القراءة الصحيحة

شبكة مزن الثقافية الأستاذ مروان الحميد

عنوان الكتاب القراءة الصحيحة
المؤلف فيليس ميندل
المطبعة مكتبة جرير
الطبعة الأولى عام 2000م
مقدمة:
إن القراءة الصحيحة نظام قائم على البحث حيث يحوي مجموعة فريدة من المهارات الذهنية التي تساعد على القراءة بطريقة أسرع وأكثر براعة.
وقد قامت بكتابة هذه الكتاب خبيرة في مجال القراءة لمدة ثلاثين عاماً.

 

علامات الترقيم: الشريك الصامت للقارئ
كتب جون سيمون " في الكتابة ... الجيدة، هناك شريك صامت، وهو علامة الترقيم " ونحن نضيف إلى مقولة سيمون: " وفي القراءة هناك شريك صامت هو علامة الترقيم: إن إدراكك لمعنى ودقة الترقيم يساعدك على فهم ما تقرأ بدقة، وهذه المقالة الرائعة تلفت انتباهك إلى قوة ودقة علامة ومعنى كل أشكال الترقيم.
حاول قراءتها قراءة تمهيدية – ثم أقرأها مرة أخرى بعمق إذا أعجبتك، ولاحظ الاستخدام القوي من قبل الكاتب للجمل الانتقالية وبعمل الموضوعات.

في مدح الفاصلة أثناء الكتابة
إن الله يهب الحياة للناس ويقبضها منهم. هل يجب قول ذلك مع الفاصلة؟ أضفها الآن إلى الجملة الحالية،
و، فجأة، تعطي العقل، وقفة للتفكير. إنك إذا تجاهلتها أو نسيتها فإنك تحرم العقل من فرصة للراحة،
 وبالرغم من ذلك ما زالت الفاصلة لا تلقى أي تقدير، فهي تبدو كما لو كانت قصاصة من شيء،
وكم هو جميل دفاعنا عنها رغم صغرها. على أية حال، ما هو الشيء الذي يستخدم كثيراً، ونتذكره قليلاً مثل الفاصلة ـ إذا لم تكن هي النفس الذي تتنفسه؟

الترقيم، كما تعلمنا له فكرة وهي: الحفاظ على القواعد والنظام فعلامات الترقيم هي إشارات مرور وضعت على طول طريق الاتصال – للتحكم في السرعة ولتحديد الاتجاهات ولمنع الحوادث، وهي تمثل تلك المدة التي ندقق فيها النظر بعينين مفتوحتين عند رؤية الضوء الأحمر، والفاصلة هي الضوء الأصفر المتقطع الذي يطالبنا بالبطء،
والفاصلة المنقوطة هي علامة وقف تخبرنا بأن علينا أن نبدأ تدريجياً للاستعداد للتوقف،
أو مواصلة السير تدريجياً مرة أخرى، وكما تنشأ العلاقات بين الكلمات فإن الترقيم يُنشئ العلاقات بين الناس المستخدمين لهذه الكلمات، وربما يكون ذلك أحد الأسباب في جعل المعلمين يقدرونها وجعل المحبين يدافعون عنها.

الترقيم إذن هو دعامة مدنية، وهو السارية التي تنهض بالمجتمع إلى الأمام (الجملة المتواصلة، بأجزائها المقسمة تشبه الحوض المليء بأكوام من الصحون)، ولا عجب إذن أن الترقيم كان واحداً من آداب المجتمع الأولي في العصر الفيكتوري، الذي هجره المحدثون، ويمكن القول أن الثورة بدأت عندما دونت جويس مولي كل أفكارها الخاصة
في 36 صفحة أطلقت لنفسها فيهم العنان وبغير تعقيد وحصلت على موافقة رسمية على ما كتبت.

الترقيم بهذه الطريقة أصبح دليلاً على الثقافة، فالرجل الأسباني سريع الاهتياج يظهر هذا في عاطفته وفي حالات الشد العصبي حيث يستخدم علامتي تعجب وعلامات استفهام، بينما نجد الرجل الصيني الهادئ بطبعه أضاف ما يسمى بالغموض عندما حذف الاتجاهات من حروف لغته. فالاضطر اب والفوضى التي حدثت في الستينات ظهرت آثارها
في ظهور علامات التعجب والحروف الاستهلالية الوافرة والحروف المائلة، وفي المجتمعات الاشتراكية، حيث تحكم الدولة حكماً مطلقاً، أصبح استخدام الحروف الاستهلالية ملاصقاً لكل ما يخص الوزراء واللجان والأمانات الفنية.

على أية حال الترقيم هو شيء ما أكثر من دليل على الثقافة فهي تسجل وقع الموسيقى في عقولنا، تجعل خلجاتنا تنجذب نحو أغنية القلوب، فالترقيم هو مجموعة من الرموز الموجودة في النوتة الموسيقية الخاصة بكلامنا،
حيث تخبرنا متى نقف، متى نرفع أصواتنا. إنه يعرفنا أن معنى مقالنا مثله مثل أي مقطوعة سيمفونية،
يكمن ليس في الوحدات ولكن في الوقفات، والترقيم هو هذه الطريقة التي يغمض لها الجفن، وتخفض بها الصوت، والترقيم يضبط الطبقة واللون ومستوى الصوت لحين الشعور بالوصول إلى أفضل تركيز.
والترقيم باختصار يعطينا الصوت الإنساني، وكل المعاني التي تختفي بين الكلمات
مثل " أنت لست صغير السن، أليس كذلك " هذه الجملة ستفقد براءتها إذا كتبت من غير علامة استفهام،
فكل طفل يعرف الوعيد الذي يقع عليه بسبب النقطة التي في نهابة الجملة الخبرية (.) ( والآباء بقولهم " لا تفعل ذلك "
يعدونها ليست ذات تأثير فيقولونها منطوقة ببطء للتأكيد. أضف علامة تعجب لـ " أكون أولا أكون ".

إن وضعنا للعلامات أحياناً يكون بسيطاً بالطبع وجمالياً. إن وضع الفاصلة يشبه القلادة التي تعطي الثوب رونقاً وجمالاً، أو سماع صوت الماء الجاري الذي يتمم ويكمل هذا الصمت الموجود في الطبيعة اليابانية، فعندما كتب س.نيبول في آخر رواية له: " كان رجلاً في منتصف عمره، ويرتدي نظارة. لقد أعطت الفاصلة الوصف نسيجاً رقيقاً تفتقر إليه، وبينت أن النظارة ليست علامة من علامات منتصف العمر، بل هي شيء آخر.

وهكذا فإن كل هذه العلامات الصغيرة تعطينا اتساعاً وثقلاً وعمقاً، فالعالم بلا نقاط هو عالم بلا روح، بل موسيقى بلا رونق أو حس، فهي تحمل نغمة الأحذية العسكرية، والفاصلة تستطيع، عن طريق المقارنة،أن تتحكم في اندفاع العقل في التفكير، فهو (العقل) يدور حول نفسه ويرجع مرة ثانية، فينعكس ثانية،ويتكرر مرة أخرى ويعود إلى نفس الخط وهو الموسيقى الجميلة لصوت النهر؛ بينما تجمع الفاصلة المنقوطة بين الفقرات والأفكار سوياً مع كل هذا الحذر الصامت كمضيفة تنظم ضيوفها حول مائدة العشاء.
الترقيم إذن موضوع يستحق الاهتمام، والاهتمام هنا ليس بالكلمات فقط بل الأهم من ذلك هو ما تشير إليه.

وللمزيد من البراهين على كيفية مساعدة الترقيم في الفهم، اقرأ هذين المثالين:

المجتمع هو القاضي العالمي لكل شيء، نظراً لأن المجمتع فوق كل شيء نزيه وساخر.
هذا الترقيم يدل معناه على أن الجملة الثانية سبب الأولى بمعنى أن الجملة الثانية تسببت في حدوث الجملة الأولى.

والآن انظر إلى الترقيم الآتي:

المجتمع هو القاضي العالمي لكل شيء، وهو فوق كل شيء نزيه وساخر.
هذا الترقيم يدل معناه على أن الجملتين تدوران حول موضوع واحد غير أن كل جملة منهما مكتملة المعنى دون الحاجة إلى الأخرى.

في هذين المثالين يتضح أهمية علامات الترقيم في استقامة المعنى وضبط البنية وتغيير التأثير.
وإليك مثالاً آخر. لاحظ كيفية تداخل الفاصلة بعد كلمة الخبراء حيث غيرت معنى هذه الجملة.

هذه التغيرات يوصي بها الخبراء الذي يحثون الشركات على أن يصبحوا معلمين، وأقل بيروقراطية، وأكثر التزاماً.
هذه الجملة تشير إلى أن بعض الخبراء فقط يوصون بالتغيير، بينما الجملة الآتية توضح أن كل الخبراء يوصون بالتغيير. هناك فارق كبير في المعنى.

هذه التغيرات يوصي بها الخبراء، الذي يحثون الشركات على أن يصبحوا معلمين وأقل بيروقراطية وأكثر التزاماً.

لا تكتف فقط بقراءة الكلمات والجمل، بل اقرأ الفواصل، والفزاصل المنقوطة، وعلامات التعجب، والاستفهام، والنقطة. إن القراء المثالثيين يستفيدون من كل مقدار معلومة، حتى من الشريك الصامت وهو علامة الترقيم.