تأملات عاشورائية !!

 

      يهتم الشيعة في مثل هذه الأيام والتي تصادف الذكرى السنوية لشهادة الإمام الحسين دون غيرهم من المسلمين اهتمام واسع يحتل مكانة خاصة في نفوسهم ومشاعرهم وتفكيرهم، بينما من المفترض أن عاشوراء لكل المسلمين وليس للشيعة فحسب أو لطائفة دون أخرى وأن اللافت للنظر اهتمام الشيعة دون غيرهم من المسلمين وهذا خلاف ما ينبغي من المسلمين، فقد نهض الإمام الحسين من أجل الدين ومن أجل الإسلام وهو القائل " أن كان دين محمد لم يستقيم إلا بقتلي يا سيوف خذيني " وفي تضحيته امتداد لبقاء الديانات السماوية المقدسة جميعها، ومن أجل القيم الإنسانية التي كرمها الله تعالى، من هنا نعتقد أنه ينبغي أن يهتم المسلمون بيوم عاشوراء كحدث وكقضية وتسلط عليه الأضواء للاحتفاء به عالمياً لاستلهام منه الدروس والعبر، أو ليست هذه الحادثة هي امتداد طبيعي لحركة الأنبياء، لماذا ضحى الإمام الحسين بنفسه الطاهرة، ولماذا قدم أهل بيته وعياله والخلص من أصحابة !! أليس من أجل الدين والإنسان والقيم السماوية والمبادئ الإنسانية، فأين هذا الدين الذي أراق الإمام الحسين دمه من أجله في عالمنا الحاضر، وإلى أي مدى وصلت كرامة هذا الإنسان ونحن نره هذه المجازر كل يوم، وأين القيم الأخلاقية التي دافع عنها بكل نفس من أنفاسه الشريفة، وأين هي المبادئ الإنسانية الحية التي سقاها بدمائه الطاهرة لتبقى حية تحيى بها الإنسانية ويبقى بها الإسلام المحمدي.


      ونحن اليوم نعيش هذه الذكرى الأليمة ينبغي أن نقف أمام هذه الثورة الحسينية موقف الحب والكرامة، موقف نتعلم منه كيف نقف أمام التحديات التي تعاني منها مجتمعاتنا بروح صلبة وإرادة قوية، وبقدر ما يمكن ينبغي أن نعالج مشاكلنا وبناء مجتمعاتنا وتحريرها من الفساد والظلم والإقصاء، فلوا أمعن المسلمون جميعهم في هذه الثورة المباركة لما كانت هي وقف على الشيعة فقط دون غيرهم من المسلمين، فعاشوراء مدرسة لكل المسلمين ولكل الأجيال بل هي مدرسة لكل العالم لما فيها من الوعي الديني، والإصرار على بقاء الدين كما جاء به الرسول الأكرم دون زيادة أو تحريف، وفيها كشف للحقائق التي كان يزيد أبن معاوية يمارسها باسم الدين، وهي رفض للخضوع لغير الله تعالى، والبقاء في ظلمات الجهل المركب والخوف المستمر، ونجدها دعوة للوقوف أمام الظلم الذي لا ينفع معه الحوار أو المطالبة بإحقاق الحق وأبطال الباطل.


      واليوم نجد الكثير من المجتمعات تمر بمراحل صعبة ينبغي أن تتعلم من نهضة الإمام الحسين سبل التحدي وطرق المعالجة للقضاء على هذه المشاكل، كما ينبغي أن يكون الاهتمام بيوم عاشوراء عالمياً بشكل أوسع وأكبر لجني ثمار التغيير في العالم، فقد شخص الإمام الحسين المرض الحقيقي الذي ألم بالأمة بانحرافها عن القيم السماوية والتعاليم الإلهية، بعد أن أخد يؤسس أعداء الأمة مخططاً شيطانياً فيه انتهاك للحرمات واستباحة للدماء، هذا المخطط الأموي هو نتيجة للممارسات الشاذة التي مارسها معاوية ومن قبله أبوه أبو سفيان من أجل القضاء على هذا الدين، وقد عايش الإمام الحسين كل الأحداث منذُ صغره كان يره كيف كان يبلغ جده المصطفى هذه الرسالة وكيف كان يعارض من قبل البعض من المسلمين، وقد عاش هذه الأحداث مع أبيه أمير المؤمنين عليهما السلام من حين وفاة جده وكيف حصل ما حصل أثناء غصبهم للخلافة الشرعية من أبيه، وكيف أنشغل الصحابة عن تجهيز جده بخلافهم على الخلافة، وكيف تحولت هذه الخلافة في فترة من الفترات إلى ملك يحكمه هوى النفس ويتلاعب بها قوم ليس لهم في خلافة المسلمين من رؤية ونجد ذلك في الشورى والتعيين الذي حصل، وقد أدرك ما حصل على أمهِ فاطمة الزهراء صلوات الله عليها من اللطم على خذها وعصر بالباب وإسقاطها جنينها وحرق باب دارها مع علمهم بأنها في الدار حتى قيل: لقائدهم أن بالدار فاطمة ؟ فقال: وأن ؟، وأدرك غصب أمهِ فذك التي ورثتها عن أبيها كما عانى ما عانى مع أخيه الإمام الحسن المجتبى عليهما السلام من الظلم والأقصا بعد شهادة أبيهم أمير المؤمنين من قبل معاوية أبن أبي سفيان حينما تأمر عليهم بدهائه ومكره ؟؟ وقتل الإمام الحسن مسموماَ عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث بعد أن أغراها بوعوده فلم تحصل منه على شيء.


      فبعد أن مات معاوية أبن أبي سفيان وأستلم الخلافة يزيد أبن معاوية طلب البيعة من الإمام الحسين فرفض الإمام الحسين أن يبايع يزيد قائلاً مثلي لا يبايع مثله ليكشف للكون كله هذا الخط الأموي المخادع والمتجذر فيه الفسق والخيانة والقتل ويبين الأسباب الحقيقية لثورته وأهدافها بشكل واضح وضمن تخطيط رسالي وعمل منظم، وهو القائل " أنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأمر بالمعروف وأنهي عن المنكر" بهذه الرؤية خرج الإمام الحسين وجد أن الأمة بحاجة للإصلاح والنهوض على الباطل الذي بدأ يأخذ مساحة في الأمة، بحاجة لهزة جديدة ليستيقظ أبناء الأمة من نومهم وسباتهم، بحاجة لكشف هذه الحقيقة الأموية والتي ينبغي أن لا تستمر دون أن يكشف عن تفاصيلها لأبناء الأمة، والتي يختبئ وراءها الكفر المبطن والحقد الأموي، فقد نصب يزيداً نفسه والياً على الأمة  وأمر جنوده أن يأخذوا البيعة من المسلمين ومن الإمام الحسين خاصة ولوا كان متعلق بأستار الكعبة، أي حتى وأن كان في بيت الله تعالى وبين يدي قدسه، وقد فعل كل ما من شأنه أن يبعد الشك عنه ومحاولة ستره لما كشف من أجرامه وظلمه وقبيح فعله عن أعين الناس، ذلك سلبه للحقوق الطبيعية من أصحابها وتحقيره للإنسانية التي كرمها الله تعالى .


      ونحن نتسائل ؟ أليس الإمام الحسين أبن الرسول الأكرم نبي هذه الأمة أولم يتحدث عنه الرسول في مواطن عديدة وأمام الصحابة، أولم يوصي رسول الله الأمة بأهل يته خيرا، أولم يقول رسول الله فيه وفي أخيه " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة يدور الحق معهم حيث ما داروا "، أولم يتحدث الرسول الأكرم عن واقعة كربلاء وعن شهادة الإمام الحسين وأن جبرائيل قد أعطاه قبضة من تراب كربلاء وأخبره في يوم مقتل الإمام الحسين ستتحول هذه التربة إلى دم عبيط، وهناك الكثير الكثير من الأحاديث والروايات التي دونها التاريخ ضمن الموروث الطبيعي لحياة البشر .  


      فالشيعة وعلى مر الأزمنة لهم ولائهم المميز وحبهم العميق واعتقادهم الراسخ للرسول وأهل بيته الأطهار عليهم أفضل الصلاة والسلام فقد عُرِفوا بمواقفهم المشرفة للإسلام، وعمق إيمانهم واعتقادهم بمدرسة أهل البيت والتي هي امتداد طبيعي لرسالة الرسول ويعتقدون أن الرسول وأهل البيت أنما هم رحمة من الله تعالى للمسلمين جميعاً بل لكل البشرية فهم جاءوا يحملون رسالة السماء للإنسانية جمعاء، من أجل غرس الوعي في الأمة وإشاعة روح التسامح بين المؤمنين وتعريف الإنسان بحريته الدينية والحياتية التي أمر الله بها وحمايته من خلال تعريفه بحقوقه وواجباته الطبيعية وأخيراً فلسفة وجوده في هذا الكون .