في ذكرى سقوط الصنم
ليس العراق بدعا من دول العالم، قديمها وحديثها، في تعرضه للغزو الاجنبي، ولا العراقيون بدعا من شعوب العالم، كذلك قديمها وحديثها، في التعرض للاحتلال، الا انهم، في الحقيقة، بدعا من بين كل شعوب العالم، التي تعرضت وتتعرض للغزو الاجنبي، في طريقة ردة فعلهم على ذلك، فكل شعب تعرض او يتعرض للغزو الاجنبي، يتحول الاحتلال عنده الى تحد، ثم، وبعد حين، الى سبب للنهوض الحضاري، من خلال السعي لبناء جديد، وعلى مختلف الاصعدة، فيشد بعضه بعضا ويتحد وينسى خلافاته، ويضع يدا بيد لمواجهة العدو المشترك الذي دنس ارضه الطاهرة، وهذا ما حصل لشعوب مثل الياباني والالماني والهندي والكوري وغيرها الكثير الكثير من الشعوب التي حولت الهزيمة الى نهوض وانتصار، بعد ان صنعت الاسباب الذاتية الحقيقية التي اهلتها لتحرير بلدانها من الارادة الاجنبية، الا العراقيين، وفي هذه المرة فقط، فعندما تعرض العراق للاحتلال في التاسع من نيسان عام 2003، راح العراقيون يقتل بعضهم بعضا، ويفجر بعضهم بعضا، ويدمرون المرافق العامة وينهبون المال العام، ويدمرون البنى التحتية لبلدهم، وبدلا من الاتحاد والاتفاق ووضع الخلافات جانبا، اذا بهم ينتقمون من بعضهم البعض الاخر، وكأنهم يريدون تقديم اعظم الخدمة للمحتل، بعد ان فقدوا اتجاهات البوصلة، فداروا حول انفسهم، كالتائه لا يدري ماذا يفعل.
اقول في هذه المرة فقط، لان العراقيين الذين تعرضت بلادهم للاحتلال مرتين قبل ذلك خلال التسعين عاما الماضية، لم يتقاتلوا ابدا، ولم يتطاحنوا، بالرغم من ان في كل مرة من المرتين السابقتين، كانت شريحة اجتماعية او اكثر قد اصطفت الى جانب المحتل وتعاونت معه، بل قبلت منه الهبات والمساعدات المالية والعينية مقابل عدم التعرض له، واكثر من ذلك، فان بعضهم تسلم معونات المحتل مقابل التعهد له بعدم ايوائه للثوار، ومنعهم من الانطلاق من(الاراضي) التي يمتلكها، الا ان الاخرين كانوا يبحثون لامثال هؤلاء عن كل مبرر، فكان بعضهم يعذر البعض الاخر، عندما يختار كل واحد منهم طريقته في المواجهة، تختلف عن طريقة الآخر، بلا تخوين ومن دون ان يتورطوا بدماء بعضهم البعض الآخر، لأن الدم العراقي كان محرما، على العراقيين على الاقل، كما انهم في تلك المرات كانوا يتطوعون، بقضهم وقضيضهم، لحماية بلدهم ومنشآته واملاكه العامة، من المخربين واللصوص وقطاع الطرق الذين ينشطون عادة عندما تعم الفوضى ويسقط نظام، اي نظام.
كذلك، فان الاغلبية من العراقيين لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد من تعاون مع المحتل البريطاني، بالرغم من ان كل العراقيين يعرفون جيدا، وكذلك المتابع المنصف للملف العراقي، بان الاقلية هي التي سلمت مفاتيح بغداد للمحتل الاجنبي (الصليبي الكافر) في كل مرة تعرض لها العراق للغزو، كان ذلك في الاعوام (1917) و (1944) و (2003)، ولمزيد من التفاصيل يستحسن مراجعة كل كتب التاريخ التي تتحدث عن تاريخ العراق الحديث، العراقية منها والعربية والاجنبية.
فلماذا تقاتلوا هذه المرة اذن؟.
حتى اللذين حملوا السلاح بوجه المحتل، قاتل بعضهم البعض الاخر، هذا بالرغم من انني اعتبر ان كل العراقيين، وبلا استثناء، حملوا السلاح بوجه الاحتلال وقاوموه اشد مقاومة، ولكن ليس بالضرورة ان يكون سلاحهم في المقاومة البندقية فقط، وانما كل حسب طريقته ووعيه وحكمته، ولذلك استخدموا مختلف انواع الاسلحة السياسية منها والديبلوماسية وغير ذلك، فلماذا تقاتلوا اذن؟.
من خلال تتبع الاحداث التي شهدها العراق منذ سقوط الصنم ولحد الان، يلحظ ان العراقيين انقسموا، في حقيقة الامر، الى قسمين، الاول الذي رحب بسقوط الصنم واحتضن التغيير، من اجل بناء عراق جديد يقوم على اساس الحرية والكرامة والمساواة والشراكة الحقيقية بين الجميع وعدم التمييز بين العراقيين على اساس العرق او الدين او المذهب، ولقد مثل هذا القسم كل ضحايا النظام البائد ومن مختلف شرائح المجتمع العراقي، وان كانت الاغلبية المطلقة من هذا القسم هم الشيعة والكرد والتركمان والكلدوآشوريين، فيما ظل القسم الثاني يحن الى الماضي السحيق الذي ظل يحكم العراق بسياسات التمييز الطائفي والعرقي وبسياسات التهميش والاقصاء للاخر بكل اشكاله، ولقد مثل هذا القسم، كذلك، كل المستفيدين من النظام البائد من مختلف شرائح المجتمع العراقي، وان كانت الاغلبية المطلقة من هذا القسم هم السنة.
وبدأ الصراع الدموي بين القسمين، لياخذ مدياته البعيدة خلال الاشهر القليلة الماضية، خاصة بعد العمل الارهابي الذي نفذته مجموعات العنف والارهاب في مدينة سامراء المقدسة بتفجير قبة الامامين العسكريين عليهما السلام، والذي اوضح بشكل جلي، حقيقة اهداف هذا القسم الذي ظل يتلفع بشعارات المقاومة ضد الاحتلال من دون ان ينجح في اقناع الراي العام، كون القبتين الشريفتين كانتا معسكرا للاحتلال او مقرا لقيادة القوات الاميركية قبل التفجير، لذلك استدعى الامر تفجيرهما لتحرير العراق من الاحتلال.
وان ما زاد الطين بلة، كما يقول المثل العراقي المعروف،هو ان دول الجوار الخائفة والمرتعدة من العراق الجديد، بادرت فورا الى استغلال اماني القسم الثاني من اجل دخول حلبة الصراع الدموي ضد القسم الاول، وهم بالمناسبة الاغلبية المطلقة من الشعب العراقي، فبادروا الى دعمهم بالمال والفتوى الطائفية التي ظلت، ولحد الان، تصدر عن فقهاء البلاط من التكفيريين السلفيين المتخلفين، وبالاعلام المضلل الذي لا زال يسمي المجرمين الذين يقتلون العراقيين الابرياء بالمقاومة، في الوقت الذي يعرفون فيه جيدا بان (85%) من ضحايا العنف والارهاب هم من المواطنين الابرياء، بمن فيهم النساء والاطفال والشيوخ وعمال المساطر والطلبة والتلاميذ الابرياء وزوار العتبات المقدسة.
ومن اجل ان ينجح مخططهم الرامي الى تدمير العملية السياسية الجديدة، وبالتالي الى تدمير حلم العراقيين بعراق جديد خال من الانظمة الشمولية والاستبدادية، وخال من تصنيف المواطنين الى درجات، غلف هؤلاء عمليات القتل والتفجير والتدمير بغلاف الدين، والدين منهم براء براءة الذئب من دم يوسف، ثم راحوا يكيلون الامور بمكيالين، فالانتخابات في العراق، مثلا، برايهم غير شرعية لانها تجري في ظل الاحتلال، اما الانتخابات الفلسطينية التي تجري كذلك في ظل الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، فشرعية مئة بالمئة، بل انها حدث تاريخي، كما ان حكومة (الوحدة الوطنية) التي تتشكل في العراق غير شرعية ولذلك يرفضون الاعتراف بها والتعامل معها، اما حكومة (الوحدة الوطنية) في فلسطين، فهي حدث تاريخي لم تشهد الدنيا مثيلا لها.
كما انهم يتباكون على مساعي (صهينة) العراق من خلال الحديث عن تواجد مفترض لعناصر من الموساد الاسرائيلي في العراق، الا انهم لا يتحدثون عن مخاطر تصهين البلاد العربية، الفعلي وليس المفترض، والكثيرمن الاسلامية، كتركيا مثلا، والتي يقيم الكثير منها علاقات سياسية وديبلوماسية وتجارية مع (اسرائيل) فيما يرفرف علم الاخيرة في عواصمها الى جانب العلم (الوطني) للامير او الملك الزعيم الاوحد، كمصر (الكنانة) والاردن (الهاشمية) وقطر(الامير المنفوخ) التي زارها مؤخرا الصهيوني شيمون بيريز من دون ان نسمع اي شجب واستنكار من قناتها التي تنعق بشعارات المقاومة ليل نهار، وتركيا (الدينية العلمانية) التي وقعت على اكثر من اتفاق سياسي وامني مع الدولة العبرية.
وبالمناسبة، فان اكثر ما يثير الضحك والتقزز في القصة، هو ما نراه ونلاحظه ونلمسه من جهود يبذلها الجميع لاقناعنا بان (اتفاق مكة) الذي وقعه الفلسطينيون بمباركة من آل سعود، بمثابة الانجاز التاريخي، ولان الشعوب والكثير من المثقفين والاعلاميين، لم يقرأوا ويطلعوا على نص الاتفاق، لذلك صدقوا الكذبة وصفقوا لها ليل نهار، كما هو ديدنهم دائما، لتمريرها في عقول الامة، وما دروا بان الاتفاق ينص على اعتراف الفلسطينيين (بمن فيهم حركة حماس الثورية جدا والاصولية السلفية) باسرائيل كدولة، وربما من هذا الباب اعتبره (العرب) الذين اعلنوا تاييدهم الرسمي له وبالاجماع، في قمة الرياض الاخيرة، اتفاقا تاريخيا، لانه، ولاول مرة، يجمع الفلسطينيون، بعلمانييهم و(اسلامييهم) على الاعتراف بمن غصب ارضهم وانتهك عرضهم، كدولة لها الحق في ان تعيش بسلام، هذا الموقف الذي وصفه رئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت، بانه (تغير ثوري) في موقف العرب من اسرائيل.
كما انهم يتباكون على تواجد القوات الاجنبية في العراق، ولا ينبسون ببنت شفة على تواجد ذات القوات بهوياتها وازيائها وأهدافها في ارض الحرمين، الجزيرة العربية، وقطر التي تحتضن قاعدتها (العديد) اكبر تواجد عسكري اجنبي، ليس في المنطقة فحسب، بل وفي العالم كله.
كذلك، فهم يذرفون دموع التماسيح على العراق لانه محتل، فيما لا زالت نصف الاراضي العربية والاسلامية محتلة اما من قبل (اسرائيل) او اميركا او قوات الحلف الاطلسي، ناسين او متناسين ان المجموعة العربية في مجلس الامن كانت قد وقعت على كل قرارات (غزو) العراق و(احتلاله) بما فيها القرار الذي شرعن الاحتلال، كما انها هي التي استقبلت القوات الاميركية ومكنتها لوجستيا لـ (احتلال) العراق، ووفرت لها كل انواع الدعم لاتمام مهامها، ثم راحت تتباكى عليه، لا ادري، فلربما ظنت بان واشنطن عازمة على اسقاط النظام الشمولي البائد، لاستبداله بزعامات من نفس الفئة الحاكمة لذلك قبلوا التعاون معها على الانقلاب على (شقيقهم) فلما فوجؤوا بان الشعب العراقي اختار، عبر صناديق الاقتراع في اول انتخابات حقيقية، حرة ومباشرة، زعامات اخرى لا تنتمي الى الاقلية الحاكمة سابقا، رفعوا عقيرتهم بالشعارات المزيفة.
انهم يتعاملون مع كل ازماتهم في اطار ما يسمونه بالشرعية الدولية، الا ملف العراق يتعاملون معه بالدم، فملفات مثل فلسطين ولبنان واغتيال الحريري والاراضي العربية المحتلة، وغيرها الكثير من الملفات الساخنة، بوابتها الشرعية الدولية، هذا بالرغم من ان قرارات الشرعية الدولية الخاصة بمثل هذه الملفات تنتهك سيادات عربية كثيرة، الا انهم ينصاعون لها ويقبلون بها حكما (عادلا) الا العراق فبينهم وبين العراقيين انهار الدماء، لماذا؟.
والمضحك المبكي في كل القصة، قولهم ان اميركا في العراق للسيطرة على نفطه، وهو نفط العرب كما يفهمون، وكأن نفط بقية بلاد العرب بيد حكامها وشعوبها، ناسين او متناسين بان كل رساميل و راس مال العرب، خاصة الاسر الحاكمة في الخليج، مودع في بنوك الولايات المتحدة الاميركية، اي في بنوك (الكفار) فلماذا لا يصدر فقهاء التكفير والبلاط فتاوى تطالب الحكومات باسترجاع هذه الرساميل التي يستفيد منها (الكفار) لقتل العراقيين والفلسطينيين، مثلا؟ ام ان ابواب الجنة لا تفتح لـ (المقاومين) الا عبر العراق ومن خلال ايلاغهم بدماء العراقيين الابرياء؟.
كل ذلك، وما زال في هذا العالم العربي، الكثير من الغافلين والمغفلين اوالمتغافلين الذين استخف الحكام بعقولهم، ممن لا يريدون ان يعترفوا بالواقع وبحقيقة الامور، لسبب بسيط وواضح في آن واحد، الا وهو ان كل هؤلاء يكرهون ان يروا الاغلبية من العراقيين لها دور مؤثر وفاعل في الحياة السياسية العامة، واقولها وبالفم المليان، لو ان ذات الفئة من العراقيين التي حكمت العراق خلال النيف وثمانين عاما الماضية، كانت هي التي خلفت النظام الشمولي البائد بعد سقوطه مباشرة، لما انطلقت رصاصة واحدة لا ضد المحتل ولا ضد العراقيين، بعضهم البعض الاخر، وان اكبر دليل على ذلك، هو تاريخ العراق القريب، فعندما قرر البريطانيون تسليم السلطة للاقلية من العراقيين ابان احتلالهم للعراق مطلع القرن الماضي، لم تطلق الاقلية رصاصة واحدة ضد المحتل، وهذا ما اعاده الى ذهن السفير الاميركي السابق في بغداد زلماي خليل زاد، رئيس قائمة التوافق العراقية، وهو يتحدث اليه منفردا في محاولة منه لاقناعه بترك التعامل مع الاغلبية التي افرزتها صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة التي شهدها العراق وفي دورتين متتاليتين، والعودة الى التعاون التاريخي مع الاقلية، لصيانة دماء الجنود الاميركان، على حد قوله.
ان زيف شعارات المقاومة في العراق تكشفها طبيعة الاهداف التي تتعرض للعنف والارهاب، فمن يريد ان يطهر ارض العراق من دنس المحتل، لا يستهدف الشرطة وقوات الامن التي تسعى جاهدة للتأهيل من اجل استلام الملفات الامنية من القوات متعددة الجنسيات، وبالتالي لاسقاط ذريعة استمرار تواجدها في العراق، كما ان من يريد ان يعين العراقيين على التحرر لا يستهدف الابرياء فيفجر نفسه وسط حشود المصلين او في الاسواق العامة وعند مداخل الجامعات والمدارس، وان من يريد ان يحرر العراق لا يستخدم الغازات السامة لقتل المواطنين الابرياء المارين في الشارع والزقاق، وان من يريد دخول الجنة من خلال التقرب بعمل صالح الى الله عز وجل، لا ينسف مرقدا لامام او مسجدا تاريخيا او موقعا اثريا، ولا يفجر نفسه بسيارة مفخخة وسط حشود المعزين بمصاب سيد شباب اهل الجنة سبط رسول الله لان الله تعالى لا يخدع عن جنته، كما ورد في الحديث الشريف المأثور عن رسول الله، فـ﴿المسلم للمسلم حرام، ماله ودمه وعرضه﴾ فمتى كان دم المسلم صك الغفران لدخول الجنة؟ ومتى كان عرض المسلم قنطرة المجاهدين لمرضاة الله عز وجل؟ ومتى كان مال المسلم ثمن العتق من النار؟.
للاسف الشديد، فان الشعوب العربية والاسلامية باتت اليوم ضحية الدجل والنفاق والغش، بعد ان استخف بعقولها حكامها الذين يدعون ما ليس فيهم، فهذا امير المؤمنين وذاك خادم الحرمين الشريفين والاخر المجاهد الاكبر والرابع سليل الدوحة النبوية وحفيد السبطين الحسن والحسين، وهكذا دواليك، من دون ان يسألهم الناس او يتساءلوا باي حق نزا هؤلاء الحكام على السلطة وسرقوا حقا للناس لم يفوضهم فيه احد؟.
سيتحرر العراق من الاحتلال والارهاب والاستبداد، اذا
اولا:وعى العراقيون اللعبة، وفهموا جيدا بان كل الاخرين، ومن دون استثناء، لا يريدون لهم ولبلادهم الخير، وعليهم ان يقطعوا كل امل الا بانفسهم بعد الله تعالى، ولقد اثبتت التجربة بان الاخرين، الاميركيون والانظمة العربية ودول الجوار، يضحكون عليهم ويغذونهم بالاحقاد والضغائن ليقتل بعضهم البعض الاخر، ليصفى لهم الناتج فيبقى العراق يئن تحت وطأة الدمار الى حيث يشاؤون.
ان الحل لمحنة العراق الحالية، عراقيا وفي داخل العراق، ويخطئ من يظن بان هذا الطرف الاقليمي او ذاك الطرف الدولي سيساعده على معافاة العراق من محنته الانسانية المروعة، ولذلك، فان على العراقيين ان يغلقوا الابواب بوجه الاخرين، وان يصموا آذانهم عن الاصغاء للاخرين، ليسمعوا لعقولهم ويصغوا لبعضهم البعض الآخر فقط، فعندهم الحل، اذا قرروا ذلك، وصدق الله تعالى اذ يقول في محكم كتابه الكريم ﴿ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم﴾ فالتغيير يبدا من الذات اولا، ومن لم يصدق فليقرا التاريخ بعقل منفتح وارادة حرة ليصل الى هذه النتيجة، وان اي انسان في هذا العالم غير قادر وسيعجز عن مساعدة اخيه الانسان اذا لم يساعد نفسه اولا، فالانسان للانسان عامل مساعد وليس بديلا عنه ليحل محله في ايجاد الحلول لمشاكله، حتى المريض اذا لم يقرر مساعدة نفسه، فان امهر الاطباء سيعجز عن شفائه، كما ان رب العزة لا يساعد عبده قبل ان يقرر العبد مساعدة نفسه اولا، اليس كذلك؟.
على العراقيين ان لا يدوروا على عواصم الدنيا بحثا عن حل او للتآمر على انفسهم، فالحل في بغداد، ابحثوا عنه فستجدونه اقرب اليكم من حبل الوريد، ونادوا عليه فسيجيبكم بكل قوة وامل.
ثانيا: دعم العملية السياسية بكل ما اوتوا من قوة مادية ومعنوية، فهي الامل الوحيد لانقاذ العراق من محنته، وليضع الجميع الشعارات جانبا، فلا يرددوا مقولات (ما بني على باطل فهو باطل) والا فالعراق برمته يلزم ان نعيده الى تركيا (الدولة العثمانية) لان من بنى دولة العراق الحديث هم البريطانيون بعد الحرب العالمية الاولى، الذين اقتطعوها عنوة وبالسلاح، ما يعني ان كل العراق الحديث بني على باطل فكله باطل، وهل يعقل هذا الكلام؟.
اكثر من هذا، فان كل البلاد العربية والاسلامية، كذلك، بنيت على باطل، لانها تاسست في اطار اتفاقية (سايكس ــ بيكو) التي اقرها (الصليبيون الكفار) فهي التي رسمت حدود البلاد الحالية، لترث الاجيال حدودا تقدسها وتتقاتل عليها من اجل صيانتها من الانتهاك، وما دروا بان (الكفار) هم من رسم هذه الحدود، فكم من (جنود جيوش العرب والمسلمين) قتلوا في حروب الحدود بين البلاد العربية والاسلامية، منذ ان رسمها المستعمر ولحد الان؟.
وبالمناسبة، فاذا اردنا ان نتحدث بهذا المنطق، فعلينا ان نعترف بان كل الانظمة العربية الحالية باطلة لانها بنيت على باطل، واليكم الدليل لبعضها كنموذج؛
فالاسرة الحاكمة في الجزيرة العربية، وهي النموذج الشرعي لامثال هؤلاء، بنيت على باطل لان آل سعود سيطروا على المنطقة بسياسات الغزو والغارات المسلحة والقتل والنهب والتخويف، التي نجحت بها في اخضاع القبائل في تلك المناطق الى نفوذها، كما انها اغتصبت السلطة من الشريفيين بمساعدة المحتل البريطاني (الصليبي الكافر) فهي اذن سلطة غير شرعية، لانها بنيت في الاساس على باطل، وان تقادم الزمن لا يحلل حرام الله ابدا، والا فعلينا ان نعترف بشرعية (اسرائيل) كدولة بعد ان مر على تاسيسها اكثر من نصف قرن.
كما ان كل الانظمة الحاكمة في البلاد العربية نزت على السلطة بالسرقات المسلحة (الانقلابات العسكرية) او انها ورثت السلطة بمساعدة الاجنبي (الصليبي الكافر) كما هو الحال بالنسبة لحاكم قطر، مثلا، الذي طرد ابوه من السلطة بمساعدة ولي النعمة الاكبر (اميركا) وهذا ما اعترف به اكثر من مرة وزير خارجية الحاكم، والذي عين اليوم رئيسا للحكومة القطرية الجديدة، وذلك يعني ان كل هذه الانظمة غير شرعية، بما فيها النظام في مصر الذي توارث السلطة من زعيم اول انقلاب عسكري ناجح في البلاد العربية، زعيم القومية العربية، جمال عبد الناصر، فهي انظمة لم تفوض بسلطاتها من قبل الشعب، كما ان الامة لم تخولها السلطة باي شكل من الاشكال، فلماذا لا يقاتل (المجاهدون الابطال) هذه الانظمة في عقر دورهم لانقاذ البلاد والعباد من الباطل، لياتون الى العراق لمقاتلة الشعب العراقي بحجة تحريره من الباطل، ام ان الباطل باطلان، احدهما شرعي والاخر حرام؟.
اما في الاردن فلم يكن للشريفيين اي حق في البلاد، بل ان الاردن، كدولة بحدودها الحالية، لم يكن موجودا على الخارطة الجغرافية حتى ذلك الحين، وانما اقتطعه البريطانيون اقتطاعا ليصوغوا منه دولة برسم البيع، فهم الذين اسسوا (دولة) الاردن وسلموها للشريفيين لارضائهم بعد ان (زعل) عليهم جد الشريفيين الاكبر، الشريف حسين، بسبب نقضهم للوعود التي كانوا قد قطعوها له، بالحفاظ على ملكه في جزء من بلاد الجزيرة العربية مقابل ان يقف معهم في حربهم ضد (دولة الخلافة) العثمانية ابان الحرب العالمية الاولى، فيما بات يعرف كذبا وزورا بالثورة العربية الكبرى، وهي في حقيقة امرها، الخدعة العربية الكبرى، فهي كبرى الخيانات العربية والاسلامية للامة.
وآخرون لجأوا الى الدستور لتغييره حتى تنطبق بنوده على مقاسات الزعيم الذي ورث اباه في السلطة، ليتحول البلد بذلك الى نظام هجين يسميه البعض بـ (الجمهوري الملكي).
كما ان بعضها، كلبنان، كتب دستوره الفرنسيون ابان الاحتلال، ليتحول بمرور الزمن الى وثيقة العهد الوطني المقدس الذي يربط بين اللبنانيين.
اما جامعة الدول العربية، فهي اول مؤسسة عربية بنيت على باطل لان الذي اسسها هم البريطانيون (الصليبيون الكفرة) فهي باطلة جملة وتفصيلا ولهذا السبب، ربما، لم تنجح هذه المؤسسة في انجاز اي شئ يذكر للشعوب العربية لان نطفتها غير شرعية وانها تحولت بمرور الزمن الى اداة طيعة بيد الانظمة غير الشرعية هي الاخرى.
كما ان عدد كبيرمن التنظيمات والاحزاب في البلاد العربية اسسها الاستعمار الغربي او الشرقي، لا فرق (اي الصليبيون والكفرة) فهي اذن تنظيمات باطلة لانها بنيت على باطل، بما فيها عدد من التيارات الدينية المعروفة التي لا زالت تنفذ خطط (ابو ناجي) في المنطقة.
اما تنظيم القاعدة الارهابي فكلنا يعرف ويتذكر بان نواته الاولى اسستها اجهزة مخابرات دولية بالتعاون والتنسيق مع عدد من اجهزة مخابرات (اسلامية) وعربية، ربما من اجل ان تكون النطفة اقرب الى الطهارة منها الى النجاسة، لا ادري، فكيف تحول هذا التنظيم الى أمل ونموذج يفتخر به المثقفون العرب للجهاد في سبيل الله تعالى ولمقاتلة المحتل؟.
ثالثا: على الاقلية المستفيدة من النظام الشمولي البائد ان تتيقن بان عقارب الزمن في العراق لن تعود الى الوراء ابدا، فبعد ان خرج المارد من قمقمه فسوف لن يعيده شئ اليه ولو سالت الدماء انهارا، فلا الاغلبية (الشيعة) على استعداد بان يعودوا كما كانوا في السابق، مواطنين من الدرجة الثانية، ولا الكرد مستعدون لان يعودوا مهمشين في بلادهم كما كان الامر في غابر الزمان، ولا الاقليات الاثنية والدينية تقبل بان تعود كشرائح مهمشة ومقموعة من قبل الاخرين، اقلية كانوا ام اغلبية، وان العراقيين يرفضون العودة الى عهد الانقلابات العسكرية عندما كان ينزو على السلطة حفنة من الضباط اللصوص ليسوقوا العباد بالحديد والنار مدد من الزمن لا يحصيها الا علم الله تعالى، ويسرقوا المال العام ويتصرفوا بالبلاد والعباد كهبات من رب العزة لهم وحدهم فقط.
لقد ولى ذلك الزمن من غير رجعة، فاولى لهم ثم اولى ان يتعقلوا فيتصرفوا بروية ووطنية اكثر، فلا يخدعوننا بشعاراتهم الكاذبة والمراوغة، اذ ليس بوسعهم ابدا اقناع احد بانهم يقاتلون ضد المحتل، فكم جهة منهم وضعت يدها اليوم بيد (المحتل) من وراء ستار؟ وكم فئة منهم تسلموا الاموال والدعم السياسي من الاميركان (الصليبيين والمحتلين) من دون ان يتذكروا آية واحدة من القران الكريم فيها ذكر لليهود والنصارى؟.
الم تشترك جبهة التوافق بالانتخابات وتدخل البرلمان والحكومة؟ الم يشارك زعيمها بكل الاجتماعات التي يحضرها سفير(الصليبيين) زاد؟ الم يتوافد ممثليهم على السفارة الاميركية في بغداد ليل نهار بين رائح وغاد؟.
دعونا من هذا الخداع، ودعوا الشعارات المزيفة جانبا، ولنعترف جميعا بان العراق المحتل لا يمكن ان يتحرر بالشعارات المزيفة والوعود النفاقية الكاذبة، انما بالعقل والوعي والاتفاق والاتحاد بين العراقيين وبالخطط الامنية والسياسية والاقتصادية الرزينة والمتينة والفاعلة.
كفى ايتام النظام البائد عنتريات وشعارات عفا عليها الزمن، واكتشفها حتى المغفلون، كفاهم رحلة الشتاء والصيف، ففي النهار مع زاد وفي الليل مع الارهابيين.
رابعا: ليعترف كل العراقيين، بان الفكر الشمولي فشل في العراق، كما ان التطرف فشل وسيفشل في العراق، دينيا كان ام (ليبراليا) لان المجتمع العراقي متعدد ومتنوع الى ابعد حد، ولذلك فان الفكر القومي فشل وسيفشل، كما ان اليسار فشل وسيفشل، لانهما مدرستين شموليتين ومتطرفتين وان على التيار الديني ان يتعلم من التجربة، اذ انه سيفشل اذا اراد ان يحمل فكرا شموليا او متطرفا.
كما ان على كل العراقيين ان يعترفوا بخطا النظام السياسي الذي بني على اساسه العراق مطلع القرن الماضي، والذي قام على اساس التمييز العنصري والطائفي، وعليهم جميعا الاعتراف بان التمييز بكل اشكاله الذي بنى عليه البريطانيون العراق الحديث، لا يصلح للعراق المتعدد، وان المساواة بين جميع المواطنين من دون تمييز، هو الحل الامثل والانجع لبناء دولة القانون الجديدة، وان من العيب حقا ان نسمع من لا زال يتحدث بلغة (هذا عجمي) وذاك (تبعة) والاخر(عراقي اصيل) محتجا بقانون الجنسية العراقية، الذي كتبه البريطانيون (الصليبيون) وفرضوه على العراقيين، او بقرارات الابعاد والتهجير واسقاط الجنسية التي اصدرها النظام البائد ضد مئات الالاف من العراقيين بسبب التمييز الطائفي البغيض، فالحارة صغيرة، كما يقول المثل، وكلنا يعرف بعضنا البعض، متمنيا ان لا نضطر في يوم من الايام للنزول الى مستوى اصحاب الطريقة هذه، لنكشف عن اصولهم التركية والقوقازية والداغستانية والفارسية والالبانية والهندية والروسية، والبقية تاتي في وقتها، وقديما قيل (كل شئ بوقته حلو).
3 نيسان 2007