الإنتصار الذي لا ينسى

 إنه اللقاء الأول بين جيش الإسلام وجيش الكفر ، والإنتصار الأول للمسلمين على الكافرين ، وذلك في معركة بدر التي وقعت بين الفريقين في السابع عشر من شهر رمضان سنة  أثنتين من الهجرة . جاء في الخبر عن الإمام علي الرضا عن آبائه أن رسول الله سافر إلى بدر في شهر رمضان وافتتح مكة في شهر رمضان . وفي سيرة ابن هشام : خرج في ليال مضت من شهر رمضان وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان .

ألتقى الفريقان عند بئر بدر

بدر رجل من جهينة والماء ماؤه إنما سمي الماء باسمه وكان عدد المسلمين قليلاً بالقياس إلى عدد المشركين وكذلك عدتهم ، كان عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ومعهم فرسان فرس للمقداد بن الأسود وفرس للزبير بن العوام أو لمرش بن أبي هرش الغنوي ، وأما المشركون فعددهم بين سبعمائة إلى ألف من صناديد قريش ورؤسائهم وفي عسكرهم أربعمائة فرس وقيل مائتا فرس ، ولما نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله قال أبو جهل رأس الكفر والعناد : ماهم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد .

ولكن خلت الهزيمة النكراء بأعداء الله وأعداء رسوله وولت قريش التي جاءت بخيلائها وفخرها –  ذليلة خاسئة ، تاركة وراءها سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً ، ومن القتلى أبو جهل وعتبة وأخوه شيبة وإبنه الوليد .

وهنا نتساءل : ما هو سر أنتصار المسلمين مع أنهم كانوا هم الأقل عدداً وعدة ؟

السر يكمن – كما يبدو لي – في ثلاثة عوامل :

الأول : وجود القيادة الكفوءة الثابتة في الميدان والمشجعة للنفوس والمقوية للعزائم بحضورها الفاعل والمؤثر . وتلكم القيادة متمثلة في شخص النبي الأكر محمد .

هذا هو رسول الله يعبئ أصحابه بين يديه ويقول لهم : غضوا أبصاركم ولا تبدؤوهم بالقتال ولا يتكلمن أحد.  ولما برز علي وحمزة وعبيدة لقتال عتبة وشيبة والوليد قاموا بين يدي رسول الله بسيوفهم فقال لهم : أذهبوا فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ثم قال : يا عبيدة عليك بعتبة ، وقا للحمزة عيك بشيبة ، وقال لعلي : عليك بالوليد بن عتبة .. .. وجاء إبليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم : أن جاركم ادفعوا إلي رايتكم فدفعوها إليه وجاء بشياطينه يهول لهم على أصحاب رسول الله ويخيل إليهم ويفزعهم وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الراية فنظر إليه رسول الله فقال : لأصحابه غضوا أبصاركم وعضوا على النواجذ ولا تسلوا سيفاً حتى آذن لكم ، ثم رفع يده إلى السماء فقال : يا رب إن تهلك هذه العصابة لا تعبد وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد ، ثم أصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت العرق عن وجهه ويقول : هذا جبرائيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين .. ونظر إبليس إلى جبرائيل فتراجع ورمى باللواء ونكص على عقبيه ... وأخذ رسول الله كفاً من حصى فرمى به في وجوه قريش وقال : شاهت الوجوه ، فبعث فقال رسول الله : ( اللهم لا يفلتن فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام ) ، وما هي إلا ساعة وإذا بإبن أم عبد قد قتل أبا جهل واحتز رأسه وجاء به إلى رسول الله وهو يقول : يا رسول الله البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام ، فسجد رسول الله شكراً الله .

 الثاني: قوة العزيمة في نفوس المؤمنين . فهذا عتبة بن ربيعة يقول : أترى لهم كميناً أو مدداً ؟ يعني جيش المسلمين ، فبعثوا عمروبن وهب الجمحي وكان فارساً شجاعاً فجال بفرسه حتى طاف بعسكر رسول الله ثم صعد في الوادي وصوب ثم رجع إلى قريش فقال : مالهم كمين ولا مدد ولكن واضح يثرب قد حملت الموت الناقع أما ترونهم خرساً لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي مالهم ملجأ إلا سيوفهم وما أراهم يولون حتى يقتلوا ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم . وقبل ذلك قال مقداد بن الأسود وقد لاحت علامات الحرب : يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها وقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضنا معك ولا نقول لك ما قالت بنوا إسرائيل لموسى ( أذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون  ) ولكنا نقول : أذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .

 وهكذا قام سعد بن معاذ وقال والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك . وبمثل هذه الروح روح الطاعة للقائد وقوة العزيمة وقف المسلمون في بدر وقفة بطولية خالدة لا ينساها التاريخ أبداً .

الثالث : التأييد الإلهي و إنزال النصر على المسلمين في ذلك الموقف العصيب حيث ألقى الله الرعب في قلوب الكافرين وأنزل ألوفاً من الملائكة مردفين .

 يقول الله عز وجل مبيناً ذلك : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين .... إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ..... )

ويقول : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون * إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة المنزلين ) 
 هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يرجع إلى مكة بعد أنتهاء المعركة فيقول له أبو لهب : هلم إلي يابن أخي فعندك الخبر فجلس إليه والناس قيام عليه ، فقال أبو لهب يا بن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس ؟ قال : لا شئ والله إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئا ً
ولا يقوم لها شئ ، يقول أبو رافع : فرفعت طرف الحجرة بيدي ثم قلت : تلك الملائكة...

نسأل الله عز وجل أن ينصر الإسلام والمسلمين وأن يجعلنا من أنصار دينه وأن يعيننا على تهيئة أسباب النصر والعزة إنه على كل شئ قدير . وصلى الله عليى نبيه وحبيبه محمد وآله الطيبين الطاهرين .