هل نبدأ من جديد ..؟

عقيلة آل حريز *

 

لم نأتي إلى الدنيا لنعيش فيها كملوك ، وإن كان لا بد لنا بأن نعيش كملوك فلنمتلك أنفسنا أولاً عن إيذاء الآخرين وجرح مشاعرهم .. لماذا نعطيها الحق أحياناً في التجني على الناس وإصدار الأحكام القاسية في حقهم .. كثيرة هي الأمور التي تحدث تصادمات بيننا وبين من نحتك بهم وكثيرة هي المشاحنات التي نحملها بعد كل هذه المواقف ..  فالخصومات لا بدّ منها في الحياة  وقلة منا الذي  ينجو من الوقوع في آثارها ..

ربما بعد مضي مدة من الزمن يبدأ المرء منا باستيعاب ما حدث جيداً  .. وربما يدرك أنه أخطأ وتسرع في إصدار الأحكام ورمي الناس بالتهم  جزافاً ولربما أيضاً كان قد تجنى عليهم مسبقاً ..

 لكنه حين يدرك الأمر هل يحاول أن يفعل شيئا حياله وهل هو من أولئك الذين يستطيعون العودة لأنفسهم  يراجعون أوراقهم المهملة،  يعترفون بما ارتكبوه وينصفون أنفسهم ومن تجنوا في حقه فيبدؤون معه من جديد ؟

 سؤال صعب يحتاج لشجاعة لنجيب عليه كما يحتاج للكثير من العدالة الأخلاقية التي لا يمتلكها إلا من دأب على ترويض نفسه وتهذيبها جيداً .. من الصعب أن نصبح مثاليين لكن من غير الصعب أن نبدأ بمراجعة حساباتنا، قد تكون خطوات هذا الترتيب صعبة في البداية،  والبدايات غالبا ما تكون صعبة لمن لم يعتادها.. فلا يُصنع النجاح من فراغ ، ولا يأتينا بدون أن نبذل فيه شيئاً من جهد أو تضحية .. فالعظماء الذين حققوا مكانة عالية بين الناس بحيث نالوا بها رضا الله تعالى قد قاموا بالكثير منها.

 قد نبذل جهداً للاحتفاظ بأحدهم ونحاول أن لا نتجنى عليه بأن نكون منصفين معه في تعاملاتنا  لكنه لا يبادلنا نفس هذا الاتجاه ربما تتدخل في ذلك عدة عوامل كطبيعة المشكلة الحادثة ، تكوينه النفسي والانفعالي ، ثقافته  ورؤيته للأمور وأمور أخرى قد تبدو كبيرة أو صغيرة في نظره ونظرنا ..

لكننا في النهاية يمكننا أن نصل لقناعة معينة ورؤية واضحة، عندما نتغاضى عن كل هذه الأمور ونبدأ بممارسة شيئاً من العدالة .. العدالة التي نحتاج إليها في تعاملاتنا .. تلك التي تؤمن لنا نوع من الألفة ونوع من التواصل أو التعايش مع الآخرين .. يقال بأن المرء عندما يكون واثقاً من نفسه فإنه لا يبالي بما يحصل معه .. و لهذه الثقة معنى  واسع  وعريض يؤطرها فهو يشمل العدالة الأخلاقية وصدق التعاملات المختلفة كذلك يحوي الكثير من الجوانب الدينية و الروحية المطلوبة .

 ربما نكون صادقين وربما نؤدي ما علينا من واجبات وتعاملات أخلاقية تجاه من نعرفهم وعلى خير ما يرام ، لكن المشكلة لا تتلخص فقط فينا نحن فهي تتسع وتكبر لتقف في النهاية عند حدود الأفق الضيق للشخص الذي نتعامل معه !!.. عندها إن تأكدنا من تواجد الإنصاف لدينا وبأننا قد حاولنا أن نبدأ معه من خلال فتح طرق للحوار الجاد والمثمر لأكثر من مرة  لكنه لم يتجاوب معنا لأسباب لا تبدو منطقية،  فإن مسؤوليتنا تجاهه قد انتقلت منّا إليه أي أننا لم نعد نتحمل وزر هذا الجفاء وهذا الانقطاع والتصرفات التي لا يبدو لها أي منطق  مقبول، غير أنها عداء وخصومة مجحفة بلا مبرر !! .

 

1/7/1426هـ 

كاتبة وقاصة (سعودية )