من المبادئ الدينية إلى الذرائع السياسية

الأستاذ وسيم الرجال *

 

بسم الله الرحمن الرحيم


من المبادئ الدينية إلى الذرائع السياسية  (حصاد عامين من التحالف مع الاستعمار )

1- الشرعية
2- المنهج المستحدث
3- شق الصف
4- الحكم الوهمي
5- مصادرة الرأي

جرت القاعدة عند العقلاء على إلزام كل فرد بما ألزم به نفسه , فلا يصح محاججة الشيوعيين بمبادئ الرأسماليين كما لا يصح العكس أيضاً , ولو أردنا أن نحاسب الأحزاب الدينية – المجلس والدعوة مثلاً -  على أدائها السياسي فإننا سنواجه مأزقاً في تحديد الأصول والمبادئ التي يستندون إليها , فالمزيج المعقد من الدين والسياسة والولاء للمرجعية والطائفية والحزبية الضيقة والتحالفات الجانبية يجعل محاسبتهم صعبة بل مستحيلة.  فأين نقف وعلى أي قاعدة ؟

ولا يتوجه الحديث لليبراليين أو العلمانيين إذ المسألة ستنال أصل الفكر ومدى استقامة المنهج الذي ارتضوه لأنفسهم , إنما يراد تذكير أرباب العمل السياسي(الإسلامي) أن انطلاقهم الأول كان على هدى رؤية إسلامية قرآنية دينية , وما ولد من رحم الفكر الديني لا بد أن يحاسب عليه إلا أن يعلن البراءة منه.   ولابد من الوضوح في الطرح فكثيراً ما ينخدع الناس بالهيئة  كالزي الديني وتاريخ الأفراد النضالي الناصع وغيرها مما لا يستلزم  استمرار صحة العمل وسلامة المنهج.

1- شرعية العملية السياسية

و أول ما نسأل عنه الحجة الشرعية التي تسوغ التحالف مع الحكومة الأمريكية المحتلة , والتعامل معها على أساس المصالح المشتركة.  فهل ثمة دليل على جواز ذلك شرعاً ؟  وهل من مستند ولو تاريخي يدعم هذا التوجه؟

فبمراجعة متأنية لسيرة النبي والأئمة نجد أن الاستعانة بالكافر المحارب لا تصح وإن اختلف في جواز الاستعانة بالكافر أو المشرك غير الحربي. و لا ضير في علاقة تبنى على المصالح المشتركة على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الأمني إذا كان الطرف الآخر دولة لا تحمل أهدافاً استعمارية وفكراً إمبريالياً.
 
والتفريق بين محنة الاستبداد و ضرر الاستعمار يجب أن يستفاد منه نظرياً وعملياً بما لا يخرج أحدهما عن دائرة العداء ونقله إلى محيط الصداقة.   فهل تمكن تيار العملية السياسية من انتزاع شرعية لتحويل العدو إلى حليف من كتاب الله المجيد أو سيرة الأنبياء والأئمة أو من المرجعية الدينية على اختلاف مدارسها؟   هل استطاع أحد أن يستل ولو سطراً واحداً أو إيماءة تشرع لهم الخوض مع العدو وإعطائه شرعية البقاء قانونياً.

ولا أظن أحداً يعد تأييد المرجعية للانتخابات بمثابة التأييد ولو ضمنياً للقبول بسيادة المحتل عبر الفيتو  وقانون إدارة الدولة والسفارة  و المستشارين الأجانب و الزيارات المفاجئة لحكام العراق الفعليين وغيرها من السبل.   وإلا لماذا لا يؤخذ برأي المرجعية في موضوع بقاء قوات الاحتلال بعد الانتخابات؟


2- منهج مستحدث

تعددت أشكال الدول الشيعية عبر العصور إلا أن الفصل بين نفوذ السلطان و نفوذ الفقيه ظل قائماً ,  ولم يخضع أحد الطرفين لنفوذ الآخر بشكل كلي , حتى ظهور الجمهورية الإسلامية في إيران والتي كانت الغلبة فيها لدولة الفقهاء.   أما في العهدين الأموي والعباسي فكان الشيعة أمام خيار التعامل مع السلطان الجائر بإجازة من المعصوم أو اللجوء إلى التقية.

وكان لتعدد أدوار الأئمة في مختلف الأزمنة أثر كبير في صياغة المدارس الفكرية و السياسية لدى المرجعية الشيعية.  فقد تبلور اتجاهان أحدهما يتصدى للشأن السياسي بصورة مباشرة ويعد ذلك من واجبات الفقيه والآخر يلزم الفقيه  بولاية محدودة لا تصل إلى حدود الحكم والسلطة. وما ركز في ذاكرة التاريخ عن الشيعة أنهم أمة ثائرة مناهضة للاستبداد والاستعمار على حد سواء.   فاالتنباك والعشرين والثورة الإيرانية و انتصار حزب الله اللبناني شواهد قريبة على ذلك.

وبعد احتلال العراق برز اتجاه كسيح  ركز أحد عكازيه على المرجعية – قسراً –  و ركز عكازه  الآخر على سلطة الأجنبي المحتل.  ولا بد أن تتمزق أنسجة من يضع قدماً في  النجف الأشرف والأخرى في واشنطن , فشتان بين أزقة النجف ودهاليز البيت الأبيض.  وبهذا الصنيع ربما يضيع التاريخ سدى وينشأ تاريخ جديد يستهتر بدماء المؤمنين وتضحياتهم. إلا أن إجماعا لم ينعقد على مهادنة المحتل والتحالف معه مما يبقي جذوة الحق ليستضيء بها من يقرأ زمننا ويدرس واقعنا على صفحات الكتب التاريخية في المستقبل.

3- تفريق الأمة

بينما يسعى المخلصون لإيجاد القواسم المشتركة بين المسلمين وضمهم في فلك الوحدة الإسلامية , يصر بعض السياسيين على جعل القبول بالأجنبي والتحالف معه  قاسماً مشتركاً للوحدة.   فانقسمت الأمة إلى متحالف مع الأجنبي ومعارض لهذا التحالف.   فنرى فريقاً من السنة وآخر من الشيعة منضمين في دائرة الرفض للاحتلال و رفض التعاون معه بأي صيغة من الصيغ , وفي المقابل نرى أضغاثاً من العلمانيين والسنة والشيعة ممن استمرؤوا العمل السياسي بشروط الأجنبي وإملاءاته.

 ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكان هيناً إلا أن سياطهم لم تبرح تجلد من خالف مشروعهم وعارض منهجهم. وقد صرح وزير الداخلية – جبر – أن المحاكمة ستشمل الذين قتلوا الجنود الأمريكيين لأن وجودهم شرعي وضرب ذمة المسلمين بعرض الجدار فلم تعد يد المسلين على من سواهم بل أصبح باسهم بينهم شديد.

 فهم يدعون غيرهم إلى الوحدة  لكن دعوتهم  إلى الوحدة تدور في فلك طارئ على معتقدات المسلمين وقيمهم ومبادئهم.  وغدا التمييز بين فرق المسلمين  مبنياً على قبول المحتل أو رفضه.

فضلاً عن الطائفية الخاوية التي سمحت لهم سلطة الاحتلال باعتمادها في المنافسة و كسب الحصص , فأصبحت جرأة كل فئة وحزب كبيرة على أمثالهم من السياسيين العراقيين  وأصبح جميعهم مؤدبون لبقون دمثون حذرون عند الحديث عن الحكومة الأمريكية فكبائرالاحتلال لمم يجب غفرانه.  

4- السلطة الوهمية

إن مطالبة كرزاي بسلطات أكبر على بلاده تشير إلى وضع أشد مرارة في بلد النفط والثروة.   فإذا كان بوش حريصاً على عدم استقلال بلد جبلي رملي فكيف ببلاد الرافدين, والأطماع فيه  تتجاوز الاقتصاد والسياسة وتصل إلى الجوانب الحضارية والتاريخية و أبناء التلمود يقظون ولا يميلون إلى الكسل.

  وقد حكم العقلاء أن كل عامل لا بد أن ينال الأجر إذا أحسن ويتحمل الوزر إذا أساء.    إلا أن الإحسان والإساءة مجهولة المصدر فالجميع يتبنى الإحسان والكل يتبرأ من الإساءة.   ولا يحتاج إثبات السلطة الوهمية إلى عناء كبير فقد صرح وزير الداخلية – المناضل بأثر رجعي –  أن ما يزيد في صعوبة عملية البرق هو تفوق الإرهابيين عسكرياً فلديهم أسلحة ثقيلة واستعدادهم أكبر بينما لا تملك القوات الرسمية سوى الأسلحة الخفيفة وقليل من الأسلحة المتوسطة وعزا ذلك إلى منع سلطة الاحتلال قوات الشرطة من حيازة الأسلحة الثقيلة. 

5- مصادرة الرأي

رغم الشعارات التي يرفعها بعض السياسيين كحرية الرأي و الديمقراطية والقبول بالآخر , نرى مصادرة لآراء شريحة كبيرة من العراقيين الذين لم يغمسوا أيديهم في المائدة الأمريكية.   فالمقاومة لم تعد حقاً مشروعاً – ليس لأنها ترادف الإرهاب فقد أصبح التفريق بينهما ممكناً فمن يقتل فرداً عراقياً بريئاً فهو إرهابي ولو قتل كل الجنود الأمريكيين وأفناهم  ومن يقاتل الأمريكيين فحسب فهو مقاوم – لم تعد حقاً مشروعاً لأحد فأصحاب الرأي هم الحكومة المنتخبة دون غيرهم.

ومن هم الحكومة المنتخبة ؟ وما مدى صلاحياتهم؟  وما مقدار تمثيلهم للشعب ؟  و إلى أي حد يعبرون عن همومه و آماله ؟  وهل صبرهم الذي يضاهي جبال الكون سينفد وعندها ستتم المواجهة مع الاحتلال؟  وهل يملكون من الجرأة ما يحملهم على الاعتراف بأخطائهم؟

 لكن أصبح الأمر بيدهم, وأصبح من رفض المحتل وتبنى رأي المقاومة السلبية والسلمية -  فضلاً عن العسكرية -  أصبح رعيةً ليس له الخيرة من أمره.   وأصبح الرأي المفرد هو رأي القوي المتسلط بعصا غيره.

ربما تساءل البعض عن كوة النور التي لم يرد لها ذكر ولا كشف عنها ستر.   الصفحة المشرقة هي ماأبحث عنه ولو دلني عليها أحد فله المنة علىّ.
         

       21 / 5 / 1426هـ


التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
أبو أحمد
[ السعودية - الخويلدية ]: 3 / 7 / 2005م - 1:26 ص
الأستاذ وسيم ، لقد وصفتهم بـ "الحزبية الضيقة" ، "برز اتجاه كسيح". هؤلاء قدموا شهداء وتعرضوا للتعذيب والإعدامات واغتصاب نسائهم. هل تصفهم بذلك لأنهم لم يجعلوا (منظمة العمل) كرأس لهم!!
2
عوامي
[ السعودية - العوامية ]: 3 / 7 / 2005م - 1:37 ص
يبدو أنك ضد الوحدة بين (منظمة العمل) وقائمة الإئتلاف!!!

أرجو أن تراجع هذه الوصلة
http://www.al-hodaonline.com/newsarticle.php?choosesec=news&id=502
"المرجع المدرسي يدعو الى توحيد الصفوف"
3
وسيم
[ ام الحمام ]: 4 / 7 / 2005م - 6:20 ص
بسمه تعالى
الأخ أبو أحمد شكراً لك على التعقيب إني أسأل الله أن يتقبل منهم ويرفع شهداءهم إليه وأن يؤجرهم على كل نبضة تهتز في صدورهم , إلا أنني أقيم حركة سياسية ولم يخطر تخطر بذهني منظمة العمل
4
وسيم
[ أم الحمام ]: 4 / 7 / 2005م - 6:24 ص
بسمه تعالى
الأخ عوامي شكراً لك على التعقيب
لست ضد الوحدة , بل ضد التشخيص غير الصحيح الذي فرق بين الاستبداد والاستعمار إلى الحد الذي تحول فيه العدو صديقاً