السياسي الناجح والمنطلقات الحضارية لعلم السياسة ووسائله

 
 لقد تعارف بين الناس خاصهم وعامهم من أن السياسة ميدان خاص برجال الحكم, وزعماء الهيمنة, واقطاب التسلط على رقاب الناس, وبالتالي فإن ميدانها الهيمنة على الحكم, ومسلكيتها أو (الآليّة) المؤدية اليها هي القوة, والعنف, والاستثراء, والإقصاء, والقتل, والذبح, والتشريد, من اجل تحقيق الغايات الكبرى من هذا العلم(السياسة) في التفرد بمقادير المجتمع.

وهذا هو واقع السياسة, وحال السياسيين في كل العالم، بينما حقيقة الأمر غير ذلك .

إذ أن ميدان السياسة أو موضوعها هو حياة الناس وإدارة المجتمع لغرض تحقيق الاستقرار في كافة المجالات التي ينشدها الإنسان على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والعملية, ومن ثم تحقيق الرفاه للإنسان, وتأمين السعادة للمجتمع.

وهذا (يستلزم) أن تكون (آلية) (ميدان السياسة) التي يمكنها جلب هذا الاستقرار وتحقيق الرفاه وتشييد البناء على أساس السعادة والإسعاد هي (محبة) السياسي (للإنسان) وخدمته له كائنا من كان, وتفانيه في توفير ما يصلح شأن الإنسانية, والعمل على البناء وليس الهدم, الأمر الذي يتطلب منه أن تتوفر فيه مقومات نفسية عالية, تلك التي تشكل قوام شخصيته, وتتجلى تلك المقومات بجمالية (الخلق الرفيع) وكماليته, (وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) ( 1)  وهذا هو سر نجاح رسول الله  في تأسيس أمة إسلامية بهذه السعة والعمق الزمني والبقاء رغم التحديات, ولذلك لم يمدح الله نبيا مثلما مدح نبيه الكريم حتى منحه وسام (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (2 ) وهذا قوام سياسة رسول الله في الحياة.
وهذا فإن الخلق الرفيع يُمثّل (الارضية) التي ينطلق منها السياسي في الحياة, والتي تؤسس له طبيعة (المنطلقات) التي تحدد مساره في العمل والتصرف والتفكير.

وعلى هذا الأساس تبتني في شخصيته أرضية خاصة من مجموع تلك المنطلقات التي يُصطلح عليها في علم السياسة بـ (الغايات) التي يتحرك باتجاهها السياسي على اختلاف مشاربه ومآربه في الحياة.

وإذا ما توافرت تلك المقومات النفسية (الخلق الرفيع) في شخصية الزعيم الديني, أو الرجل السياسي, أو القائد العسكري, أو رجل الحكم, أو من ينوي الولوج إلى ميدان السياسة والادارة والحكم, بما تصنع له (الآلية) التي يتعامل بها في الحياة السياسية فستخلق عنده (الوعاء)  الذي يستوعب به ميدان السياسة على كافة الأصعدة الفكرية والعلمية والعملية, ألا وان سِعَةُ هذا الوعاء الذي يستوعب الحياة السياسية ومتغيراتها هو (مكارم الأخلاق).

والجميع يعرف أن رسول الله  قد بنى أمة واقام نظاما سياسيا له أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والفكرية وغيرها, ومع ذلك فقد أعلن أن غاية رسالته (مكارمُ الأخلاقِ), لأنها الوعاء الذي يعي حقاق الأمور, ويستوعب إدارة المجتمع على كافة المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها فقال( إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق), ولم يقل إنما بعثت لأحكم أو اقود أو أكون سياسيا أو رجل دين يفتي الناس بما أرى واشتهي, ذلك لأن القيادة والسياسة والحكم والادارة والدولة يجب أن تكون محكومة لمكارم الأخلاق, وبعبارة أخرى يجب أن تمتليء شخصية الإنسان (بمقوِّم) مكارم الأخلاق.

 فإذا امتلأت شخصية الإنسان بهذا المقوم وكان سياسيا, صار سياسيا حضاريا بمعنى الكلمة ولم يكن دمويا بوجه من الوجوه.
وإذا امتلأت شخصيته بهذا المقوم وكان دينيا, صار إمام حق وزعيم حضارة, ولم يكن ارهابيا يفتي اتباعه بإبادة الإنسان بأي حال من الاحوال.
ويوم تمتليء شخصية ذلك الإنسان بهذا المقوم وكان رجل اقتصاد, فإنه سيصبح رجل بناء وعمارة وحياة, وليس رجل استثراء ونهب واستحواذ.
كذلك إذا ما اصطبغت شخصية ذلك الإنسان بهذه الصبغة, وكان رجل حكم, فانه سيصبح حاكما عادلا يسعد المجتمع بوجودة, والإنسانية بفكره وعطاءه ومشروعه, ذلك لأنه بنظر بعين المحبة والألفة والحياة.
 
ولما كان ميدان السياسة حياة الناس ومصائرهم ومقدّراتهم صار من أول الواجب في قاموس السياسي أن يكون متمتعا بمكارم الأخلاق, مفعما بطيب السجايا والخصال, والا سيكون جبارا عصّيا.
ولو تصفحت تاريخ الجزارين وكل الطغاة على وجه الأرض لوجدتهم منحرفين اخلاقيا, لا يملكون من الخصال إلا الهيمنة, والقتل, والاستحواذ, والإثرة, والإقصاء, فتجده منهوما دائما للسلطة, متعطشا للهيمنة, ضالعا بالعنف.
من هنا وجب أن يكون علم السياسة علما مقارنا للاخلاق, ملازما للفضائل, ويجب على السياسي التحلي بالخلق الرفيع لإتمام مهام إدارة شؤون الناس, والا فسيتعامل مع البشر وكأنهم قطعان اغنام رهينة اسر الحاكم العنيف, أو السياسي المفترس, أو رجل الدين الفقير إلى مكارم الأخلاق.
وبهذا يتبيّن أن حقيقة السياسة النافعة المؤدية إلى تشييد صرح البناء الحضاري الشامخ, هي التحلي بآلة الرئاسة والسياسة, والإحاطة بأن:
( آلة الرئاسة سعة الصدر) (3) كما قالها أمير المؤمنين .

ولا (يمكن) (للسياسي) أن يكون (واسع الصدر) إلا (بتحكيمه) مكارم الأخلاق في نفسه, لأن (سعة الصدر) تتطلب(التسامح), (والصفح), (والرفق), و(التواضع) و(التغاضي), و(المحبة), و(التآخي),و(العطف), و(الحلم), و(العلم), و(الرحمة), و(اللين),و(اليقين), و(المداراة), و(الحكمة), و(الرافة), و(التؤدة) وغيرها من قمم مكارم الأخلاق التي يحتاجها رجل السياسة والحكم.

ومع ذلك كله فإننا نجد السياسي الناجح في (عُرف) الاصطلاح الشائع المغلوط عن علم السياسة والحكم هو كل (من تتوفر) فيه (مساويء الأخلاق), ومَذام الصفات, فتجد عنده (سياسة الانتقام) من الخصم أو المعارض بدل (الصفح) والتسامح.
وتجد سياسة (العنف) مع الطرف الآخر بدل (الرفق).
و(سياسة التكبر) بدل (التواضع) مع الآخرين.

كما تجد (سياسة المداقّة) والتشديد بدل (التغاضي) والعفو, و(سياسة الغلظة) بدل (الرأفة), وسياسة (العجلة) في اتخاذ المواقف والمسارعة في التصريح بدل (التؤدة) والتثبت والتأني, وسياسة (الشك) بدل (اليقين), والى غيرها من مساويء الأخلاق التي تجدها شاخصة في أبجديات الأمور التي يجب أن تُدرّس في علم السياسة والعمل السياسي على حد سواء.
وسبب ذلك قيام (السياسة) الزائفة على (الظن) و(الشك) و(الأخذ) على (الشبهة), و(العمل) بموجب (الريبة), وسلوك سبيل (الانتقام) من الخصوم, و(الاستئثار) (بالحكم), و(الهيمنة) على مصائر الناس, والتلاعب في مقدرات الشعب, وقتلهم من اجل الهيمنة, وانتهاج سياسة الذبح لغرض تحقيق اهدافه الكبرى في الحصول على مكاسب سياسية رخيصة في الحكم, وزائلة على المدى القريب المنظور وإن بَعُدَ.
من هنا يتبين أن كل الذين يريدون التصدي لقيادة شؤون الأمة وإدارة أمور الناس عليهم أن يكونوا على درجة عالية في اكتسابهم مكارم الأخلاق, وقد لخّص قانون الحياة أن تاج السياسة يكمن في قوله (نِعْمَ السياسة الرفق) (4 ) , وهذا يعني أن بئس السياسة العنف والخرق والعجلة في التصريح والتصرف والإقدام.
كما يجب على السياسيين تغليب العدالة على الجور حيث أن الظلم يفسد على الحاكم سياسته لأن (ملاك السياسة العدل) (5 )  وان (بئس السياسة الجور) (6 ) كما قالها إمام السلم, وسيد المحبة, وأمير الحضارة والتحضر أمير المؤمنين .
وبالتالي فمن الخطأ الفاحش أن يَعتبر أحد أن مكارم الأخلاق من شؤون رجال الزهد, أو سبيل الهاربين عن الإدارة والحكم ورئاسة البلاد أوسياسة العباد نحو تحقيق الخير والصلاح والرشاد.
ومن التجني الفاحش على الإنسانية والحياة اعتبار الأخلاق من مختصات المنْزوين عن إدارة شؤون الأمة.
ومن التجرؤ على الإنسانية اتهام رجال الحضارة, وائمة الفكر البنّاء, بأنهم رجال أخلاق لا يصلحون للسياسة والادارة, ذلك لأنهم يمثلون عين رجال السياسة الناجحين, وذات اعمدة الحكم الحضاريين.
لأن الأخلاق رأس المقومات الشخصية لرجل السياسية المتصدي لإدارة شؤون الأمة, من حيث أن ( خير الناس من انتفع به الناس)( 6)  .
فخير الناس من انتفع الناس بوجوده ثقافةً وفكراً, علماً وعملاً, قولاً وفعلاً, سلوكاً وتصرفاً. ولن يمكنه تحقيق ذلك في شخصه أوشخصيته ما لم يكن رفيقاً في الناس, محباً لبني جلدته, مُحتَرِماً الإنسانية, فلا يظلمهم ولا يسلمهم, ولا يبخسهم حقوقهم, الأمر الذي يكشف عن القِمة التي تتبوأ عرش السياسة وهي أن: (رأس السياسة استعمال الرفق) (7 ) , لأن السياسي ومن خلال الرفق وحده يتمكن تحمّل التحديات والصعاب, فلايغضب ولا يعجل حتى يبلغ الصواب محله, وبهذا صار( الاحتمال زين السياسة) (8 ) كما قال أمير المؤمنين .
وأن الفاشل في السياسة هو من لا رفق له, وأن الرفق يوجب العدل في الحكم والفعل, والقول والتصرف, وخصوصا أن ميدان السياسة يحتاج إلى الرفق اشد من غيره من الميادين لِعِظَمِ المسؤوليات التي يضطلع بها هذا الميدان.
من هنا صار الرفق عماد الحياة, لأنه يساعد في تمكين رجل السياسة والحكم من معالجة الأمور التي يصادفها والازمات التي يتعرض لها بالحكمة والروّية, والرأي الصائب والفكر الثاقب, وعدم التعنيف وخبط المياه, وتعكير الصفو, وتلويث الجو, وبث الفرقة والشقاق, وتأجيج العنف والنفاق.
وقد علّم أمير المؤمنين اتْباعه المؤمنين المؤتمرين بأمره فضلا عن عامة المسلمين وعموم البشر أجمعين القاعدة السياسية الكبيرة في أن زين الحياة و (جمالُ السياسةِ العدلُ في الإمرةِ والعفوِ معَ القدرةِ) ( 9)
وما زال يعلّمهم ويربيهم على مر الأجيال وكرور الليالي والدهور من أن ( آفة الزعماء ضعف السياسة) (10 ), وفشلهم في التشدد والغضب والحقد والكراهية, وكل ما يدور في فلك العنف من صفات. 

الخلاصة

أما خلاصة البحث فيمكن جمعها في النقاط التالية:

النقطة الأولى: أن يعرف كافة السياسيين الشرفاء في العراق الجديد انهم أمام مسؤوليات جسيمة تتلخص في بناء تجربة حيوية, إنسانية, حضارية, الأمر الذي يحتم عليهم قبل غيرهم, والآن اكثر من ذي قبل, معرفة حقيقة الأسس الحضارية لعلم السياسة ومنطلقاته ومبادئه.

النقطة الثانية: على السياسيين العراقيين, ومن خلال التجربة الحضارية التي يضطلعون بتاسيسها, تعليم ساسة العالم اجمع أصول علم السياسية الذي يبني الحياة, وليست السياسة التي تهدمها, وتعبث بالإنسانية, وتهلك الحرث والنسل.

 النقطة الثالثة: عليهم المعرفة أولا وتعليم الأمم والشعوب ثانيا من أن (ميدان) علم (السياسة) هو (الإنسان) واداره شؤونه بما يصلحه ويصلح له, وليس ميدان السياسة السلطة والتسلط والهيمنة والرئاسة والتشبث بالحكم مهما كلف ذلك من ثمن أو استلزم من مستلزمات, وان كان السبيل إلى ذلك الاعدام والقتل والإبادة والمفخخات في كل المساجد والشوارع والطرقات.

النقطةالرابعة: بناءا على تحديد ذلك الميدان وجب الاحاطة والاطلاع على (غايات) السياسة التي تكمن في إدارة شؤون الإنسان بما يصلح شؤونه ويصلح له, وبما (يوفر) له (السعادة) ويحقق له الاطمئنان والاستقرار.

النقطة الخامسة: الاحاطة بآليات علم السياسة وادواته علما وعملا, تلك الآلية التي يجهلها علم السياسة والسياسيون أنفسهم في هذا العالم, وهي كيفية إدارة السياسي للإنسان والتعامل معه, فكانت الآليات تلك أو المسلكية التي يجب أن يسلكها على طريق النجاح هي (الأخلاق), لأن ( آلة الرئاسة سعة الصدر) .

النقطة السادسة: وبعد تحديد آليات علم السياسة, ومن ثم آليات العملية السياسية, وجب تحديد الوعاء الذي يستوعب ذلك العلم ويحتضن تلك المهمة بكافة آلياتها, فَكَمُنَ ذلك الوعاء في احراز (مكارم الأخلاق) في النفس, وتحقيقه في الشخصية التي تريد السياسة وتروم الحكم.

النقطة السابعة: بناءا على تلك القيم الحيوية والجديدة على ميدان السياسة علما وعملا, وجب على كل من يعتبر نفسه سياسيا أو يدعي بالسياسة وصْلاً العمل على اكتساب مكارم الأخلاق وإحراز معالي الصفات, وتدريب نفسه وتعويدها عليها لأن (الخير عادة) كما قالها أمير المؤمنين .

النقطة الثامنة: من لا تتوفر فيه صفات السياسي الناجح, وليست فيه مقومات الشخصية السياسية الناجحة لفقدانها (مكارم الأخلاق) فهو سياسي فاشل, وعليه ألاّ يقحم نفسه ميدانا ليس له بأهل, فيكون مثله مثال مهندس يفتح عيادة طبية ويرتدي لباس الأطباء, ثم يدخل صالة العمليات ويعبث ما يحلوا له, وبدل أن يحيي المرضى يميت الأصحاء, ويقتل السالم من الناس.

النقطة التاسعة: يجب على الشعب ألاّ ينتخب رجلا يتسم بالعنف والقسوة والشدة والبطش, ولا يرشح فردا لا يجد فيه المقومات الشخصية للسياسي الناجح وان كان ابن مدينته أو مذهبه, أو ابن قريته أو قوميته, لأن تصعيد رجال إلى سدة الحكم والسياسة, من فاقدي مكارم الأخلاق والفقراء إلى معالي الصفات والمقومات النفسية العالية, والمكونات الشخصية الناحجة, سيؤدي إلى تدمير الحياة وسيصبح فعلهم كمن يُمَكِّن جزارا إدارة القضاء والحكم.

النقطة العاشرة: يجب معرفة أن كل الذين دمروا حياة البشرية, وابادوا الإنسانية, واقاموا الإرهاب في العراق وغيره, وحكموا سواء بإسم الدين أو القومية أو التحرر, أو كثير ممن يريدون ركوب موجة الديمقراطية ليعبثوا في الحياة على طريقتهم التي كانوا يصنعون, ليسوا برجال سياسة ولا مؤهلين لإدارة شؤون الإنسان, بقدر ما يحتاجون لأن يُعيدوا تأهيل أنفسهم في الحياة على معرفة أسس ثقافة الحياة, وقواعد احترام الإنسان, وليس ثقافة العنف, وسلوك التطرف, والتفنن في المناهج الطائفية للذبح والإقصاء والإبادة.

النقطة الحادية عشرة: على الحكومات العراقية الحالية والمستقبلية تطهير دوائر الدولة والحكم من المتطفلين على السياسة ممن لا تتوفر فيهم المقومات الشخصية الناضجة, والنفسية الكاملة لرجل السياسة الإدارة, وممن تعارف عنهم انهم رجال عنف وقسوة وتجارب ناجحة في القمع والإرهاب.

النقطة الثانية عشرة: يجب على الحكومة العراقية ووزارة التعليم العالي تقرير تدريس مناهج جديدة تهتم بدراسة المقومات النفسية والشخصية للسياسي في كليات السياسية, وتدريس منطلقات ومباديء علم السياسة الحقيقية بما تبني الحياة وتحترم الإنسان وليس العكس, كي لا تُخرّج تلك الكليات للمجتمع رجالا لا يخدمون البشرية على الإطلاق, بل يضرّون ولا ينفعون, ويفسدون اكثر مما يصلحون.

وبعد هذا كله..  فان كلمات أمير الحكمة, وإمام العدالة, وسيد الحياة, وخبير الإنسانية, ومعلم البشرية كيفية صياغة رجال الحكم والسياسة, وبُناة الحضارة والحياة, ما زالت باقية بقاء الدهر, تَرِنُّ في أذن الإنسانية بالشكل الذي تفتقر إليه معاهد الدراسات العليا للعلوم السياسية في العالم, وذلك يوم قالها مؤدِّباً تلميذه وشيعته مالك الاشتر حينما ولاّه حكومة مصر, مُعَلِّما إياه معالم المنهج الحضاري في السياسة والحكم, فقال له من بعض ما قال:

1. فليكن أحبّ الذّخائر إليك ذخيرة العمل الصّالح .
2. فَامْلِكْ هواك, وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك, فإنّ الشّحّ بالنّفس الانصاف منها فيما أحبّت أوكرهت .
3. وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة .
4. والمحبّة لهم .
5. واللّطف بهم .
6. ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم .
7. فإنّهم صنفان إمّا أخٌ لك في الدّين وإمّا نظيرٌ لك في الخلق.
8. يفرط منهم الزّلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ .
9. فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الّذي تحبّ وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه .
10. فإنّك فوقهم, ووالي الامر عليك فوقك, والله فوق من  ولاّك..)(11)

وبعد بيان هذا المنهج...

فأي سياسيّي اليوم, سواء كانوا من العلمانيين الذين يأمرون الرفاق بقتل البشر, أو الدينيين الذين يفتون الاتباع بذبح الناس, وإهلاك الحرث والنسل, ايّهم قد تخرج يوما من مدرسة أمير المؤمنين, وتتلمذ على مناهجها الحضارية تلك ؟؟
وايّهم قد تعلم علوم الحياة وسننها من (سنّة) رسول الإنسانية, وسيرة نبي المحبة والحياة ؟؟
وايّهم تتلمذ على مناهج (انمابعثت للإتمم مكارم الأخلاق) حتى يأتي الميادين متطلعا إلى بناء العراق.. وعمارة الحياة, ضاغطا بشتى السبل من أجل المساهمة في سياسة أمور الشعب الذي عانى فساد السياسة, وإرهاب السياسيين الفاقدين لأبسط المقومات النفسية, والمكوّنات الشخصية لبُناةِ الحياة, وعمارة الأرض.

الجمعة 15/ تموز/2005
المصادف 8 /جمادي الثاني/1426

- سورة آل عمران/ آية 159
- سورة القلم/ آية 4

- المصدر السابق
- كما ورد عن أمير المؤمنين في غرر الحكم ودرر الكلم ص331
- المصدر السابق هم أمير المؤمنين
- المصدر السابق عن أمير المؤمنين
- الفقيه ج4ص394 من حديث للامام الصادق عن آباءه عن رسول الله صلوات الله عليهم اجمعين
- عن أمير المؤمنين في كتاب غرر الخكم ودرر الكلم ص331
- المصدر السابق.
- المصدر السابق.
- غرر الحكم ودرر الكلم ص347
- نهج‏ البلاغة ص : 428 من عهده إلى مالك الاشتر.