كم أنامل نحتاج؟
كثيرا ما نشتكي من ضعف قدرتنا على تسويق أفكارنا أو أنفسنا للآخرين، فالآباء والمعلمون والخطباء والكتاب ورجال البيع والعاملون في الحقل الديني والاجتماعي والثقافي يجترون ذات الشكوى، فأين الخلل؟
من السهل أن نوجه أصابع الاتهام للآخرين الذين لا يقبلون علينا أو على أفكارنا، فولدي وابنتي وزوجتي أو زوجي وتلميذي والمتلقي مني وعملائي ومجتمعي لا يفهمونني ولا يدركون أني أعمل جاهدا لصالحهم. إنهم أناس لا يقدرون الأمور حق تقديرها. ولكن من الصعب مواجهة الحقيقة واتهام الذات أولا بالتقصير في عملية التسويق.
لنأخذ مثالا واحدا والأمثلة كثيرة في هذا المجال، كثيرا ما نسمع الشكوى من الكتاب والمثقفين أن هذا الجيل منغمس قي ثقافة الصورة ولا يهتم بالقراءة واحتضان الكتاب، وهو اتهام لا يخلو من وجاهة، والسؤال أين العلة، أين الخلل؟
الكاتبة المشهورة جوان كاتلين رولينج تعطينا دروسا مهمة في هذا المضمار كلها تتهم الكتاب بعدم قدرتهم على تشويق المتلقي لما يكتبون، فالمشكلة في الكاتب الذي لا يهتم بالغوص في أعماق المتلقي واجتراح إبداعات جديدة لتسويق الأفكار والرؤى والمضامين التي يعتبرها الكاتب سامية، فسمو النيات والأفكار والمشاعر لا تكفي لوحدها في إقناع المتلقي بل لا بد من التركيز على طرق وأساليب إيصالها، فالطعام قد يكون من أمهر الطباخين ولكن المرء لا يقبل عليه إذا قدم بصورة سيئة.
أعود لمثال الكاتبة رولينج، وفي قصتها دروس عدة من الإصرار والمثابرة والتعامل مع قوانين النجاح بنجاح، فهذه المرأة التي أصبحت في سنوات قصيرة مليونيرة بعد أن كانت تعتمد على إعانات الدولة، حققت ذلك من خلال سلسلتها الروائية ( هاري بوتر ) التي استطاعت من خلالها تحطيم الأرقام القياسية في جعل كتبها الأكثر مبيعا فيما سمي بـ ( تسونامي ) هاري بوتر، حيث بيعت أكثر من 275 مليون نسخة من رواياتها الخمس الأولى التي ترجمت إلى مختلف لغات العالم، وبيعت الرواية السادسة وقت الغداء لمنع الأطفال من الهروب من مدارسهم، حيث توقع أن يتم بيع أكثر من 10 ملايين نسخة خلال الثماني والأربعين ساعة الأولى.
بل أكثر من ذلك جعلت الأطفال يقبلون على قراءة رواياتها الكبيرة الحجم ( تتراوح من 600 إل 800 صفحة ) بنهم شديد مما أوجد صداعا جديدا ارتبط بروايتها ( هاري بوتر وجماعة العنقاء )، وعرف هذا الصداع بصداع هوغورتس نسبة على مدرسة السحر التي ينتمي لها هاري بوتر، هذا الصداع كان بسبب إدمان القراءة لمدة يومين أو ثلاثة لإنهاء الرواية.
ترى كيف حققت ذلك، وكيف عجز كتابنا عن إقناع أبنائنا وبناتنا بقراءة ما يكتبون؟ الجواب: ابحث عن الإبداع. فلكي نقنعهم بقراءة ما نكتب علينا أن نقرأهم أولا بدون قناع، أن نغوص في أعماقهم لنكتشف ما يحبون وما يكرهون، ولنكتشف بالتالي أبواب الدخول إلى عالمهم، فالبيوت لا تؤتى من ظهورها، بل من أبوابها كما أمرنا الله بذلك.
يقول الكاتب براين ترايسي في كتابه قواعد وقوانين النجاح في دنيا الأعمال: إن كل تقدم هائل عادة ما يبدأ بفكرة في ذهن شخص ما، فالأفكار الممتازة هي مفتاح المستقبل، لذا فأنت محتاج لتحسين قدرتك على إبداع الأفكار البناءة.
نعم نحن محتاجون فعلا لابتداع أفكار جديدة في حياتنا كافة من أجل إيصال رسالتنا التي نؤمن بها للآخرين بصورة مقنعة ومقبولة، ولكي نحقق النجاح وفق شروطه وقواعده وسننه. إن فكرة واحدة مبدعة مثل ( أنامل ) حققت الكثير على الأرض وغيرت ملمحا من ملامح أم الحمام حيث تزينت جدرانها بالأحاديث الشريفة والكلمات الجميلة في خطوة حضارة رائعة.
إننا نحتاج إلى أنامل أخرى، فهل من أنامل؟