مستقبل العراق وتحديات الارهاب
قال تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا ان الله مع المتقين)
أضحت ظاهرة الارهاب جريمة وعدوان على القيم الانسانية للمجتمع الدولي, لا سيما وانها تمثل اخطر الجرائم المخلة بأمن وسلم الانسانية. فالارهاب هو كل نشاط اجرامي موجه الى دولة معينة يستهدف فيها انشاء حالة من الرعب في سلطاتها،أو مؤسساتها، او افرادها.
ان تحديد ظاهرة الارهاب كجريمة، اصبحت من اهم المسائل الملحة في الظروف الراهنة, بل لعلها الجريمة التي توضح مدى الجهد الذي يجب ان يولى في الظروف الحالية لمواجهة هذا الخطر واحتواءه.
ومن ابرز سمات الارهاب الذي نجده الان هو حدته وضرواته ومساسه الشديد بالمدنين الامنين. حيث يبدو ان الهدف من العديد من العمليات, هو القتل لمجرد القتل والانتقام. وهو ما يعكس الطابع الدموي للارهاب مستفيدا من وسائل الاعلام المتطورة، من اجل انتاج اكبر قدر من الخوف والرعب باستخدام اكبر قدر من العنف.
ويعاني العراق من اخطر واشد اشكال الارهاب، خاصة وانه يستهدف بالاساس المدنيين العراقيين؛ من مواطنين ابرياء, وقادة سياسيين وطنيين, جاهدوا وناضلوا طويلا للتخلص من النظام الديكتاتوري القمعي الذي لعب بمقدرات العراق ردحا من الزمن, وكتب العراق صكا مفتوحا للطاغية وافراد عائلته.
فتزايد العمليات الارهابية ضد العراقيين الابرياء دليل واضح وساخر على استهداف العراق برمته. حيث ان عدد ضحايا اعمال العنف والارهاب في العراق, منذ سقوط نظام الحكم في العراق ولحد الان وصل الى (100000) ضحية. وهو ما يؤكد مدى وحشية الاعمال الارهابية في العراق, إذ ما أخذنا بنظر الاعتبار ان من مجموع (1900) عملية ارهابية في العالم, يشهد العراق نسبة (13,2٪) من مجموع العمليات. وان معدل الضحايا لكل عملية ارهابية في العالم وصل الى (10) ضحايا.
فيما يبلغ المعدل في العراق (26) ضحية لكل عملية ارهابية.
ان الارهاب الذي يمارس الان ضد العراقيين يتنافى مع الاسلام والشريعة الاسلامية. فقد قال تعالى في كتابه الكريم (وقاتلوا في سبيل الله الذين
يقاتلونكم ولا تعتدوا وان الله لا يحب المعتدين). ومعنى ذلك ان الله سبحانه وتعالى لا يحب المعتدين. وانه سبحانه لا يحب كل من يتجاوز حدوده وشرعه. فما كان في حدود الله , فهو عمل مشروع, وما خرج عنه, فهو عمل عدواني وارهاب.
(( ولهذا جاء الاسلام محرما للارهاب، لخروجه عن قانون الله وشرعه. فلا عنف ولا ارهاب، ولا دكتاتورية ولا استبداد في الاسلام، ولا حب في اراقة الدماء.
وانما عدل وشورى، وحب للخير ونشر لالوية الامن، ودعوة الى السلام برفق ولين واخاء. فالاسلام يرفض العنف والارهاب ولا يقرهما، وينحو باللائمة على كل متعصب ومتطرف. وهو لا يرضى بالعنف ويكرهه، ويحذر اتباعه من ان يتخذوه وسيلة توصلهم الى الغاية، مهما كانت النتائج.
فالارهاب في العراق انما يعكس غياب اي سند قانوني، او شرعي. ويعكس الاهداف الحقيقية للمجموعات الارهابية, والتي لا تخرج عن مصالحها الذاتية, او مصالح جهات اخرى. ويعكس التوجه الحقيقي له في ضرب الابرياء والمدنيين الامنيين. ويعكس همجية هذه الاعمال عبر اساليب وحشية , كالسيارات المفخخة, والعمليات الانتحارية ضد الابرياء, والعبوات الناسفة لتفجير الاسواق والمؤسسات والمرافق الحكومية.
ان المقاومة العراقية الوطنية, انما تنعكس في دور المرجعية العليا, ودور القوى الوطنية الموجودة في العراق, والتي لا تخرج عن الهدف النهائي في استعادة سيادة العراق, وانجاز مشروعه السياسي الديمقراطي السلمي.
ففي الوقت الذي يؤكد سماحة المرجع الديني السيد علي السيستاني على سبل النهوض بالعراق الجديد عبر الانتخابات, وكتابة الدستور, وحكم العراق من قبل العراقيين. نجد ان الامام المجدد الراحل السيد محمد الشيرازي يتناول المقاومة في اطار استعادة الحق المسلوب, حيث يجد ان المقاومة المشروعة هي لتحصيل الحق المسلوب. فمن ظلم او سلب حقه في العدالة, او المساواة, او الحقوق الشرعية والمدنية, او حقه كانسان, فله حق المقاومة شرعا وقانونا لاعادة هذا الحق بالطرق السلمية.
ولا تختلف القوى السياسية الوطنية بالنظر الى المقاومة من هذا الجانب, فالمقاومة هي في استعادة السيادة والمكانة, وفي الكيفية التي يمكن فيها انجاح المشروع النهضوي العراقي الجديد في السير نحو الديمقراطية والحرية عبر صناديق الاقتراع.
ان العراق اليوم يواجه تحديات خطرة؛ فمشروعه الديمقراطي مهدد، واعداء العراق يتربصون دائما بالعراق من اجل افشال مشروعه الجديد الذي سيكون بعون الله نموذجا يقتدى به في العالم.
اذن نحن امام مفترق طرق , فاما النهوض واما الانهيار. وعلينا من الان ان نكون صفا واحدا لبناء العراق والنهوض به. لاسيما بعد ان استطاع العراقيون ان يتحرروا من النظام السابق، ويحصلوا على أكبر قدر من سيادتهم.
فنحن بحاجة الى التمسك بالسلام والحكمة، لمواجهة خطر الارهاب الممتد في إرجاء المعمورة. مستهدين بهدى القرآن الكريم أولا فهو كتاب للسلام والعدالة والتضامن، وهو يرفض دوما العنف والارهاب والعدوان. ثم بسيرة الرسول الاعظم الحافلة بمثل تلك القيم والمثل الانسانية العليا فهو صاحب الخلق الحسن والسيرة الطيبة والمنبع الصافي. ولهذا يؤكد الامام المجدد الراحل محمد الشيرازي على هذه المعاني السامية حيث يقول: (ان الاسلام يحرم الغدر والاغتيال والارهاب. فانه لا عنف في الاسلام، ولا يجوز اي نوع من اعمال العنف والارهاب الذي يوجب ايذاء
الناس وارعابهم، والغدر بهم، وبحياتهم، او يؤدي الى تشويه سمعة الإسلام والمسلمين).
ان بناء العراق انما هو مسؤولية العراقيين جميعا، عبر المشاركة الحرة في الانتخابات المزمع عقدها في شهر كانون الاول، والذي سيختار العراقيون فيها ممثيلهم الشرعين. وان مشاركة العراقيين في الانتخابات هي اكبر ضربة للارهاب، وافضل سبيل لانجاح مشروع العراق النهضوي الديمقراطي الجديد.