الرسالة المحمدية وتقييم الذات

 

ان خاتمة كل سلسلة متينة ورصينة من الطبيعي ان تكون مميزة في كل شيء عن بقية الحلقات المكونة لها وهكذا كانت خاتمة المشروع الالهي العظيم في انقاذ البشرية من إتون الضياع والانحطاط في كل شيء.

فجميع الانبياء والرسل انما بعثوا لبناء الشخصية الانسانية وتقويمها على اسس صحيحة والسير بها نحو مدارج الكمال والرقيّ .. وكانت خاتمة هذه الرسالات هي الرسالة المحمدية التي كانت مختلفة ومميزة عن بقية الرسالات بشخص حاملها ومكان وزمان انطلاقها وكذلك الاهداف السامية التي حملتها.

ويعتبر المرسل الخاتم اعظم هادٍ وأجلّ مربٍّ عرفته الارض والسماء. ولم يكن شخصية عابرة في ذاكرة التأريخ بل كان من الرجال الذين اثّروا بشكل فاعل في تغيير مسيرة التأريخ.

وقد كانت رسالة الاسلام التي حملها المنقذ محمد بداية فصل مهم من فصول المسيرة الانسانية.. وقبل ان يكون محمد رسولاً إلهياً عرف بين اصحابه وقومه بالصادق الأمين، واستطاع برسالته ان ينهض بالناس من حياة اتسمت بالجاهلية والتخلف والهمجية الى ان يكونوا رواد علمٍ وقادة حضارة واخلاق.. فكانت بحق رسالته تجسيداً حياً للرسالة الالهية التي آمن بها واتبعها.

فالرسول الكريم حمل الاسلام فكراً وقولاً وموقفاً وكان قدوةً لمن يريد الاهتداء بهذا النهج الانساني الذي يسير بصاحبه نحو آفاق التحرر والسلام (ولقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) (سورة الاحزاب 21).

ولم تكن دعوة الرسول الكريم سهلة وميسرة وطريقها معبّد بالورد والياسمين بل كان يشق طريقه عبر حقول يمكن توصيفها بأنها ملغمة ويذكر ذلك في حديث شريف (ما أوذي نبي مثلي قط) حيث تعرض الى انواع عديدة من الاضطهاد المادي والبدني حيث اتخذ هذا القمع الواناً شتى. فرجموا بيته بالحجر والقوا النجاسات امام داره ووضعوا الشوك في طريقه وسلطوا الصبيان عليه يرموه بالحجارة الى غير ذلك من اساليب الاذى والملاحقة الدنيئة فكان صلوات الله وسلامه عليه يتلقى ذلك بالصبر ويحتسبه عند الله تعالى.

واليوم ونحن نعيش الذكرى الحزينة لوفاته يجدر بنا ان نراجع انفسنا ونقيم اوضاعنا لنعرف اين نحن من مبادئ واخلاق الرسول الكريم والنهج القويم الذي خطه الينا للسير في جادة الامان.

وقد اكون متشائمةً اذا قلت بأننا ومع الاسف قد ابتعدنا شيئاً فشيئاً عن ذلك النهج واصبحنا نسير بموازاته متناسين وتاركين خلف ظهورنا سماحة ووداعة وخلق محمد الذي استطاع ان يشق طريقه عبر الصحاري الجرداء ليحيلها اراض خضراء يانعة الثمار ..

فصلوات الله عليه وسلامه كان بعيداً كل البعد عن اساليب التشدد واتهام الآخر والسعي للنيل به... فإسلام محمد دين السماحة والعفو .. ولا اعلم هل نعيش الآن في رحاب اسلامه ام اسلامنا؟!