رقصٌ على أشلاءِ المجتمع

لكل ذنب يُرتكب- سواءً أكان هذا الذنب صغيراً أو كبيرا-ً  تبعاتٌ ضارةٌ على الفردِ والمجتمع ،وهذه بديهة علميّة اجتماعية.

تبعاتٌ عائدةٌ على الفرد:

عندما يرتكب الفرد المعصية، في الوهلة الأولى يغيبُ عنه عقلهُ وهذا بحدِ ذاتهِ منقصةٌ، فالإنسانُ عندما يغيبُ عقلهُ كالسكران يغيبُ معهُ التشخيصُ السليم فيرى ما هو قبيحٌ جميلا ً وما هو ُمقززٌ لذيذاً, وبعد الذنبِ تراهُ يتأثرُ من جراءِ فعلتِهُ ويلومُ نفسَهُ بألم ٍوحرقةٍ شديدين، وهذا ما يعبرُ عنهُ (علماءُ الأخلاقِ) بالنفس اللوامةِ , وحتى لو تظاهرَ بالفرح ِوالسرورِ بعد ارتكابهِ الذنبِ فإنه مع نفسِهِ يعيشُ حالة ًمن القلق ِو الحزن ِبسببِ الهبوطِ والنقص ِالذي جلبَهُ لنفسهِ.

 وما من أحدٍ في الدنيا يحبُ لنفسِهِ النقصَ مهما كان، فمثلاً عندما يرتكبُ شخصٌ الزنا أو اللواطَ أو ما شابهَ ذلك يغيبُ عقلُهُ من سكرِ الشهوةِ  فيرى أن هذا الفعلَ المشينُ سعادةٌ لهُ ولذةٌ ما بعدها لذةً وبعد انقضاءِ هذهِ اللذةِ المزعومةِ تراهُ يُعاني من الألم ِالنفسي الذي خلفَهُ هذا الفعل ، فأين السعادة ؟ وأين هذه اللذة المزعومة؟ إن الإنسانُ بما هو إنسانُ يحاولُ بكل ِما لديهِ من طاقةٍ جسميةٍ وروحيةٍ وماديةٍ أن يُحققَ إنسانيتهُ ويبتعدَ جاهداً عن كلِ ما يخرجُهُ من الحالةِ الإنسانيةِ ويدخلُهُ في الحالةِ الحيوانية .
فكلُ ذي عقلٍ سليم ٍلا يبيعُ لذةً مزعومة ًمؤقتة ًتعقبُها تبعاتٌ مؤلمة ٌفي الدنيا وعذابٌ في الآخرةِ بلذةٍ حقيقيةٍ سرمدية ٍفي الجنة.

فلو كلُ واحدٍ منا فكرَ في ذلك قبل ارتكابِهِ أيَ ذنبٍ كان، لما ارتُكبتْ الذنوبُ إلا اللمم, ويشيرُ الإمامُ عليُ إلى هذا المعنى بقولهِ:(اذكروا عند المعاصي انقطاع اللذات وبقاء التبعات)1
وقد أشار الإمام أيضاً إلى الآثار الخطيرة التي تخلفها الذنوب في الدعاء المعروف بدعاء كميل حيث قال:( اللّهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم ، الّلهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء, اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء)2 فهذه كلها آثارٌ وتبعاتٌ يجب على المرء أن يتفكر في عاقبتها،يقول أحد أساتذتنا في علم الأخلاق: لو لم يكن من آثار الذنوب إلاَّ حبس الدعاء لكفى المرء إقلاعاً عنها.

التبعاتُ العائدةُ على المجتمع:

بعضُ الذنوبِ وخاصة ٌالكبيرة ُمنها لها أثرٌ كبيرٌ جداً على هدم ِالمجتمع وعدم استقراره فهناك تناسبٌ طرديٌ بين هبوطِ المستوى الأخلاقي و الروحي وانحدار المجتمع, أي كلُ ما انخفضَ الجانب الأخلاقي والروحي لدى أفراد المجتمع ،ارتفع  الجانب المادي والشهواني عندهم, ولهذا ترى اكثر المفسدين والمنحرفين يعيشون انخفاضاً رهيباً في الجوانب الروحية والأخلاقية مما أدَّى بهم إلى الانغماس في الرغبات المحظورة والشهوات المحرمة الهابطة بهم إلى اسفلِ دركِ الحيوانية، خارجين بفسقهم من حدِ الإنسانية.
المفسدون يتصرفون وكأنهم معولُ هدم ٍفي المجتمع لا يعبؤون بأحدٍ كان من كان ضاربين بأحكام الله عرض الحائطِ , وكأن هذا المجتمع ليس مجتمعهم وأهله ليس بأهلهم, ألا يكفي تمزيق المجتمع إلى أشلاء متناثرة، كلٌ في اتجاهٍ معادٍ للاتجاه الآخر،﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ و﴿َتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ،ويأتي هؤلاء العابثون ليزيدوا الطين بلة ويرقصوا على أشلاء المجتمع المتناثرة , سرقاتٌ و زنا ولواطٌ وسَكرٌ وغِناءٌ ومجونٌ وهزُ وسطٍ وتشبّهُ النساءِ بالرجال و الرجالِ بالنساءِ و.....و.....و, ماذا نعدد و ماذا نحصي؟! هذا وللجرائم التي يندى لها الجبينُ مآسٍ أخرى .

الأسباب والحلول:

هناك أسبابٌ كثيرةٌ ساهمت في انتشار الفساد والانحراف وتقدمه خطوات خطوات إلى الأمام ومن جملة تلك الأسباب ما يلي:
1- الخوف وعدم التحرك بحجة غياب الحرية المطلقة للمواجهة أو التعرض للمسائلة من قبل الجهات المختصة, على الرغم من أن المفسدين لا يعبؤون بهذا الجانب ويتقدمون في غيهم والمؤمنون مكانك سر!!.
2- أللا مبالاة من قبل البعض وعدم الشعور بمسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات.
3- تقاعس بعض المشايخ وعدم القيام بالدور المطلوب للتبليغ.
4-  غياب دور التربية الصالحة في الأسرة.
5-الإعلام المفتوح و  خاصة القنوات الغربية,وفتحها على مصراعيها للأبناء.
6- انتشار الأماكن العامة والترفيهية بدون رقابة اجتماعية ودينية.
7- عدم وجود  مؤسسة اجتماعيه تضم كافة شرائح المجتمع ذوي الخبرات والمستويات العالية  لحل المشاكل الأخلاقية والاجتماعية والأسرية.

الحلول المقترحة:

أعتقد أن الحلَ بأيدينا نحن جميعاً ومعتمدٌ على جدية تحركنا ومدى تفاعلنا مع قضايا ومآسي مجتمعنا للوصول إلى حلولٍ ناجعةٍ  تُساهم في الحدِ من انتشار الفساد والانحراف , ومن ضمن تلك الحلول المقترحة ما يلي:
1- تعميق روح الشعور بمسؤولية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرات.
2- تكثيف العمل التبليغي من قبل المشايخ ذوي الكفاءات العالية من خلال إقامة الدورات القصيرة والندوات الهادفة والمحاضرات المفيدة خاصة في فترة الصيف.
3- إقامة مشروع اجتماعي مؤسساتي _إن صح التعبير_ يضم كوادر من حملة الشهادات الأكاديمية من علم ِنفس ٍواجتماع ٍوإدارةٍ وبعض المشايخ المحترمين المثقفين ذوي المستويات العالية وغيرهم، كلٌ حسب مستواه وطاقته, ويكون على عاتق هذه المؤسسة الاجتماعية_ بعد تكوين مجلس إدارة متكامل الجوانب_ المهام التالية:
أ- دراسة وحل مشاكل الأسرة.
ب- دراسة وحل مشاكل الفقر في المجتمع المؤدي إلى فساد أبناء الأسر الفقيرة.
ج- تفعيل دور العلماء و المختصين في العمل التبليغي لمواضيع الإصلاح والتربية و الأسرة وحل مشاكلها.
د-أرشفة القضايا والمشاكل الآنية والمستقبلية والاستفادة من تجارب المؤسسات الأخرى و المشاريع السابقة.
و- الوقوف أمام الأماكن العامة أو الترفيهية الغير ملتزمة بالضوابط الأخلاقية والاجتماعية و الدينية.
 هـ - دراسة ظواهر الفساد الأخلاقي في المجتمع وفرزها وتحليلها والوقوف على أسبابها للوصول إلى حلولٍ ناجعةٍ لها.

هذا وقد يكون هناك حلولاً أخرى عند الأخوة و الأخوات أرجو أن لا يبخلوا علينا بها، لبناء مجتمع ٍ أفضل. 



1- نهج البلاغة، الحكمة /433.
2- مفاتيح الجنان،دعاء كميل،ص100
3- القرآن الكريم،سورة الحشر/14
4- المصدر نفسه،المؤمنون/53