تعقيباً على البيان الطائفي للواحد والأربعين
الشيخ العوامي في بيانه: لا خيار لنا سوى الاحتكام إلى العقل والعقلاء
من أشد أمراض الجهل في الوسط الإسلامي استئساد الحالمين من الطرفين السني والشيعي على بعضهم البعض، باعتقاد أن هذا يؤدي إلى تقوية الذات وإعدام الآخر، بينما هو مؤشرٌ على الحمق؛ لأن العكس هو الصحيح، فسنوات من الإقصاء الطائفي ضد الشيعة في البلاد العربية ما أدى إلا إلى تماسكهم وتحولهم إلى قوةٍ لا يُستهان بها، وأعمال إرهابية طوال ست سنوات في العراق لم تفنِ الشيعة بل ولا أضعفتهم، وإنما جعلت منهم القوة الأكثر حظاً، ولو كان الضغط والاستئساد يثمر لما قُدِّر بقاءٌ لشعب الجبارين -كما وصف عرفات الشعب الأبي في فلسطين- بالرغم من شراسة العدوان الإسرائيلي.. ولهذا فإن نتائج الاستئساد عكسيّةٌ دائماً، إضافةً إلى أن محصلته النهائية التشاغل بتحطيم كل طرفٍ للآخر إلى أن يتهاوى الجميع ويضيع في ظل ذلك الهم الإسلامي الأكبر.
ويبدو أن الدافع للاستئساد والتعدي على الآخر شعور أحد الأطراف بأنه الأقوى اجتماعياً أو سياسياً -أي الشعور بالأكثرية-، إلا أن هذا لا يعدو كونه وهماً بالذات في مثل بلادنا، وأزمة العريفي كشفت أن لا أكثرية في البين، فلم يعد هناك أكثرية وأقلية، وإنما تعدد طوائف واتجاهات، طبقاً لما جاء في دراسةٍ للدكتور توفيق السيف حول الثقافة الأقلاوية، وذلك لأن المجتمع الناضج من الطائفتين هو الذي أنكر مقولة العريفي، وأعتقد أن صدور البيان ردّ فعلٍ على الإنكار السني، وما وصف المنكرين من الطائفة السنية بالعلمانية في البيان إلا محاولة للهروب من الواقع، وتعمية للرأي العام الذي صار ينبذ التعصب الطائفي.
وهذا يدلل على أن من يُثير النزعات الطائفية فئةٌ قليلةٌ لا تُقارن كمّاً وكيفاً بالقوى والفاعليات العاقلة على المستويين السني والشيعي، غير أن هذه القوى غير متصلةٍ ببعضها البعض، ولو نجحنا في تفعيل التواصل بين الأقطاب العاقلة، ووفقنا في إقناع الرأي العام بالرجوع إليها لتمكنا من محاصرة التطرف.
أخيراً، إن التشاطر في إرباك الوضع الطائفي لاسترضاء غرائز الجمهور السني والشيعي لن يؤدي إلا إلى الإخلال بالنظام العام، والتشاغل بالتوافه، وتناسي الهم الإسلامي الأكبر. بينما لو استبدلنا هذا النهج الحربي بروحٍ سلمية تدفعنا لتقوية بعضنا البعض ولذنا بالعقلاء من الطائفتين فسنكون على حالٍ أفضل.