حَرَمْ الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) تسلّط الأضواء
حَرَمْ الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) تسلّط الأضواء على جوانب من سيرة وسلوك
هذا المرجع الديني الكبير مع أعضاء أسرته الشريفة...
اجرت مجلة بشرى لقاءا خاصا مع حرم الامام الشيرازي الراحل قدس سره وذلك في عددها الخاص بالذكرى السنوية لهذا الراحل العظيم، وقد سلطت حرم السيد الشيرازي قدس سره الاضواء على الكثير من اللمحات في حياته الداخلية حيث قالت في جوابها على احد الاسئلة:
أن أي شخص عادي يتحمل أكثر مما يتحمله يومياً من الأعمال، تظهر إمارات الإعياء والتعب عليه تلقائياً، وحتى إن هذه التعب والإعياء يظهر واضحاً في سلوكه وأعماله وأخلاقه.. إلا أن هذا الرجل العظيم لم يدع كل تلك المشاكل والمعاناة تظهر على سلوكه وتصرفاته داخل بيته، ولم يتعامل قط بشكل عنيف أو خشن مع أي من أفراد أسرته، سلوكه (قدس سره) كان راقياً ومتميزاً، بحيث أن أخلاقه مع أسرته تجعل الإنسان يتذكر، بلا اختيار منه، أخلاق رسول الله الأكرم ؛ إذ كان سماحته أحد مصاديق الآية الشريفة (وإنك لعلى خلق عظيم).
واضافت قائلة: في أشد اللحظات، وأقسى الظروف الأمر الذي كثيراً ما يعرض لقائد إسلامي لم يتغير سلوكه أدنى تغيير مع أفراد أسرته، ولم تلحظ أية إمارة لعدم الارتياح أو الأسى في وجهه المبارك... أخلاقه الحسنة والمرضية لسماحته داخل أسرته تفوق الوصف؛ فحسن البشر، وحسن التصرف، والتسامي الأخلاقي، وحلاوة الحديث، كانت طريقته الثابتة والدائمة في التصرف مع أهل بيته..
واشارت حرم الامام الراحل الى نقطة جوهرية تعطي مثالا رائعا من اجل اقتداء كل رجل بسيرته التربوية والاخلاقية، حيث قالت: أن سماحته كان يشارك نساء البيت في إعداد الطعام، وخاصة وقت العشاء... وكان(قدس سره) يقوم بإنجاز سائر أعماله المرتبطة به شخصياً، ولا يطلب شيئاً من أحد، حتى لو كان بقدر جلب قدح من مياه الشرب.. وفي سنوات حياته الأخيرة منعه الأطباء، بسبب مرضه من النهوض والوقوف الكثير، أو القيام والقعود المتتابع، بيد أنه - رغم ذلك - كان يبذل ما يستطيع من جهد لإنجاز أعماله، والقيام بشؤونه الشخصية، حتى لا يضطر أن يعهد بها إلى أحد غيره...
كان يتحلى بسعة صدر فريدة، فإذا ما لاحظ تقصيراً أو اختلالاً في أي من الأعمال لا يبدي غضباً أو انزعاجاً، أو أية إمارة تدل على أنه غضبان أو غير مرتاح؛ فكان (قدس سره) يعمل بعفو وصفح أجداده الطاهرين .
وفي سؤال آخر اجابت حرم الامام الشيرازي قدس سره بالقول: كان يرتسم على وجهه المبارك وقار وهدوء ملفت، ولم تفارقه الابتسامة قط، إنه مصداق واقعي ومظهر بارز للآية الكريمة: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
إن معاشرة مثل هذا الرجل الرباني تبعث على السرور والسعادة، طريقته في التعاطي مع الشؤون والمسائل المختلفة كانت سبباً في شيوع حالة من الاطمئنان وهدوء البال على جميع أفراد أسرته؛ فعندما كان يتعرض أحدهم لأمر لا يسره، أو يوجب غضبه، يدعوه سماحة الإمام (قدس سره) إلى التماسك والهدوء، ثم لا يلبث أن يعيد إليه انبساط الخاطر، وراحة النفس، عبر ذكر آية أو رواية.
كما لم يجبر أحداً قط على أداء عمل معين، فلم يكن صعباً متحكماً في كلامه، ولا متتبعاً أخطاء أو هفوات عند أداء أي عمل، ولم يضغط على أي فرد من أفراد أسرته في أي شأن من الشؤون.
وكانت له علاقة عطف وحنان خاصة مع الأطفال، بحيث أن سماحته كان يعاملهم كما يعامل أحفاده، بلا أدنى فرق، وإذا حضره عنده طفل، يضعه في حجره ويغرقه بلطفه ومحبته؛ ولذا كان الأطفال يبادلونه الحب، وينجذبون لخصاله الخلقية غير العادية، ويبدون ميلاً شديداً لرقته وحنانه، ويترددون بكثرة
وكثيراً ما يحصل أن يخصص طائفة من وقته الثمين لسرد قصة أو حكاية تربوية مؤثرة، بأسلوب جميل وجذاب يأخذ بمجامع القلوب. النصائح والتوجيهات التي كان يبديها، تؤثر بقوة في نفوس جميع أفراد الأسرة، وغالباً ما كان سماحته (قدس سره) يرفق تلك النصائح بذكر نقاط مهمة ووقائع حياتية تجلب الاهتمام، ليرسم على ضوئها برنامجاً ومنهاجاً واقعياً للحياة.
وبسبب الحنان الذي يقابل به الأطفال عند تناول الطعام، فإن هؤلاء كانوا يحبذون الجلوس إلى جانبه عند السفرة، رغم أن غذاء الإمام الراحل كان في العادة بسيطاً جداً وقليلاً، وكان سماحته (قدس سره) يتقاسم معهم ذلك القليل والبسيط، ويطعمهم بيديه المباركتين.
وقالت حرم الامام قدس سره ايضا: وبما أن غرفته الصغيرة ذات بابين، أحدهما يؤدي إلى الداخل، والثاني إلى باحة الدار، فقد صارت ممراً للأطفال، حتى في وقت استراحة الإمام ، وقد طلب إليه غير مرة أن يغلق أحد أبواب غرفته، منعاً من مرور الأطفال وإزعاجه بيد أنه كان يصر على إبقاء البابين مفتوحين، حتى في منتصف الليل، ويقول: (دعوا الأطفال أحراراً).
ونظراً لقلة عدد غرف المنزل، فإن غرفته الخاصة بالمطالعة، كانت في الواقع محل قيام وجلوس، وذهاب وإياب الجميع، ولذا كان الأطفال يأخذون معهم أحياناً نظارته الخاصة بالمطالعة، أو قلمه الخاص بالكتابة والتأليف، ذلك الرجل الكبير كان قدوة ونموذجاً متكاملاً في الأخلاق والسلوك لأسرته، بحث أن كل واحد من أولاده انطبعت في ذهنه قصص وخواطر كثيرة جداً عن السيد الإمام الراحل (رضوان الله تعالى عليه)...