لما لا نحيا بسلام ؟

لطالما ساءني ما يحدث هذه الأيام من مهاترات ومحاولات عابثة لتفريق شمل الأمة. حيث أن البعض يتناقلون أحاديثا مغلوطة يريدون بها التحدث عن الشيعة, في مؤلفاتهم ومقالاتهم دون أي تحر للدقة في تعبيرهم واحتجاجهم فنراهم يحتجون علينا بأحاديث لا نعرفها وينسبون إلينا ما نحن أبر واتقى من أن يكون منا، مع العلم أن الكل يعلم بأن ليس كل ما سطروه في كتبهم من الحديث يصح الاحتجاج به علينا.

وقد ورد عن الأئمة   قولهم «إن الناس قد ولعوا في الكذب علينا» وقولهم «لكل رجل منا من يكذب عليه» وبهذا المضمون أخبار كثيرة حتى لقد دست في أخبار المعصومين   اثنا عشر ألف حديث كاذب. لذلك تجدنا نحن الشيعة لا نأخذ إلا عن الثقة.

لذلك نأمل من إخواننا أبناء العامة المعاصرين من غير الشيعة لاسيما الطبقة المثقفة المتعلمة منهم ممن مارسوا الحياة الجديدة معنا أن يراعوا الدقة فيما نقلوا وفيما وصل إليهم عن الشيعة. فنحن لم تخلق لنا أذناب نخفيها حينا ونظهرها حينا آخر. وليس لنا أنياب متعطشة لإراقة دماء العباد. ولسنا أولاد متعة. نحن بشر من ولد ادم كما أنتم أسوياء في خلقتنا. نحن وانتم لآدم وادم من تراب. نشهد الشهادتين. وما على المفكر المنصف قبل كل شيء إلا أن يتعرف على الحديث الذي بين يديه ويرجع لكتب الثقة من الشيعة وإن لم يستطع ذهب إلى ما يذهب إليه مثقفين هذا القرن من عقد اللقاءات مع علماء الشيعة في عصره ليعرض عليهم كل ما وقع بين يديه فان ثبت أنه من المعمول به عندهم وجب له إلزامهم به ولا حجة في ذلك. وإن لم يثبت فلا سبيل له عليهم به إطلاقا.فلما لا نحيا بسلام؟؟

ولا يخفى على العقلاء أن اتفاق المسلمين واتحاد قلوبهم لا يتحقق إلا باجتماعهم على النهوض بجمع شمل الأمة ورتق فتقها وإصلاح ذات بينها, وهذا من الأمور الطبيعية التي تأخذ بيدنا إلى حيث المواطنة والعيش المشترك. وإرشاد من ضل من أبناء هذا الوطن الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا, ليكون مثاليا تحذو حذوه سائر الأوطان.

أما إن كانت قلوبنا شتى وأرواحنا متباغضة مفترقين على أنفسنا. لاهيين بإشباع شهواتنا غافلين عما خلقنا الباري إليه من عمارة الأرض وتهيئتها للعيش المشترك واحترام الأخر. ولبس بعضنا شخص قابيل وبسط يده لقتل أخاه هابيل. وجئنا بغراب كالغرب يرينا كيف نواري سوءة بعضنا. ونلف تلك الأجساد الطاهرة في خرق الشرق الأوسط الجديد. فإننا سنكون أبناءا بررة للغرب.

نقتل الأبرياء ونمشي بعدها في الأسواق كما فعل أبناء صهيون. فهل هذا ما نريد؟وهل يرضى لنا الله أن نكون خبرا من أخبار الزمن الغابر وهذا هو سبحانه وتعالى يقول في سورة النحل ﴿ ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا  ويقول: ﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .

متى يعلوا الصراخ ليكون صوتا واحدا تتصدع منه الجبال مناديا لا للطائفية. ونكون قلبا واحد وجسدا واحد لأن الفرقة باب من أبواب التلاشي والسقوط في الهاوية. هل باتت الوحدة أمرا مستحيلا تعجز عنه الأوهام.

إذن لما لا نحيا بسلام؟؟

لما لا نتحد فنحن إخوة شئنا أم أبينا،إن لم نكن أخوة في الأصل والمنشأ وهذا محال فنحن أخوة في الدين. كلنا ندين بدين الإسلام والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده. ألسنا كلنا كذلك؟ ألسنا كلنا نتلوا كتاب الله في أناء الليل وأطراف النهار ونسمع قوله مرارا وتكرارا زاجرا إيانا من أن نكون كأولئك الذين تفرقوا فضلوا.

قال تعالى في سورة آل عمران, آية 105 ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم . لما لا نحرك أقلامنا لما فيه صلاح الأمة ومداواة جراحها النازفة. لما لا يحترم كل منا الآخر شكلا ومضمونا بغض النظر عن انتماءاته السياسية أو الطائفية أو المذهبية. لما لا نتحد شيعة وسنة ونسمو بهذا الوطن الطاهر ونحمل على دعاة الهمجية والوحشية حملة رجل واحد.

قلوبنا كشيعة مفتوحة للجميع.و قلوب مشايخنا ومراجعنا العظام تكاد تفوق هذا الكون سعة وصبرا. ولكن من وجهة نظري مع احترامي للجميع أرى أنه لا وجود لما يسمى بالتقريب المذهبي لأننا مهما اجتمعنا في الأصول إلا أن هناك بعض الحقائق التي تختلف اختلافا جذريا وليست مجرد سرد تاريخي أو حالة عاطفية يسيطر عليها الهذيان من أبناء الطائفة الشيعية. نعم نحن أوفياء لوطننا وسنظل مادامت الدماء تتحرك في أجسادنا. ومهما كانت نظرة الأخر لنا. والتاريخ يشهد أننا لم نكن أحضانا للفرقة ولن نكون مرضعات للخصومة والتناحر.

لذلك أتمنى من أخواني في هذا الوطن ألا يكونوا دعاة إلى تكدير الصفو وتقطيع الجسم الملتئم ونخر عظامه ليأتون على آخر نفس من أنفاس إخوانهم الشيعة.

وكما أسلفت الدين الرسمي في هذه الدولة هو دين الإسلام ولكن الاختلاف في المذهب. والأخير أمر اختياري لا يستدعي كل ما نسمع عنه هذه الأيام من تكفير وابتداع.نعم نحن شيعة ولسنا أهل بدع بل أهل مبدأ. ولن نكون كفارا ولن نكفر بالله طرفة عين, ولن نبرر أفعالنا. ولن نخفي أفعالنا تقية ولن نتقدم بتلك المدية لنحر نفس من أنفس إخواننا السنة. فلما لا نكون كلنا مسلمون حقا نعتصم بمبدأ واحد وعقيدة واحدة وننادي كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه.

نحن كشيعة نسير على نهج الرسول  وأل بيته الأطهار ، ذلك النهج الذي نقله لنا الثقة والصفوة من الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم. وأنتم كسنة تسيرون على نهج الرسول  ونهج الصحابة. إذن فالرسول قاسم مشترك بيننا وبينكم على الأقل. وهل هذا القاسم المشترك والذي بعثه الله إلى البشرية جمعاء يستحق منا كل هذه المحاربة الشديدة وهذا الجدال العنيف الذي ما أنزل الله به من سلطان.

حتى غدا الصوت العالي وتبادل الشتائم من قواعد المناقشة في المحطات الفضائية والقنوات الإذاعية.

كلنا شيعة وسنة شئنا أم أبينا.فالشيعة هم الأتباع للرسول والآل والسنة هم أتباع سنة الرسول.فلما لا نحيا بسلام؟؟

كلنا كشيعة وسنة نعيش ظروفا حرجة وأزمات عصيبة ونحن أحوج ما نكون لاجتماع الكلمة والتعايش الاجتماعي والثقافي واستجماع القوة ودفن الضغائن. لأن الفرقة باتت نارا مستعرة يفوق شررها نار نمرود.

دعونا نرجع إلى السبب الرئيس في هذا الاختلاف ألا وهو الخلافة. وهذا ما أوغل القلوب من الطرفين وأدى إلى قيام النزاع على قدم وساق. ولكن هل يستدعي هذا الاختلاف كل هذا الضجيج حتى تكاد تتناثر منه أشلاءنا أوزاعا؟

كل منا له الحق بأن ينظر نظر المستفهم العاقل في أدلة الأخر لا نظر العدو البغيض الباحث عن الوقيعة حتى يصل إلى جادة الصواب ويخمد لهيب هذه الفتنه ويفكك عرى الخصومة. نحن كشيعة مقتنعون تماما بما لدينا ولا أظن أننا في حاجة لأي دليل على صحة مذهبنا. قل لي لما؟ أقول لك لأننا على يقين تام بأنا على الصواب. ولطالما وجدنا في كتبنا الكثير الكثير مما هو عقلي ونقلي والحمد لله على هذه النعمة. ولسنا في حاجة للتأثير على الأخر مادام ذلك الآخر يخشى على نفسه التأثر أو التذبذب في معتقداته.

من جهة أخرى نجد من إخواننا السنة من هو مقتنع تمام الاقتناع بما لديه بل يكاد يكون مكتفيا اكتفاء ذاتيا بما لديه من أدلة.لذلك أناشد الجميع أن يكون التقريب تقريبا ثقافيا اجتماعيا وليس مذهبي.. وليبقى الشيعي شيعي والسني سني. والعلماني علماني والجزاء غدا يوم الحساب.. ودعونا نحيا بسلام.

كفانا مناظرات.. كفانا جدلا واختلافا. لما نعيش إخوة في وطن واحد بررة يقوي بعضنا بعضا ويشد بعضنا أزر بعض لترضى نفوسنا وتستريح ضمائرنا. لما نحترم الآخر كما هو ونقبل كل ماهو مغاير لنا مذهبيا لنعيش حياة سهلة. لما لا نكون على الأقل جيران في وطن واحد ونحيا بسلام..

المراجع: كتاب الشيعة في عقائدهم وأحكامهم: السيد أمير محمد الكاظمي القزويني.