سراج الوجود "أمير المؤمنين عليه السلام"

عقيلة آل حريز *
ذكر استشهاد الإمام علي (ع) ( منقوله من فن الإبداع )
ذكر استشهاد الإمام علي (ع) ( منقوله من فن الإبداع )

  ولأنك مختلف عنهم .. ولأنك شخصية مصقولة السجايا تتسامى بالإيمان شربت حب المصطفى صلى الله عليه وآله فقد رحلت عنهم ..

لكن يا راعي الإيمان أين تذهب ؟.. ويا صاحب القرآن أين تريد ؟.. يا من كنت حامياً وأخاً مواسياً وموالياً للنبي أين تمضي في هذا الشهر الكريم  وتتركنا ؟ ..

أكنت تتطلع إلى النجوم لتقرأ فيها قدرك !.. عيناك تلك التي امتلأت بالحزن وقلبك المذاب وجعاً وحسرة على مصائرهم قد استكفى منهم !.. لكن هل ترحل وتترك الأمة وحدها تعالج مصيرها المجهول ، وصيامها لم تكمله معك وليلة القدر لم تصليها بحضرتك !؟ ..

 أكانت لك دنيا أخرى تنتظرك هناك ورفقة أصدق آثرت دعوتها عنَّا!!، فما الذي يريده بك القوم ! .. أكانوا يبتغون صورة قائد لا قيادة له وسيد لا سيادة له !! وأنت الذي جنحت لهم بالخير وتجليت لهم بالعقل والحكمة وبسط  لهم رداء العدالة باتساع لكنهم تطاولوا عليك وخنقوا صدرك بمكائدهم وحيلهم .. 

 و حين غبت عنهم لم تغب الحقيقة عن وجه الأرض وإن رحلت أنت عنها ولم تظلم الدنيا وإن انطفأ بغيابك سراج الوجود .. فكلماتك وتراتيل صلواتك وخطواتك العريضة على ساحة الجهاد  تعلن فصاحتك ونبلك،  بلاغتك وحكمتك، إيمانك وعدلك وتضيء أعمدة الكون رغم أنف الباغين، لتتنفسك الحقائق وتتشربك العقائد والقلوب الرطبة بالإيمان والفهم .

 حقيقة ، إن ما قمت به وابن عمك لهذه الأمة من جهود وبطولات تتلمسا فيها طريق النصر الذي يحف بروحيكما الطاهرة وعاطفتكما المشحونة بالشفقة والرحمة عليها وبالبذل والعطاء ما هو إلا نوراً واضحاً وإيماناً عميقاً انعكسا في النفوس فطيَّبتها بأشذاء الفضائل ونورَّتها بسعة الإيمان،  لكن الجميع لم يستوعبها بل إن أكثر الجميع هو الذي لم يستوعب الأمر فلازالت عبودية الأصنام وزمنها الجاهل يرقص داخلهم بقوة وتستظل الشياطين ساخرة بعقولهم القاصرة عن الفهم والإدراك .

 فهل كانوا يساومونك ولم يفلحوا ؟، ولماذا نقموا منك إذاً وأنت الذي أعلنت لهم مسبقاً كرهك لبيعتهم فجاءتك رغم ذلك الخلافة طائعة تجر أذيالها ، لكنك كنت معرضاًَ عنها.. فقد كانت أركانها متضعضعة !

وفرضاً قبلت بها!! ، غير أن نهجك وسياستك فيها لم يستقيما وأهوائهم ومطامع سلطة ومال وسياسة كانوا يصنعونها لأنفسهم، ويبنون بها قصوراً عالية يسكنوها وكنت تقف بينهم وبينها حائلاً .

 والمعابر - يا سيدي- في حياتك كثيرة مشحونة بالغصَّات والنكبات .. والأرض تتنفس حزنك وتنبت بذور هذا الألم حين تنكتها بقضيبك متأوهاً .. لكنك كنت تترقب وعداً بالخلاص يوسع الخطوات وينقلك إلى المكانة التي تستحقها لذا كنت تتطلع نحو النجوم تقرأ في عمقها قدرك المكتوب .. وكانت الأداة لذالك غدر غادرين استخدموا شقياً من أشقى الأشقياء،  شقياً نعته أنت بأشقاها فهوى عليك وأنت ساجد بخشوع في صلاتك متجرئا ليهدم أركانها بعدما هدم بسفاهته أركان الأمة فرحت تردد متيقناً باطمئنان "فزتُ ورب الكعبة" .  

ولم تكن دمائك الزكية هي التي سُكبت على الأرض فحسب حين كنت ساجداً تصلي، وإنما الذي سُكب منها هو عطر من الإيمان الذي يفوح منك وتغتسل به روحك حين كنت تناجي ربك مطمئناً بخشوع .

 والآن مع هذه الذكرى ماذا بقي لهم غير التراب ، وبماذا تحتفظ  لهم ذاكرة الأيام غير اللعن والسباب !؟.. ماالذي تركوه من أثر سوى رماد ذرته الرياح فتلاشى من الوجود وكأنه لم يكن ؟! ..

 وأما أنت أيها المخضب بدمائك الزكية الطاهرة في شهر الصيام والتقوى تستقبل بها وعد ربك وعدله وتنضم بآلامك وأحزانك إلى أخيك وابن عمك تشتكي له غدر القوم بك فقد بقي لك هنا الكثير ..  بقيت لك - سيدي-  القباب المذهبة والمآذن الصارخة للولاية باسمك في الأذان وجموع الزوار المحتشدة في ساحتك، وبقي لك في القلوب المحبة ذالك العشق وذالك الاعتقاد بالسمو والنبل والرفعة وبأنك أنت سراج الوجود الذي لم ينطفئ رغم الرحيل .  

 

  فجر الاثنين 20 /9/ 1426هـ

 

كاتبة وقاصة (سعودية )