولكي لا تأخذ الاختلافات بأصحابها إلى الفرقة والتخاصم وبالتالي إضعاف الأمة فأن الآيات دعت للاعتصام والتوحد حول القيم الإلهية وحذرت من النزاعات يقول ربنا عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ... سورة آل عمران 103. يقول جل شأنه: ﴿...وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ... سورة الأنفال آية 46. وتدعو قيم الدين إلى اعتماد الإصلاح لترسيخ مبدأ الأخوة في المجتمع الإسلامي يقول ربنا عز وجل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ سورة الحجرات آية 10، ولا يجب أن نجعل الهوى هو المحرك لهذه الجماعات والمصالح الشخصية هي أساس العمل لأن هذا مآله الزوال وأما ما كان لله فباق .

لكم مذهبكم ولي مذهبي :

لا أحد منا لم يقرأ سورة الكافرون ، حيث هي منطلق للتعددية في الأديان ، بالرغم من أن الدين الإسلامي هو الدين الصحيح نرى رسول الله ( ص) بعد الحوارات التي أقامها مع رؤوس الكفر في مكة والمدينة في النهاية يقول : ( لكم دينكم ولي دين ) ، أي أنني لا أغصبكم على دخول الإسلام بل عليَّ أن أنذركم وأحذركم وأوضح لكم الطريق الصحيح ، فمن تبع هداي فقد نجا ، ولم يحاربهم بدءً بل كانوا هم البادئون ، فقط طالبهم بالجزية وهي أساس الخضوع للحكم الإسلامي في البلاد .

هذه حرية الإسلام في التعددية والاختلاف بشرط أن لا يطال المسلمين أذاً أو سوء جراء هذا التسامح والتساهل ، لكن في عصرنا هذا نرى أن أحدهم لا يعجبه هذه التعددية في المذاهب والاختلافات في معظم الفروع وليس الأصول ، فنراه يكفر طائفة ويعتدي على أخرى ولا يعترف بأحقية البقية في العيش والتعبد بأي مذهب .

فنحن الشيعة الإمامية نعتبر أن مذهبنا هو المذهب الصحيح والفرقة الناجية ، لهذا لا يجب علينا أن نقوم فقط بتوضيح مذهبنا وعلى أي أساس هو قائم ، وعلى البقية أن يبحثوا وينقبوا ليحصلوا في النهاية على أحقية أي مذهب من الآخر ، لا أن نقوم بالجبر ونطالب بقية المسلمين أن يتشيعوا أو نكفرهم لأنهم ليسوا من مذهب الشيعة .