أبناؤنا ومناهل الحياة
يعتبر التفاعل مع الأبناء والاهتمام بقضاياهم وشؤونهم المختلفة أمرا ضروريا ومحوريا في العملية التربوية‘ ولايمكن التعويض عنه أو استبداله كما أن تخلي المربين عن دورهم التربوي يعد انتكاسة كبرى على الصعيد الاجتماعي والتربوي لجهة الآثار السلبية المترتبة على ذلك .
مالذي يسهم في بناء الشخصية لأبنائنا ؟
هناك عدة مدارس تساهم في تأهيل الشخصية الكريمة التي تتمتع بالروح السوية .. وهي :
1/ مدرسة الأسرة
2/ المدرسةالاكاديمية وعلاقتها بالأسرة .
3/ مدرسة المجتمع .
4/ مدرسة الإعلام.
5/ المدرسة الإسلامية.
- مدرسة ألأسرة:
هي المكون الأساسي لبناء المجتمع. وقد اعتبر علماء المنهج التربوي إن ألأسرة هي العمود الفقري في بناء شخصية الابناء والعنصر المهم الذي يدور حوله أفراد الأسرة. والثقل الكبير والرافد الأهم الذي يغدي الأسرة بالعطف والحنان والدفء والتسامح وأهمية العلم فكل امرأة مثالية السلوك والمنهج هي مدرسة كاملة تؤدي دورها في ساحة الحياة اليومية ، وتجاهد من زاويتها جهادا تربويا . لذا فهي بحاجة إلى منهج تربوي صالح تلتزم به في مسيرة حياتها لأنها بتماس مباشرمع الأطفال طوال اليوم والشهر والسنة . - عامل القدوة :
التعليم بواسطة القدوة حقيقة ناجحة إذ ليس هناك أحد من الآباء يحاول عن قصد أن يجعل ابنه جبانا أو خجولا أو طائشا ،أو كذابا أو مستهترا بالواجب والمسؤوليات أو منحرفا علما بأنه يمكن اكتسابها من محيط المجتمع فيفشلون في الحصول على الأمان ووضع الاحترام لأنفسهم وغيرهم .
ولكي يكونوا الآباء قدوة داخل أسرهم عليهم تطبيق ما يلى :
* الاحترام المتبادل مثلا ..
* الوقوف للكبار بمجرد مجيئهم ، وإفساح المكان لهم .
* عدم مقاطعة الكبار وهم يتحدثون
* عند تحدث الصغار يجب التصرف حيالهم والإصغاء لهم وكأنهم كبارا .
* تجنب رفع الصوت عند الحديث ومن المؤكد أن المدخل الطبيعي لقلوب الأطفال وكسب تقديرهم واحترامهم ومخاطبتهم بكل الكلمات الايجابية . يجعل منهم إيجابيين.
* إذا لم تكن موافقا أو مؤيدا لما تسمعه فإذا كان من أكبر منك سنًا فعليك الابتسامة اللطيفة وتستسمحه في التعبير عن رأيك كأن تقول مثلا .. أتسمح لي أن أعرض وجهة نظري أنا أيضا، وتعبر بلطف وصدق عما تريد التعبير عنه . أما إذا كان أصغر منك سنا فعليك أيضا أن توضح أو تشرح ما تود قوله بأسلوب لين . كأن تقول مثلا : أظن لو أن ... لكان أفضل ..
* طلب الاستشارة والرأي إذا لزم الأمر .
* لو كنت قد اتخدت قرارا يخص الأسرة فعليك أن تخبرهم جميعا غالبا وأنتم على المائدة بهذا القرار وبشكل مفرح .
*عند التحدث مع الآخرين لا بد من الابتعاد عن العبارات التي تنم عن السخرية أو الاستهزاء .
* تجنب العنف بأشكاله .. شد الملابس ، الضرب ، الدفع ، الصراخ ، الاستهجان ، ألفاظ التهديد .. واستبدالها بالحوار المبني على توضيح الأسباب التي دعت هدا الموقف.
* ضرورة التنويه بجهد العمل .. كإعداد الطعام والمائدة واستحسان ما قاموا به بكلمات المجاملة المعتادة " تسلم الأيادي " " طعام لديد مانأكل مثله في مكان ثاني " " تنسيق بديع .."
ـ ضرورة تعويد الأبناء في حسن استقبال والدهم عند عودته من عمله وتقبيل رأسه والدعاء له بالعافية..
* اعطاء الأبناء التعود على الارتياح أثناء الحديث معهم ويكون دور الام دورا رائدا في هدا الصدد وهو أمر ميسر للأمهات أكثر من الآباء .
* القراءة والاطلاع والاهتمام بالتعليم . :
إيجاد مكتبة في المنزل،واصطحاب الأبناء ومشاورتهم عند شراء الكتب وتزويدها بكل ما هو جديد. فمداومة الآباء على القراءة واقتناء الكتاب أو الصحيفة تعكس قدرا كبيرا من المصداقية عن شخصية المربي الحقيقية وبالتالي تخلق عند المتلقي صورة حسنة وطيبة عنه ليكون فيما بعد المثال والقدوة.
ولا شك أن الابن ( المتلقي ) سيتعلم الكثير من مدرسة ألأسرة حيث ينصهر القول والعمل وتتحد النظرية والسلوك . .
ولاشك أن مربيا على قدرا من السلوك والثقافة والوعي ... سيخطف ألألباب وسيتربع على القلوب وسيحظى بالاحترام والتقدير
- المدرسة الأكاديمية:
المدرسة هي منشط ثقافي ورياضي وبرامج لا توجد في البيت .. وإن كانت ألأسرة الحضن ألأول للطالب الا أن برامج المدرسة تستهدف العقل والفكر والنفس لحماية الطلاب من الانحراف نحو هاوية الضلال وخلف كل فكر يهدم آمال الشباب ويأتي على مقدرات الوطن وخيراته وأمنه .
ورسالة المدرسة تكمن في إعداد جيل يستطيع أن يؤدي دوره الاجتماعي والوطن بكل اقتدار سلاحه في هدا ( العلم ، الفكر ، القيم الإسلامية ، المواطنة الصادقة ..) ولو تمسكنا بهده القيم والمعاني الرائعة كجزء من دروس التربية في البيت والمدرسة والمسجد لتحقق الخير والصلاح لأبناء أمتنا.
- المدرسة وعلاقتها الوطيدة بمدرسة الأسرة :
المحور الفاعل في هده المدرسة ( المعلم ) .
قرأت في مجلة المعرفة العدد ( 93 ) مقال بعنوان: هل زرت هدا الصف ؟ للكاتب عبد الله الجغيمان . يقول :
أذهلني ما شاهدته من فنون التعامل الراقي بين المعلم ( آدم ) وتلاميذه حتى أنك لا تدري من أي شيء تتعجب أمن الحب الشديد المتبادل بين المعلم وتلاميذه ، أم من الحيويه والتفاعل عالي المستوى ، أم من الروح المعنوية المرتفعة عند الجميع بما فيهم أنا .
صورة خلابة لصف دراسي لا يتميز كثيرا بإمكاناته المادية ولا التقنية ولكن بامكاناته البشرية.
يتكون الصف من 28 طالب وطالبة موزعين على سبع مجموعات في وسط الصف تبدو طاولة على شكل نصف دائرة تتناوب مجموعة التلاميذ عليها لعرض ومناقشة ما يقومون بانجازه مع معلمهم . الحائط المقابل للتلاميذ مقسم إلى نصفين نصف عليها السبورة والنصف الآخر عليها أربع لوحات متوسطة الحجم يمكن تغيير مستواها باستمرار. اللوحة الأولى حول أحوال الطقس اليومية ، والثانية تعرض بالصور أهم الاخبار المحلية والعالمية ، والثالثة لعرض أسماء المتميز ين في الجالات المتنوعة لليوم السابق ، والرابعة لتوزيع مسؤوليات الصف بين التلاميذ . يتم استعراض محتويات هده اللوحات في العشرين الدقيقة من اليوم الدراسي.
** فالمدرس المربي هو الذي لا يقوم بعملية التدريس وحده بل يوزع عبء التدريس بينه وبين تلاميذه ودلك بان يقود أفكارهم من مرحلة إلى أخرى بحيث لا يجعل منهم مقلدين يحاكونه في كل شيء يرددون ما يقوله من غير تدبر ولا إعمال فكر ، بل يحملهم على التفكير بأنفسهم ( التعلم الذاتي )
** والمدرس الماهر هو الذي يجعل من عنصر التغيير سواء في الطريقة أو ألأسلوب.
ـ والمدرس الماهر هو الذي يجتدب تلاميذه ويحملهم على الانتباه ولا يكون ذلك الابالحوار .
يؤكد ابن خلدون على الطريقة الصحيحة في التعليم هي التي تهتم بالفهم ، ويؤكد أن ملكة العلم تحصل بالمحاورة والمناظرة ويكون دور المعلم هنا كمشارك لا كملقن وبدلك يتمكن الأطفال من استخدام لغتهم مع شخص يتكلمها بشكل أفضل .
إذا المعلم موجه لعملية التربية والتعليم وليس مسيطرا عليها . ولكن للأسف الشديد تجدهده النظرية معارضة من قبل بعض المعلمين والآباء لصعوبة يجدونها في التنازل عن هده السيطرة إن فعلوا ذلك فقدوا التحكم بمجريات الأمور .
يقول المعلم آدم : أنه من واقع تجربة وممارسة :
إن توفير هدا النوع من التعليم لا يعني فقدان زمام الامور ولكن يعني توفير إيطار عملى للتعليم مصحوبا بتطلعات إيجابية لما يمكن إن يحققه المتعلمون ومجال واسع للتوجيه الذاتي .
فالتعليم الأكاديمي في حقيقته وجوهره مكملا لدور مدرسة الأسرة فلا يقتصر على تلك الدروس اليومية التي يأخذها الطالب في المدرسة ، بل قبل دلك فلسفة كاملة تسهم في بنائها وتحقيقها على المواد الدراسية والمعارف والممارسات التي تبدأ من الفرد من طفولته التي تغرس فيها بدور مستقبل حياته السلوكية وتنمي فيها حواسه ومرورا بكل موارد الثقافية والعلمية والتدريبية وانتهاء بمجموعة الخبرات والمسالك المتراكمة التي يتحصل عليها في شيخوخته وينقلها إلى الأجيال من بعده .
مالمطلوب من العمليةالتعليمية في مختلف مراحلها ؟
* ينبغي أن تكون فلسفة وأهداف ومحتوى متجه نحو تطوير قدرات الإنسان العقلية والفكرية ، حتى يتسنى للطالب من مواكبة التطورات العلمية الهائلة التي تشهدها البشرية في هده الحقبة من الزمن .
- مدرسة المجتمع :
إن مشاريع التعليم والتثقيف الاجتماعي تتجه لبناء الإنسان وهو الرأسمال الحقيقي لأي مجتمع فالتعليم ليس مفصولا عن العملية الاجتماعية لذا ينبغي أن يكون بينهما انسجاما وتناغما بين ما يأخذه الإنسان في قاعات الدروس وما يجده في الشارع.
ماذا يريد أبنائنا بفئاتهم العمرية المختلفةومراحلهم الدراسية من المجتمع ؟
قبل الإجابة على السؤال لا بد من التذكير بأنه لا يصح أن تعتقد فئة من فئات المجتمع أنها بمنأ عن المسؤولية في حال تردي الجيل تربويا أوأنها غير مساهمة في حال سموه . ومع أنه يمكن اعتبار العملية التربوية فردية في مبدئها إلا أنها جماعية الأهداف والنتائج فعناية الأسرة بالطفل في سنين عمره الأولى تجعل من الأسرة مدرسة تعتني بابنها أو أبنائها وتوجيه المجتمع يلازمه في مغداه ومراحه وفي كل جوانب الحياة بل ويمتد إليه وهو في كنف أسرته ليكون هذا المجتمع مدرسة بلا أسوار .
فالأبناء بنظرتهم المثالية إلى جميع أطياف المجتمع يحتاجون ‘إلى :
* مجتمع أخلاقي منضبط يلتزم أفراده ومؤسساته بحشد من القيم والمعايير والضوابط من أجل لا يجنح به ميل أوهوى .
** أن يحفظ لهم قيمتهم واستقلاليتهم باعتبارهم رجال الغد ويرفع من معنوياتهم ويعلى شأنهم وبأخد بأيديهم لبلوغ ما عجز عنه سابقوه .
*** يؤمن لهم مستقبلا يوازي مستقبل أقرانهم الذين يتساوون معهم في مستوى التأهيل والقدرات من خلال فرص متكافئة دون تميز بعضهم على حساب بعض
**** تقدم لهم أساليب المعرفة ووسائل التعلم والترفيه في جو نقي يعلو بنفوسهم وأخلاقهم وأجسادهم على حد سواء .
إن مقياس التفوق الحضاري لا يكمن في حجم الإنتاج الكمي بقدر ما يكمن في مدى أخلاقية المجتمع المتحضر ، وسعيه لخدمة الأهداف الإنسانية الشاملة وأننا بمجرد أن نلقي نظرة سريعة على حضارتنا الإسلامية في عصور تألقها ونقارن ذلك بمعطيات الحضارة المعاصرة على المستوى الإنساني سنضع أيدينا على قيمة هدا المقياس وأهميته القصوى . لذا تنفرد مجتمعات الحضارة الإسلامية بطرح شعارات الإنسانية الشاملة المنبثقة عن قيم الحق والعدل التي صاغها القرآن الكريم ( أعدلوا هو أقرب للتقوى ) المائدة 8 وقال: ( إذا قلتم اعدلوا ولو كان ذا قربى ) 152 الإنعام.
فالصدق والامانة ، تحمل المسؤولية ، الشجاعة الصبر الإخلاص التضحية ، الإيثار ، مقاومة الإغراءات ، التجرد الصمود ، ....ويطرح القرآن في المقابل النقائض السالبة لهده الأخلاقيات كالكذب والغش والتزوير والتهرب والجبن.........وغير دلك داعيا المسلمين أفرادا وجماعات إلى مكافحتها دون هوادة وإلى استئصالها من أعماق نفوسهم ونسيج علاقاتهم الاجتماعية .
لهذا فان الأسرة والمدرسة والمجتمع وجوه متعددة لشيء واحد ، غير أن لكل منها دور يتحدد من خلال المجتمع اما أو ابا ، إمام مسجد أو كاتبا ، صحفيا ..........وبهدا التمايز في الأدوار والاتحاد في الأهداف يتحقق التكامل المنشود .
- مدرسة الإعلام:
يتعاظم دور الإعلام الحديث يوما بعد آخر في حياتنا المعاصرة ، حيث أصبح يمتلك من التأثير والقدرة على التغير في مختلف الأبعاد والحقول أ كثر ربما من أي وسيلة حديثة أخرى فالإعلام المعاصر بمختلف أوعيته ووسائله أصبح قادرا على صناعة الرأي العام وتوجيهه وتحريك مجريات الأحداث وتشكيل ثقافة عامة وخلق سلوكيات جديدة عند الافراد والمجتمعات . وهدا كله يعطي للإعلام أهمية قصوى وخطيرة في الوقت نفسه وتنبع الأهمية من القدرة الفائقة على التأثير والتغير . وتنشأ الخطورة من قدرة الإعلام على تزيف الحقائق ، وتزين الباطل وقلب الأمور رأسا على عقب .مانريده من مدرسة الإعلام المعاصرة :
* إيقاف عمليات الهدم المتعمدة لما تبنته التربية من قيم سامية في نفوس الناشئة.
* عدم بث برامج الإسفاف والهبوط الأخلاقي والاستثارة الرخيصة للغرائز .
* العدالة في النقد والصدق في النصح والنزاهة في معالجة مشكلات النظام التربوي .
* بث العلوم الإسلامية مع تجديد ما يقابل التجديد في الجانب المتغير من الفكر الاسلامي والمحافظة على الثوابت التي لا تقبل التغير والتبدل مهما تبدل الزمان وتغير .
- مدرسة الإسلام:
تعد هده المدرسة المنهل ألأساسي للمدارس السابقة حيث تقتبس منها أسس التربية الصحيحة.
يمثل الرسول الأعظم المعلم الأول للمسلمين قال تعالى: ( لقد من الله على المؤمنين ‘ إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ظلال مبين ). وقد تفسر كلمة ( تزكية ) بأنها تربية ولكنها أوسع من التربية وهي تعني التنمية أي التربية التي تنمي.
وهناك نصوص كثيرة في القرآن مثل قصة لقمان مع ابنه الحكيم التي يمكننا أن نستوحي منها دلالات تربوية ذات مضمون غني في مجال اكتساب المهارات اللازمة في عملية التوجيه التربوية . وتقدم لنا عبر كلمات بسيطة ضمن صور حيوية منهجا متقدما بطرق التوجيه والتنشئة يقول عز وجل في محكم كتابه ( ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غنيا حميد ، وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه ....)
كذلك في مدرسة النبي محمد الذي يمثلها المسجد وبدأت الدروس بـ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ وعمل بجد على نشر الثقافة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان بالرغم من عداء قريش واعتمد منهجها القرآن الكريم وتعاليم الرسول الأعظم أما تلاميذها فهم أهل بيته وصحابته والمحدثين والرواة الذين عملوا جاهدين تحويل واقع العلوم والمعارف المكتسبة منها إلى واقع عملي تطبيقي .
ولقد اتصف هذا المنهج بعدم خدش حرية الفكر وكفل حقوق الفرد والجماعة ولا يضيع حرمة الاختيار.
فقد جعل للمسلمين فيما بينهم ولاية التواصي بالحق والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر والحراسة لحدود الله وحرماته .
فالمدارس التي تطرق لها البحث كنا نبحث فيها عن رؤية من منظور إسلامي غاية القصوى ( تنمية الفرد لأنه اللبنة فبصلاحه يصلح المحيط وبفساده تنهارالمجتمعات ).