محكمة الاوقاف والمواريث : قراءة في أزمة القضاء

منذر الحسن

يكشف الخلاف حول شرعية تولي منصب قاضي بالمحكمة الجعفرية بالقطيف عن أزمة ثقافية واجتماعية تُختزل شكلياً في مثل هذه القضية ولكنها في الاساس تعبير عن خلل أنساني وديني بين مختلف التوجهات والتكتلات الاجتماعية . ويمكن لنا ان نوجز الاسباب التي تمثل الخلل الحقيقي في هذه الازمة في الاسباب التالية :

  • أولاً : الصراع من اجل السيطرة على الامتيازات والاستحواذ على هذا الكيان من اجل نزعة التسلط الديني والاجتماعي .

في إعتقادنا ان المحكمة ما هي إلا وجه تختبئ وراءه الكثير من الصراعات الاجتماعية حيث تجد ان أغلب النزاعات التي تثار حول إشكالية تولي قاضي لهذه المحكمة غالباً ما تكون خلفية هذا الصراع خلفية طبقية أي بين بعض القوى الاجتماعية ذات النفوذ العائلي والديني التقليدي وتكاد تكون المسئلة حصرياً على بيوتات معينة دون توسيع دائرة هذا الصراع ، ليبقى في حدود تلك العوائل الدينية التقليدية والتي تحتكر والوظيفة الدينية دون ان يكون لغيرها الحق في تولي هذا المنصب ، ويعد وصول احد الاشخاص الذي له نفس الصفة الدينية ولكن من خارج هذه الدائرة لتولي هذا المنصب انما هو نتيجة للارباك الاخير الذي أوجد إستثناءات مما جعل الدولة ولأول مرة تستغل هذا الارباك وتدخل بشكل مباشر في ترتيب أوضاع هذه المحكمة وذلك ضمن أجندة قد تكون موجودة وقد آن الاوان في ظل غياب التنسيق بين مختلف تلك الاقوى التي لم تستطع ان تتفق أو لم تشأ لتتفق على كيفية معينة لـتأمين مصالحهها وبالتالي تظهر بهذه الحدية على السطح وتكون مثار جدل واسع في الاوساط الشيعية مؤخراً .

  • ثانياً : الصراع التقليدي بين ما يسمى بالاصول والاخبار .

لأول مرة في تاريخ القطيف يتولى شخص ينتمي إلى عائلة تتبنى الاتجاه الاخباري والتي تمثل المعارضة في المدرسة الفقهية الشيعية ، حيث تراجع الدور الاخباري في منطقة القطيف منذ تسنم المرحوم الشيخ فرج العمران الزعامة الدينية فأصبح خصماً قوياً أحدث تحولات في وظيفة العلاقات الدينية وأصبح المنحى الاصولي يؤسس قاعدته الاجتماعية والدينية على حساب النفوذ الاخباري التقليدي ، وظل المنحى الاخباري بعد ذلك في أضيق دوائره الاجتماعية والدينية وتمت محاصرته ولايزال إلى حتى آلان غير قادر على إستعادة مكانته التقليدية كما كان نفوذه تاريخياً في الاوساط الاجتماعية ، ولا نريد أن نناقش هذه المسئلة في بعدها التاريخي حيث يرتبط غياب الدور الاخباري بالتحول الفقهي في المدرسة الشيعية وقد القى بظله بطبيعة الحال في تلك الحواضن الاجتماعية التي عادة ما يتجلى فيها مثل ذلك التطور ويصبح ضمن وظيفة هذا التحول وليس له علاقة بشكل مباشر بتحولات أجتماعية خاصة في وظيفة التيار الديني الاجتماعي .
ويعد وصول الشيخ سليمان أبو المكارم وهو من عائلة إخبارية في الاساس حتى ولو لم يكن هو إخبارياً في التقليد إلا أنه يعتبر احد تجليات ذلك الصراع الديني التقليدي بين الاتجاهيين الاخباري والاصولي ، وإذا ما تحدثنا عن الدور الطبقي الاجتماعي التقليدي لهذه العائلة التي تمثل الاتجاه الاخباري وقرأنا وظيفتها الاجتماعية في إطار ذلك الصراع نستطيع ان نتبين ماذا يعني وصول شخص من تلك العائلة التي لا تزال الوريث التقليدي للاتجاه الاخباري ، ولايمكن عزل هذا التطور الغير محسوب في ظل هيمنة التيار الاصولي على مقاليد الحياة الاجتماعية أو أن نفصل هذا عن خلفية ذلك الصراع بين تلك الاتجاهات ، حيث أن هذه فرصة تاريخية لاعادة الاعتبار للوظيفة الطبقية الدينية ضمن دائرة الصراع العائلي الطبقي الديني الاجتماعي .

  • ثالثاً : الصراع من أجل السيطرة على الموارد الاقتصادية والتي تتمثل في الاوقاف .

بالطبع فأن هذه المسئلة جدلية من حيث إرتباطها بما يتمتع به قاضي الاوقاف من شرعية في التصرف في حدود الايجازت الشرعية التي أعطيت للقاضي بناء على وكالة شرعية من الفقيه وبالتالي لا بد من الوجهة التقليدية ان يكون القاضي يتمتع بسعة الاطلاع الفقهي والعلمي ليكون مقتدراً من هذه الناحية ليتسلم هذا المنصب ولو أن هذه المسئلة في ظل طابعها البيروقراطي الرسمي يمكن أن يصل إلى هذا المنصب بقرار رسمي مما يعني ان المتصدي يكفيه من الناحية الادارية هذا التفويض للعب هذا الدور كما هو الحال مع القاضي الجديد الذي تنقصه هذه الناحية أي سعة الاطلاع والعلم الكثير وتقليدياً قبوله كوكيل شرعي لأحد الفقهاء لأعطاءه الاذن الشرعي ليكون تصرفه فيما يتعلق بالاوقاف وما إلى ذلك من الامور التي تحتاج إلى إذن الفقيه ، وكل هذا لحساسية هذه المسئلة في الفقه الشيعي ، ولذا يحتاج القاضي إلى هذه التزكية ليباشر مهامه دون شبه شرعية واجتماعية .

من هنا فأن هذا المنصب يمثل في الحقيقة لب كل ما في هذه الازمة التي تقف وراء الاختلاف حول تولي هذه المكانة لأهمتيها من هذه الناحية ، حيث القاضي يضع يده على هذه المقدرات التي تمثل عنصر القوة للسيطرة وبسط سلطته الدينية والاجتماعية ، فأن الاقتصاد حاضر بقوة في خلفية المتصدي لادارة المحكمة وإذا ما أحسن إستغلال هذه الثروة التي لا تقدر بثمن فأنه يستطيع بلا منازع ان يتحول إلى قوة تحسب لها حساب كما هم رجال الدين في مورد الاخماس ، وهذه قضية إشكالية في ذهنية رجل الدين الشيعي حيث لا تجده يستفيد من هذا النفوذ المالي في تقوية سلطته الدينية والاجتماعية من خلال تحويلها إلى مؤسسة مالية كبيرة تأخذ على عاتقها التنمية الاجتماعية والاقتصادية لا اقلاً في مناطق نفوذها الاجتماعي بدلاً من أن تضيع هذه الثروة ويستشري فيها الفساد المالي بسبب تقليدية إدارتها وعدم الشفافية المالية وغياب الرؤية المؤسساتية في إعادة هيكلتها الاقتصادية لما تنطوي عليه من أهمية كبيرة في مستقبل الطائفة الشيعية في منطقة القطيف .