لنتكون... فالنفس تعبانة!
للنفس البشرية كما للطبيعة من حولنا حالات نادرة لو استثمرها الإنسان في وقتها لعادت عليه بأفضل النتائج، وللدخول في صلب الموضوع - دون إطالة - دعونا نتخيل أنفسنا في حالة من الضيق والعزلة نحتاج فيها لمن يمسح علينا ويواسينا بأحرف طيبة تدخل علينا الطمأنينة والراحة، وتتزامن هذه الحالة بمجيء ذلك الشخص الذي يقلب الحال على عقبه فماذا سيكون حالنا؟
في مبادرة تمتزج فيها الجدية بالطرفة في واقع قابل للتغيير والتبدل الباطني للإنسان، قال لي صديقي ذات مرة: نريد أن نجتمع لنتكون؟
- وكيف نتكون يا صديقي رضا؟ هل نحن ناقصون؟
- نعم، وبحاجة لمزيد من التغيير.
- وما هو ذلك التغيير؟ هل تقصد أن نتغيير في طريقة حياتنا ومع من نتعامل معهم؟
- ليس كذلك تماماً وإنما نبدأ من خلال التغير في تقوية العلاقة مع الله وأهل البيت أولاً.
- ولكننا بحاجة إلى نموذج رفيع يعيش بيننا نتزود منه ونستتبع خطاه .
- لنفترض عدم وجود النموذج...
- هنا لابد من التحرك أفراداً... أفرادا.
- وكيف ذلك..
- إذا اجتمعنا ستعرف كيف ذلك.
- الحاجة النفسية
انتهت محادثتنا القصيرة وظل كل واحد منا ينتظر اللقاء ليقدم أفضل ما عنده لصياغة جزئيات ذلك الدستور الناشيء عن حاجة نفس الإنسان إليه، خاصة عندما تكون مقبلة على تلقي العطاءات الإلهية. فعندما ترى اقبال النفس على الأعمال الصالحة من شغفها بسماع الدعاء والاطلاع على أحوال المعصومين والصالحين والرغبة في الاستزادة من الأخلاقيات الفاضلة، فلابد لك من تحقيق هذه الرغبات النفسية وتقديم الواجب بأفضله والسعي إلى القيام بالمستحب والإكثار منه، ذلك لأن النفس في هذه الحالة فاتحة ذراعيها لتلقي المزيد غير المعتاد في الظروف الأخرى، حيث تكون النفس في كامل طاقتها الاستيعابية ويكون القلب دليل الإنسان الصادق في مثل هذه الأحوال وطريقه إلى خير العمل، فعن أبي عبدالله أنه قال: «إذا رق أحدكم فليدع فإن القلب لا يرق حتى يخلص» (1) .
وهنا لابد من الإنتباه إلى فلسفة الأعمال الصالحة والشعائر الإلهية بتعددها وانعكاس تأديتها على حالة من يمارسها، فعندما تقوم بأداء عمل صالح أو تشارك في شعيرة دينية في باب المباح أو المندوب أو الواجب مخلصاً نيتك الله، ترى انعكاس ذلك العمل جلياً داخل نفسك، فتجد الرغبة في الاستزادة والمعرفة حول ما تؤديه وفضله ومكانته، فإن كان عملك لأجل حالة إنسانية، تجد مدى إيمانك بتلك الحالة ومدى استعدادك للإنفاق لأجلها، وإن كان لأجل إحياء قضية تجد كيف أن علاقتك تتعمق وتزداد وثاقة مع أصحاب تلك القضية التي شاركت بكل جوراحك من أجلها –ربما – دون حصول الشعور ذاته للآخرين، فلله الحمد على ما أعطاك.
فإذا كانت فلسفة الأعمال تنعكس على العمق الباطن للإنسان أمكنه ذلك من تغيير حاله إلى الأفضل تغييرا جذرياً خاصة مع وجود الرمز والمقتدى به المتمثل بشخوص أئمة الهدى ، فالإنسان يطمح دائماً لاقتفاء آثار القدوات لتغيير حاله إلى الأفضل لكي ينجو من مشكلات الحياة. « إن طبيعة هذه الحياة هي طبيعة المشاكل.. والفرد في خضم المشاكل ولا سيما العنيفة منها يفقد عادة الأمل، ويتحول إلى كائن قنوط وييأس من أي احتمال للتغيير، ولكن الإنسان المؤمن يمتليء قلبه بالرجاء والأمل حتى لتعرضه لأعتى المشاكل، وقد روي عن الإمام الصادق أنه قال: " إذا دعوت فظنّ أن حاجتك بالباب" فكما تنتظر زيارة ضيفك وتتوقع قدومه في كل لحظة، كذلك كن مفعماً بالأمل في الرحمة الإلهية وتوقع الإجابة في كل لحظة» (2) هكذا لابد ان ننتظر الإجابة بيقين الحصول واعتقاد الإجابة، وهنا يشير الإمام الصادق إلى معنى التوجه إذ يقول: «إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك فدونك دونك فقد قصد قصدك» (3).
- القدوة والرسالة
يقول الإمام زين العابدين -عليه السلام – « هلك من ليس له حكيماً يرشده... » وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة اتخاذ الفرد قدوة له في الحياة من العلماء الصالحين أو الأفراد المؤثرين، لذا ينبغي توافر شرطين أساسيين في الحكيم أو المرشد أو القدوة وهما:
الأول: كون القدوة رمزاً صالحاً في الحياة.
الثاني: سلامة الرسالة التي يقدمها وقدرتها على التأثير الداخلي للإنسان، فقد تجد قدوة صالحة في مجال الجد والعمل المستمر ولكنه يفتقد للعطاء الروحي والأخلاقي وما أشبه من الجوانب الأخرى.
فكثير من القدوات ساهمت بشكل وبآخر بتربية جيل على الصلاح والولاء للقضايا الإسلامية خصوصاً تلك المتعلقة بأهل بيت العصمة أمثال: الشيخ أحمد الوائلي – رحمه الله-، والشيخ عبدالحميد المهاجر – حفظه الله- حيث كان لهم الأثر البالغ في تربية جيل من الحسينيين المخلصين.
فكما للخطيب تأثير فإن للفقيه أيضاً تأثير أكبر، فربما تكون علاقتك بالفقيه المرجع علاقة حكم وأداء حق أو قراءة فكر أو التأثر برأي، ولكن عندما يكون الفقيه – مجتهداً أو مرجعاً- موجهاً ومربياً من خلال محاضراته المباشرة ، فإن لذلك عظيم الأثر في نفس المتلقي، وهنا أشير للتأثير الكبير الذي ألمسه من خلال محاضرات الفقيه المحقق آية الله السيد محمد رضا الشيرازي – حفظه الله- في مجالاتها المتنوعة: الأخلاقية – العقائدية – الولائية – الأسرية – الإجتماعية وتلك المتعلقة بعالم الآخرة والتي تساهم جميعها بشكل عميق في التأثير على المتلقي ، حيث الروايات والأحداث المستقاة من مدرسة أهل البيت .
لذا من الضروري على كل واحد منا اتخاذ قدوة صالحة من الخطباء والفقهاء الأعاظم - حفظ الله حيهم ورحم ميتهم- وخاصة في مجال العبادة والأخلاق والعلاقة الخاصة مع الله وأهل بيت نبيه ، فمع شديد الأسف يفتقد خطباء المنبر في مجتمعنا إلى التأثير الوجداني – الأخلاقي على نفوس المتلقين وابتعادهم بشكل واضح عن بناء الفرد البناء الأخلاقي اللازم بالتركيز على قضايا مهمة يكون الفرد عنصراً فيها مغفلين تربيته التربية الصحيحة ليكون العنصر الفاعل في السيطرة على مجريات الأحداث المختلفة، ولكن من رام شيء وصله أو مادونه.
02/05/1428هـ