الإمام الحسين....أهزوجة الثوار والمناضلين
الحسين اكبر من الدمعة ، ولكن الدموع اقل مظهر من مظاهر الوفاء لرجل وقف وقفة لم يقف مثلها رجل ابدا....رجل ليس لديه من القوة المادية والسلاح ، سوى إمضاء العزيمة وصلابة الايمان ، والرضوخ لأمر السماء امام بحر متلاطم تدعمه قوة العدة والعدد....
رجل في نفسه المقدسة وروحه الطاهرة المُطهرة تأريخ وجذور ليس من السهل إقتلاعها . فهو لم يعرف الخوف او التردد ، وكيف يعرف الخوف او التردد وقد غرس فيه الرسول الاعظم(صلى الله عليه واله) ذلك الايمان السماوي الذي علمه كيغ يعيش بالذات الساميه واخترعه الايمان اختراعاً نفسياً أهلهُ لإن ينتصر وان يرفض الخضوع والاستكانة على مايحصل في الواقع المرير في دُنيا تلاقفتها الصبيان تلاقف الكرة. (والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد)..
انهُ الشموخ البطولي والصمود الاسطوري في قدس اقداس الامام الطُهر..انها اقمار سرمدية لها وهج من ارض مكة (لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان اترك هذا الامر أو أن اهلك دونهُ ماتركتهُ) انها نفسية الثوار والمناضلين ، نفسية تستعلي فيها شمس الايمان على قوة الارض ، نفسية تستهين بجبروت الطغاة ، نفسية تنتصر فيها العقيدة على الحياة ويندحر السيف امام هدير الدم وتتهاوى عروش الباطل بضربات سياسة الحق..
ولابد من فدية لاجل هذا الدين ..فدية عظيمة ،ضخمة ، فدية تتوهج بالدم تمتزج بتراب الارض ، تعبد الطريق للانسانية التي غطاها ضباب السياسيات الجائرة والمستبدة التي فرضت مبدأ التفكير بالنيابة.
فدية لاتتردد ولاتتخاذل ولاتقف لتسأل:ـ ماذا ستأخذ وماذا ستدع؟! ماذا ستقبض وماذا ستدفع؟! ماذا ستخسر وماذا ستكسب؟! وماذا ستلقى في الطريق من صعاب واشواك؟فكان من المنطق والناموس ان ينتصر الدم على السيف لانه كالقرآن مرن وعميق وواقعي.
ان معركة الطف لم تكن هامشية عرضية بل انها معركة بين آيدلوجيتين متضاربتين ،آيدلوجية تدعو الى السمو بالقيم الانسانية واعادة الحياة الى جسد الامة من خلال الرجوع الى المنظومة الحقوقية القرآنية. وآيدلوجية يحتكرها نظام الفرد الواحد او القبيلة الواحدةاقليمية منحصرة في البرجوازية الجاهلية .
لقد اورد المؤرخون واصحاب السير ان النبي(صلى الله عليه واله) قد تنبأ بمقتل الامام الطُهر(عليه السلام) في اكثر من موضع، والنبي الاعظم(صلى الله عليه واله)احد الانبياء الاربعة الذين اشتُهروا بنبؤاتهم المروعة(ارميا، اشيعا، حزقيال) فجميعهم تنبئو بما سيحل على اممهم من مصائب وويلات نتيجة انحرافهم عن نهج الله واحكامه وابتعادهم عن الوصية الكبرى. وكل امة من الامم الغابرة قد تم اختبارها فالتي تم اختبارها بالناقة ،وتلك بالسمك، وتلك بالسامري وعجله، وتلك بالملائكة، وتلك بالتابوت، وغيرها ، والله سبحانه وتعالى في كل يوم له شان...والامة الاسلامية ـ كأي امة ـ لابد من اختبارها بنص القرآن،ليميز من كان على بينة من ربه. فكان الامام الطُهر هو المُختار من قِبل الله سبحانه وتعالى لاختبار هذه الامة.
لقد عاش الامام الطُهر (عليه السلام) حياة الامة الاسلامية بكل معانيها ورأى ان القيم العُليا بدأت بالانهيار، وان التيار الجاهلي بدأ باستخدام اساليب القتل والاغتيال ضد الكُتل الاسلامية التي لايروق للتيار الجاهلي تصرفاتهم ..
فبالامس القريب قُتل ابو بكر مع عتاب بن اسد في يوم واحد مسمومين وقُتل طبيبهما ايضاً.؟ كما وقتل عمر بن الخطاب بحركة درامية ومؤامرة نُسبت الى اجير يعمل عند المغيرة بن شعبة تحت ذريعة الاضطهاد وزيادة بعض الدراهم؟! ولاجل اخفاء الادلة الجناية تم تصفية الشاهدين؟
وقتل عثمان بن عفان بمؤامرة داخل بيته من خلال احد اهم اركان التيار الجاهلي وهو مروان بن الحكم طريد رسول الله(صلى الله عليه واله). واُثيرت قضية القميص على الساحة السياسية وتم اتهام مولانا امير المؤمنين(عليه السلام) بالاشتراك في قتل عثمان..وكانت هذه الاتهامات ماهي الا لتسيير دفة الحكم فقد سُئل مروان بن الحكم ذات مرة :ـ هل صحيح ان علي بن ابي طالب قتل عثمان قال:ـ والله ان علي بن ابي طالب لهو ابرأ من دم عثمان براءة الذئب من دم يوسف فقيل له:ـ اذن لماذا تتهمونه؟ قال:ـ لأن الحُكم لايسير الا هكذا...
وتبدأ عمليات التصفية سواء عن طريق الحرب او عن طريق الاغتيال او عن طريق استخدام نظرية(ان لله جنود من عسل)كوسائل للخلاص من زعماءالتيار الاسلامي.وبهذا الاتجاه تم تصفية الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) وقد نسبت الى الخوارج لإبعاد الشبهة عن التيار الجاهلي ، ويتم اغتيال الامام السبط الحسن المجتبى(عليه السلام) بواسطة السم وقتل الصحابي العظيم واحد حواري الرسول الاعظم(صلى الله عليه واله) عمار بن ياسر(رضوان الله تعالى عليه) وقتل محمد بن ابي بكر احد حواري مولانا امير المؤمنين(عليه السلام) ولم يكتفي التيار الجاهلي بهذا القتل فعمد الى وضع جثة محمد بن ابي بكر في جيفة حمار وتم حرقه. وتم تصفية فارس المعارك العلوية مالك الاشتر بواسطة السم .
واللافت للنظر ان التيار الجاهلي استطاع ان يتقنع بالدين الاسلامي وان يُقنع الكثير من ابناء الامة الاسلامية باحقيته بالحكم وقد استطاع ان يسير دفة حكمة باشياء ماانزل الله بها من سلطان، فالصراعات والتكفيرات التي تعاني منها الامة الان ماهي الا نتاج ذلك المجهود الذي قام به التيار الجاهلي لترسيخ اقدامه في دفة الحكم.
بدأت تحركات التيار الجاهلي باتجاه اعمدة التيار الاسلامي والضغط عليها من اجل الرضوخ لمطاليب التيار الجاهلي ولكن الرياح قد تأتي بمالا تشتهي السفن فالحسين يتمتع بشعبية واسعة بين اواسط الجماهير الاسلامية لانه البقية الباقية من ذكريات الرسول الاعظم(صلى الله عليه واله) وريحانتهِ، وان الجماهير قد اتجهت ابصارها اليه ليعتلي منصة الحكم ويقود الجماهير بعد وفاة معاوية بن ابي سفيان الذي بدأ بتمهيد فكرة الوراثة وولاية العهد الى ابنه يزيد بن معاوية منذ زمن ليس بالهين ولكنه لم يكن متسرعاً لعلمه ان الامور قد تاتي عكس مايتمناه ولكنة في ايامه الاخيرة اوعز الى ابنه يزيد (ان خذ الحسين اخذ شديدا للمبايعة والا فاضرب عنقه)الذي اوعز الى والي ( طيبة) المدينة ان يُجبر الامام الحسين على البيعة،ومن المستحيل جداً ان يبايع الحسين بهذه الصور المذلة لان بين جنباته نفس رسول الله(صلى الله عليه واله) وبطولة علي(عليه السلام) وشجاعة حمزة وأنفة بني هاشم فطلب الامام الطهر على سبيل كسب الوقت ان يبايع امام الناس...
مروان بن الحكم ادرك مايجول في خاطر ابي الضيم فاشار الى والى المدينة ان ياخذ من الحسين البيعة الساعة والا فان الانتظار يعني ان الحسين سيحاول ان يجمع الموالين له للتحرك باتجاه العمق الستراتيجي فالامام الطُهر (عليه السلام) موقن تماماً ان التحرك قد حان لايقاف الاوضاع وان ساعة الاختبار قد حلت فلابد من التحرك والنهوض.
التيار الجاهلي احس بتحركات الامام الطهر(عليه السلام) فأخذ يعبأ قياداته بكل مجرم يذوب شوقاً وغراماً وهو يرى الضحية تتخضب بدم النحر لمواجهة تحركات الامام الطهر(عليه السلام) الذي كان مؤمناً بهذا الاتجاه الذي يسير فيه ومدرك تماماً ماستؤول اليه النتائج . لانه اضافة الى ماقلنا يحضى بمكانة علية في الوسط الاسلامي مضافاً الرأي العام كان بجانبه ولك سياسة البطش والرعب والتنكيل وسمل العيون والصلب على جذوع النخل دفعت بالكثير ـ إن لم نقل الاكثرية الساحقة ـ الى عدم الخروج معهُ وهذا مآخذ يُؤخذ على أمُة علمها رسولها ان الموت في سبيل المبادئ الاسلامية عزٌ لايدانيه عز.
التيار الجاهلي لم يدخر وسعاً لتحطيم تحركات الامام الطهر(عليه السلام) وتشويه الصور البطولية لذلك النهوض في أعين الناس. فقد روى المؤرخون ان الامام الحسين(عليه السلام) قد اجتمع مع عمر بن سعد قائد الميدان الجاهلي وقد اسفر هذا الاجتماع عن نقاط ثلاثة:
1-اما يعود الامام الحسين من حيث أتى.
2-او يذهب الى أي ثغر من ثغور المسلمين.
3-أو أن يضع يدهُ بيد يزيد بن معاوية ليرى يزيد في الحسين مايرى.....
هذه النقاط الثلاثة رواها كل من الطبري في تاريخة، وابن الاثير في كامله، وابن عبد ربه في عقدهِ، وابن حجر الهيمي في صواعقه، والمؤمن الشبلنجي الشافعي في نور الابصار ، واليعقوبي في تاريخه، والخوارزمي في مقتله، وعدد آخر هذه الرواية او النقاط تفوح منها رائحة التضليل والافتراء لاسباب اهمها:
1-عدم وجود اي وساطات دبلوماسية بين الامام الحسين(عليه السلام) والتيار الجاهلي مع وجود خلفيه مشحونة بالتوتر..صحيح ان اهل بيت الرحمة مسامحون ولكن ال ابي سفيان لقوم لقاح ملقحون بحب الثأر وليسوا تاركي الحسين حتى يتم تصفيته ورحم الله الشاعر :ـ
ثارات بدرٍ ادركت في كربلاء
لبني أُمية من بني الزهراءِ
2- وجود توصيات سابقة من قادة التيار الجاهلي بتصفية الامام الحسين وبأي وسيلة كانت!
3- ناهيك عن تضارب الروايات فمرة تقول الرواية ان عمر بن سعد هو الذي طلب من الامام الحسين الاجتماع ، ومرة تقول ان الحسين هو الذي طلب الاجتماع.
4- بعض الروايات تقول ان عمر ابن سعد رفع الكتاب الى عبيد الله بن زياد بعد نجاح الاجتماع وهنا تختلف الروايات:ـ
أ- بعض الروايات تقول ان عبيد الله بن زياد قد اقتنع بالفكرة ولكن شهر بن آشوب هو الذي دفعهُ الى خوض القتال.
ب- بعض الروايات تقول ان الذي دفع عبيد الله بن زياد الى رفض النقاط الثلاثة هو شمر بن ذي الجوشن.
ج- بعض الروايات تقول ان عبيد الله بن زياد هو نفسه رفض فكرة النقاط الثلاثة.
6- هنا ياتي السوأل على سؤال :ـ اذا كان الامام الحسين(عليه السلام) قد رضي بهذه النقاط ـ وحاشاه ـ فلماذا خرج؟ ولما كل هذه التحركات ؟ كان بالامكان تدارك الوضع منذ البداية عندما كان في المدينة ويضع يده في يد اميرها ويُعلن البيعة وينتهى الامر ؟ ولكنه الاعلام الجاهلي الذي مابرح يثير السفاسف والاكاذيب ضد التيار الاسلامي مُستخدماً شتى الوسائل لتحطيمه ، فمادام التيار الاسلامي يعمل جاهداً لتدمير وفضح سياسات التيار الجاهلي ،فانه موقن بان التيار الجاهلي لن يصيبه العجز في مواجهة تحركاته. تماماً لايمكنك ان تقنع ان الشيطان اصبح عجوزاً وان ابواب جهنم ترفل في إجازة سياحية وانها لن تفتح ابوابها...قادة التيار الجاهلي لم يكونوا بتلك البلاة والغفلة و ليسوا أغبياء حتى يلقوا الامة الاسلامية بدم الحسين واصحابه فقد تفانا يزيد بن معاوية في استقدام مجرمي الحروب وسفاحوا الانسانية ورمى بهم وسط لهيب المعركة ، مجرمون يعرفون الطرق الحربية كيف تبدأ، ومتى تبدأ..؟؟ وهذا مايستشعر به القارئ الكريم وهو يقرأ خطبتة الامام الطهر(عليه السلام) امام ذلك المد البشري الهائج من اشباه الرجال ولارجال ...هذه الخطبة التي رمت خصومهُ وكادت تأتي أُكلها لولا حركة عمر بن سعد اذ تدخل في الوقت المناسب ( اشهدوا لي عند الامير)..وبدأت المعركة ودارت رحاها والتفت الرماح بالرماح واحتضنت الارض جثمان الابرياء الذين سارعوا لنداء الله وقد لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا يتهافتون على ذهاب الانفس.
نعم ..أنتصر التيار الجاهلي على ارض المعركة ولكنهُ خرج بأمان اقل من السابق فقد اصبح الامام الحسين أهزوجة الثوار والمناضلين وطالبي الحرية والانسانية.