مناطق الجمود الفكري
الأشخاص الذين يعترفون بما للمرأة من رأي وعقل كبير وقدرة على تحمل المسئولية والتصرف في الأمور بحكمة واتزان محدودين في مجتمعنا للأسف ، بل إن الأشخاص الذين يعطوها حق التعبير عن الرأي قليلون أيضاً ، ولن نبرئ العرف والثقافة ولا البيئة من هذا الاتهام الحاصل ، فهؤلاء لهم السبق في بلورة الفكر المطروح داخل المجتمع والذي يعتنقه ليس الرجال فحسب بل إن عقليات عدة تشكل شريحة كبيرة لا يستهان بها من النساء تتصدر هذا الرأي الرافض لدور المرأة الفكري والثقافي .
وعلى الرغم من كون المرأة خطت خطوات واسعة في المجتمع للتعبير عن رأيها وإثبات أهليتها للقيام بأدوار أخرى تضاف إلى أدوارها الأساسية التي تتحمل أعبائها فقد وصلت مراحل نجاحها إلى أن هيمنت بشكل بارز على الفكر والثقافة واستطاعت أن تحتل مكانة واضحة .. وهذا هو الحاصل اليوم لدينا فالكثيرات صرن يقفزن بدل السير للوصول للمرحلة التي كان يجب أن يصلوا لها منذ زمن ويحققوا بها أهدافهم بالإضافة إلى هدف إشباع الذات التي تبحث عن مكانتها بين الناس وبأن تعطي وتبني من نتاجها العقلي والفكري ، لولا أن وقفت عوائق الجمود الفكري في طريقها ، لكننا نعود لنجد أن بعض المعارضين لهذا الدور الجديد سواء من الرجال أو من النساء على حد سواء يشتركون معهم في وضع عراقيل أمامها فيتمسكون بفكر جامد وعقلية غير منطقية ليتهموها بالقصور والنقص ويذهبون لأبعد من هذا فيصموها بعدم الأهلية وكأنها غير مهيأة لصناعة المجتمع !!
وللأسف يظهر نتاج هذا الجمود الفكري في التعامل مع المرأة فعلياً وفي أحياناً كثيرة حين نجد الكثيرات من النساء غير قادرات على إجادة شيء ما، فتتعامل مع الواحدة منهن تماماً كما تتعامل مع كائن لا يعرف كيف يتصرف حيال ما يواجه من صعاب أو حتى أمور يبت فيها برأيه وكأنهن بحاجة دوماً لمن يقودهن ويحدد لهن الوجهة التي يسلكونها، وهذا ليس لأنهن هكذا خلقن كما يحلو للبعض أن يعلق دوماً! .. ولكن لأنهن بإرادة المجتمع وبتمكينهن أيضاً لرأي العُرف بالتسلط عليهن حتى في الأمور التي وهبها الله إياها حقاً في القيام بها ، و ما أعنيه بالعرف هو العرف الذي ابتكره المجتمع وطور منه الجهل و غذته العقلية الجامدة واحتضنته السيادات المتسلطة ، فكم من امرأة أو سيدة كانت تمتلك موهبة إبداع فقُتلت موهبتها، وكم من واحدة كانت تمتلك حكمة ورأي ناصح حُجمت آرائها التي تصنعها، وكم من امرأة راحت تدفن طاقاتها في طين الحياة وأمورها المتكررة، والتي كان المجتمع سيفيد منها فعلاً لو أنها بقيت ونميت .. فقط لأنه لم يكن مسموحاً لها بممارستها حقها الفكري ودورها الاجتماعي !!
ولستُ أدري أي منطق يخول للبعض أن يعتقد بأن المرأة ناقصة عقل ودين فنحن نعرف بأن الإمام سلام الله عليه قد قالها لكنه لم يقصد أن تكون شعاراً يستخدم ضد المرأة ليتم تهميش دورها في المجتمع فلا تعطى غير صلاحيات محدودة وأمور ضيقة ، وجميعنا يعرف بأنه قالها في وقت ومناسبة معروفة وعنى سلام الله عليه بها فئة معروفة ، هذا لان الإمام علي يعرف ما للمرأة المؤمنة الحكيمة من أهمية ودور بارز في صناعة المجتمع، كيف لا وهو الذي تزوج من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام وهي المحدثة العليمة أم أبيها وأم الأئمة ، كما أنه الذي أنجب السيدة زينب السيدة صاحبة العقل والحكمة والرأي السديد سيدة ملحمة كربلاء فراحت تقرر ما تراه فيها صائباً وتصنع بقرارها هذا تاريخاً ممتدا لرسالة الحسين .
ولم يكن من أحد يمكنه أن يقول بأن السيدة زينب سلام الله عليها غير قادرة على تحمل الدور الذي وكلت به، فهي قد قامت بدورها على خير ما يرام ، وكانت محور الحسين الذي يعود إليه في يوم كربلاء، فاستنطقت بموقفها البطولي الصامد الذي وقفته فيها تاريخ الأمة الإسلامية وبقي دليلاً يشهد على عقلية حكيمة ورأي سديد ، يعبر فوق حدود مناطق الجمود الفكري الذي كان يكبل المرأة وحدها بآثاره، ويعيقها في حال أرادت أن تقوم بشيء نافع دوناً عن غيرها في المجتمع ! .
محرم / 1427 هـ