صدام الشهيد القديس !!!
هكذا يخرج علينا زعيم عربي مدنسا الألقاب المقدسة بمنحها لمن هم أبعد ما يكونون عنها، هكذا في هذا الزمن الرديء يصبح الرجل الذي أمضى سنوات حكمه في قمع أبناء شعبه وسجنهم وقتلهم وتهجيرهم ودفنهم في مقابر جماعية، والتضحية بهم في حربين طائشتين أكلتا الأخضر واليابس، وأهلكتا الحرث والنسل، يصبح هذا الرجل فجأة شهيدا قديسا.
هكذا من غير احترام للدماء الشريفة التي سالت على تراب العراق من شماله إلى جنوبه، وللأيتام والأرامل، وللمعذبين في ديارهم ومهاجرهم، ومن غير أدنى مراعاة لمشاعر كل ضحايا هذا النظام الفاسد، يخلع الزعيم العربي الجماهيري على أخيه في رضاعة الاستبداد أشرف الألقاب..
لا أدري كيف يقبل أفراد من هذه الأمة تلك المقولات الساذجة، فتنطلي عليهم خاتمة صدام التي تشهد أثناءها، فيظنون أنها ستمحو عنه كل خطاياه، وليس هذا فحسب بل سيدخل الجنة بغير حساب، كأن دماء العلماء الأعلام، والشرفاء الأبرار، وآلام الضحايا لا قيمة لها، وكأن العدل الإلهي لا وجود له.
ووفقا لهذه المقولة سيصبح فرعون مؤمنا وشهيدا قديسا، لأنه تشهد في آخر لحظات حياته:
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (90) سورة يونس
لقد قاوم أئمتنا المقولات الخبيثة التي كان يروج لها الحكام الظلمة بقصد تثبيتها في واقع الأمة، وتحويل الأمة إلى همج رعاع لا يميزون بين الجلاد والضحية، وبين السفاح والشهيد، فكلاهما على خير، وكلاهما ينبغي أن نترضى عليه..
إن المقولات الساذجة المشوهة للإسلام النقي الذي يرفض الظلم ويأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ويعتبر قتل النفس المحترمة بغير وجه حق قتلا للناس جميعا، إن تلك المقولات هي الأساس الذي أبقى الأمة في ركاب التخلف، وحافظ عليها نقية من أي تقدم أو رقي.
ولذا هاجم أئمتنا هذا الاتجاه التحريفي الخطير بكل ما أوتوا من قوة.
قال المفيد في الإرشاد : 2 / 116 : ( وعرض عليه ( ابن زياد ) علي بن الحسين عليهما السلام فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا علي بن الحسين . فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال له علي : قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس . فقال له ابن زياد : بل الله قتله . فقال علي بن الحسين : الله يتوفى الأنفس حين موتها . فغضب ابن زياد وقال : وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي ؟ ! اذهبوا به فاضربوا عنقه ! فتعلقت به زينب عمته وقالت : يا ابن زياد حسبك من دمائنا ، واعتنقته وقالت : والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه ؟ فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة ، ثم قال : عجبا للرحم ! والله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه ، دعوه فإني أراه لما به ) . ( ونحوه في الطبقات : 5 / 212 ، والنهاية : 8 / 210 )
وفي الكافي : 2 / 409 ، عن الإمام الصادق قال : ( لعن الله القدرية لعن الله الخوارج، لعن الله المرجئة ، لعن الله المرجئة ! قال قلت : لعنت هؤلاء مرة مرة ، ولعنت هؤلاء مرتين ؟ ! قال : إن هؤلاء يقولون : إن قتلتنا مؤمنون ! فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة ! إن الله حكى عن قوم في كتابه : قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين . . قال : كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا )