أم الحمام : سماحة الشيخ مصطفى المرهون ... فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة وأسوة

شبكة مزن الثقافية
سماحة الشيخ مصطفى المرهون حفظه الله
سماحة الشيخ مصطفى المرهون حفظه الله

القى سماحة الشيخ مصطفى المرهون «حفظه الله» يوم الجمعة بتاريخ 22 جمادى الآخرة 1426هـ  في مسجد المصطفى  بأم الحمام كلمة بعنوان «فاطمة سيدة وقدوة » وذلك من خلال مصادر غير شيعيه

 فيما يلي نصها:

روى البخاري ومسلم والترمذي عن النبي قال: ( كَمُلَ من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنتُ محمد ). وفي مُسند الإمام أحمد بن حنبل ذكر حديثاً إلى أن قال: ( قال رسول الله : هذا ملكٌ من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة، إستئذن ربه في أن يسلم علي، ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء العالمين). وفي الاستيعاب عن ابن عباس قال: (قال رسول الله: سيدةُ نساء أهل الجنة مريم، ثم فاطمة بنتُ محمد، ثم خديجة، ثم آسية امرأة فرعون). وروى البخاري والإمام أحمد في حديث مسارة النبي فاطمة أنه قال: (ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، أو سيدة نساء هذه الأمة). ومن عرف مقام الزهراء يعلمُ أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. كيف لا وهي (أمُ أبيها) وهي المظهر الحقيقي الذي تتجلى فيه فضائل أهل البيت في جميع جوانب حياتها، في عبادتها وأخلاقها وزهدها وإيمانها وتضحيتها، فهي المرأة التي فتحت عينيها في انطلاقة الرسالة في مكة المكرمة، عندما كان الصراع محتدماً بين الإسلام والكفر، وهي ترى أباها واثقاً مطمئناً بأن الله سبحانه سينصر الحق، وإنما هو الصبر في طريق الله؛ لتخطي كل العقبات التي كانت في طريقه. وكانت الزهراء مع أبيها في كل ما كان فيه، تشعر بأحاسيسه فتتغذى بمشاعر القوة والصمود من أبيها، وتستلهم من سيرته كل ما يحتاجه العظيم والداعية في مسيرة حياته، فهي مع الرسول في حله وترحاله، في مكة وفي الهجرة وفي المدينة، تقف مع أبيها غير عابئةٍ بكل ما يمكن أن يُحدق بهم من خطر، وهي تحنو عليه بالحنان والعاطفة، الحنان الذي كانت تضفيه على أبيها كأنها الأم التي تحُنُ على طفلها، حتى قال عنها : (فاطمة أمُ أبيها) وما هذا إلا أنها كانت تبذلُ كل شيءٍ لرسول الله . وكان الرسول يطمئن بكل ما يجده من فاطمة. وقد ورد كما روى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عمر أن النبي إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة، وإذا قدم كان أول الناس به عهداً فاطمة. وفي الاستيعاب بسنده، سألت عائشة: أي الناس كان أحبُ إلى رسول الله ؟ قالت: فاطمة، قلت فمن الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمتهُ صوّاماً قوّاما.

وقد أخرج الطبراني عن أنس أن رسول الله كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: (الصلاة، يا أهل البيت، الصلاة، ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

  وهنا نقولُ:

أولاً:

إن الدعوة إلى الصلاة أمرٌ مقدسٌ في الشرائع السماوية، حيث أن إقامة الصلاة تحقيقٌ لتشريع الله سبحانهُ، قال تعالى:﴿ فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاالنساء، 103. وقال تعالى:﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يُذهبنَّ السيئات ذلك ذكرى للذاكرين هود،114. وقال تعالى: ﴿ وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكرُ الله أكبر العنكبوت، 45. وقال تعالى: ﴿حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين البقرة،238.

وقال تعالى:﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا الإسراء،78. وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله قال: سمعته يقول: ( أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة وهي آخر وصايا الأنبياء ...). وفي الكافي عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم وأحبَ ذلك إلى الله عز وجل ما هو؟ فقال: (ما أعلمُ شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أنَّ العبد الصالح عيسى بن مريم قال: ﴿ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا مريم،31 وعن الرضا قال: ( الصلاة قربان كل تقي ).

ثانياً:

أنَّ المربي عليه أن يربي أهلهُ على المواضبة على الصلاة فقد ذكر القرآن الكريم على لسان لقمان:( يا بُنيَّ أقم الصلاة )، كما عليه أن يهيء المناخ والظرف المناسب للصلاة ولذلك يقول إبراهيم : ﴿ ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة إبراهيم:37، وكان ذلك عندما رزقه الله إسماعيل من جاريته (هاجر) فأثار ذلك حسد زوجته الأولى (سارة)

ولم تستطع تحمّل وجود هاجر وابنها، فطلبت من إبراهيم أن يذهب بهما إلى مكان آخر، فاستجاب لها طبقاً للأوامر الإلهية، فجاء بإسماعيل وأمه إلى أرض مكة التي كانت قاحلة وليس فيها شيء من مقومات الحياة، ثم ودعهم وذهب بأمر الله. ولم يمض قليلٌ من الوقت حتى عطشت الأمُ وابنها، وفي تلك الشمس المحرقة، أراد الله أن تكون تلك الأرض منطلقاً للعبادة الإلهية فأظهر زمزم، فصار الناس يأتون من كل مكان للإقامةِ عندهم، ثم يستمر إبراهيم بالدعاء حتى يقول: ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء) ويطلب من ربه أن يكون خلفهُ مقيماً للصلاة.

وباعتبار أن التربية الحسنة عادةً ما تحقق الأثر الطيب، فقد تحققت أمنية إبراهيم وإذا بإسماعيل أيضاً يقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به أبوه من الاهتمام بالصلاة، يقولُ تعالى: ﴿ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا مريم: 55،54.

بل أننا نلاحظ أن المرحلة الأولى لتبليغ الرسالة، الشروع من عائلة المبلّغ الذين هم أقرب الناس إليه، ولهذا فإن نبي الإسلام قد بدأ دعوته بزوجته خديجة ، يقول تعالى:﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها طه،132؛ لأن هذه الصلاة لك ولأهلك أساس العفة والطهارة وصفاء القلب وسمو الروح .

فكانت خديجة أول من صلى من النساء مع رسول الله وكان عليٌ يصلي مع الرسول كما قال:

وصليت الصلاة وكنتُ طفلاًصغيراً ما بلغت أوان حلمي فكان من هذا النسيج المحمدي ذلك النتاج الطيب، الذي يحدثنا عنه الإمام الحسن بن علي قال: رأيت أمي فاطمة في محرابها ليلةً فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتضح عمودُ الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسميهم وتُكثر من الدعاء لهم ولا تدعوا لنفسها بشيء، فقلتُ لها: يا أماه لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك فقالت:(يا بُنيَّ الجار ثم الدار).وهكذا كانت الزهراء لا تنسى المؤمنين وهي بين يديّ ربها تتضرع من أجل الآخرين، وتطلب من الله تعالى الرحمة والرأفة والخير لهم قبل أن تطلب لنفسها ما تحتاج إليه. إنها الصفة العظيمة التي نتعلمها من الزهراء أن لا ننسى بعضنا في ظهر الغيب.

إنها الصلاة التي أوحت إلى الزهراء كل حياتها كل معارفها كل مواقفها وأخلاقها العالية العظيمة مع كل من تعلق بها أو عايشها أو تعلّم منها.

الزهراء التي كما روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عائشة ما رأيتُ أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله من فاطمة. وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب

بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه، وكانت هي إذا دخل عليها قامت إليه مستقبلةً وقبّلت يده.

إنها السنين القليلة ولكنها العطاء الذي لا ينقطع على مر العصور، ويبقى خالداً ما بقي لكل قدوةٍ ذكر، إنها الطهر والنور والخلودُ، إنها الزهراء فاطمة البتول.

ليس في النـاس والدٌ كأبيهـا ليس بعلٌ كبعلها في الجدود  

لا ولا مثلهــا لآدم بنـتٌفتعاليت من حميـدٍ مجيـدِ

أنت كوّنتهـا مثالاً إلى العفةوالطهر والحيـا والجـود

أنت كوّنتها معلمة الأجيـالفي كـل مــوردٍ محمودِ