السيدة الزهراء (عليها السلام) قدوة السيرة وظلم المسيرة
عندما نريد أن نكتب في شخصية عملاقة نحتار وإيما حيرة ، ويخجل القلم ويطوي كشحاً في أن تمتد اليد فتنبري للمثل هذه الشخصيات ولاسيما إذا كانت لأحد من أهل البيت .
ولعل أقرب الشخصيات لهذه الأيام هي شخصية سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وعندما نقول فاطمة الزهراء فهل تعّرف من اسمها أم لا؟.
الإجابة بطبيعة الحال ، نعم فإذا هي لا تحتاج إلى مزيد من البيان والتعريف فمكانتها أبرز وأشهر من أن تبين فهي من خلال الكثير من أسمائها وألقابها عرفت،
وشخصيتها معلومة لدى كل قاصي وداني ، فهي في شخصيتها كذلك ، وإليك بعض من أسمائها وألقابها أن أردت..
فمن أسمائها ، فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية .. وهذه من أسمائها عند الله تعالى، ولكل علة وسبب، فمن ذلك ما روي عن الإمام الرضا ( قال: قال رسول الله ( يا فاطمة أتدرين لم سميت فاطمة ؟ قال علي: لم سميت ؟ قال : لأنها فطمت هي وشيعتها من النار(1).
وكيف لا ، وهي أم أبيها. وكثير ما نسمع أنها أم أبيها ، فما العلة في هذا وما معنى ذلك ، يقول آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر الخاقاني ( كان وجود الرسول يحكي مثالية الأبوة لفاطمة وكانت فاطمة تحكي للرسول مثالية البنوة والأمومة بما تحمل من عظيم العطف والحنان والراحة لنفس الرسول ، فلعل هذا يكون هو المراد من فاطمة أم أبيها(2).
وهذا يبين بدلالة واضحة فضلها عند أبيها سلام الله عليها وهذا ليس بغريب على امرأة انعقدت نطفتها من الجنة (3) فهي ليست كباقي النساء.
وظلت هذه المرأة ترفل في ثياب عزها ومجدها ومعرفة فضلها حتى كدر عيشها أول مصيبة تقرع باب حياتها وهي وفاة أبيها.
فبدأت المحن والمصائب تترى من قضية فدك وغصبها حقها إلى ظلامتها وضربها إلى تضييع حقها حتى في مجرد معرفة مكان قبرها..
فلو مررنا مرور موجز على فدك مع الزهراء لأطلعتنا الكثير من المصادر استحقاق السيدة الزهراء لفدك أولها القرآن الكريم وهو أولى من غيره للاستشهاد به فإن ما عارضه ما لنا إلا أن نضرب به عرض الجدار..
من ذلك قوله تعالى( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل)(4).
فما أن نزلت الآية الكريمة حتى دعا النبي فاطمة فأعطاها فدكاً(5).
وقال جملة من المفسرين لعله يصل إلى حد التواتر( 6).
فهل تكون هناك عبرة لحديث آحاد(7) أمام هذا الإجماع على معنى هذه الآية وتفسيرها.
فلو كان هناك لهذا الحديث عبرة شرعية فلماذا يخالف بعض الخلفاء الحديث ويقوم بإرجاع فدك مرة أخرى إلى أهل البيت كما فعل عمر بن عبدا لعزيز(8).
فقد أرتكب أثما بمخالفته قول الرسول أن كان النبي (صلى الله عيه وآله وسلم) قد قال الحديث. وأن كان لم يقله فقد خالف النبي مَن تقول عليه ، فعليه لابد من أن أحدهما قد أخطأ.
وقبل هذا وذاك مطالبة السيدة الزهراء بفدك أ فهل يعقل أن يطالب أحدنا بشيء ليس له، فضلاً عن السيدة الزهراء.
وأخيراً احتجاج السيدة الزهراء وإثباتها بأن ذلك حق لها ورثته عن أبيها وإن الأنبياء يورثون مستدلةً بقوله تعالى (( وورث سليمان داوود))(9).
وللأسف الشديد تظل هذه السيدة العظيمة تتجرع الألم بعد الألم والظلامة بعد الظلامة حتى تلقى الظلامة الكبرى من إيذائها وضربها ولطمها وذلك من أمة أبيها ، وتمر السنون من ذلك الزمان إلى هذا الزمان ليأتي من هو من شيعتها لينكر ما جرى عليها أو يشكك فيه مع وضوح الموقف ونصوع التاريخ..
وهناك نقاط بارزة وجلية وواضحة تبين ذلك وهي مرسومة إلى اليوم نراها رأي العين..
فبمجرد أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة تتبين ظلامة الزهراء ، فأين قبرها ؟ لماذا دفنت ليلاً ؟ لماذا لم يشارك أكثر الصحابة في دفنها وهي بنت نبيهم ؟ لماذا ماتت وهي غاضبة على بعض الصحابة؟.
أيختلف أحد على إجابة هذه الأسئلة وأنها تحمل في طياتها الكثير من الاستفسارات الهامة والتي تعود بالتالي إلى الإجابة الواحدة والموحدة بأنه إنما كان هناك شيء
ما في نفس الزهراء على بعض الصحابة ..
لمعرفة ذلك لا نتكلف شيء غير فتح كتب التاريخ والحديث لمعرفة الحقيقة جلية واضحة..
يقول الرسول الأعظم ( فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني )(10).
ومعلوم لدى الجميع من أغضب الزهراء..
ولعل البعض يخفف الوطء على من أغضب السيدة الزهراء(عليها السلام) فيقول نعم أغضبها ولكنها عفت عنه في آخر حياتها ، نقول له أين أنت عن صحيح البخاري الذي يقول أنها (هجرته فلم تكلمه حتى توفيت )( 11).
ويا ليت أن الأمور وقفت عند هذا الحد فهم لم يعتدوا على بنت نبيهم بالضرب والأهانة ، فقد ضربوها ولطموها وفعلوا ما فعلوا مما أثبت في التاريخ (12)، وللأسف كما قلنا سابقا يأتي بعض مما حسب على شيعة الزهراء وينفي ذلك أو يشكك فيه رغم أن التاريخ وأمهات الكتب قد أثبتت ذلك(13).
وبالنتيجة فإن السيدة الزهراء عاشت حياة ظلم وبؤس بعد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) من أولئك في ذلك الزمان ومن هؤلاء في هذا الزمان ولم يسليها ويطيب جراحها
إلا قول أبيها(صلى الله عليه وآله وسلم) لها أنها أول أهل بيته لحوق به (14).
والحمد لله الذي قيّض لها من أبنائها وشيعتها من يدافع عنها ويأخذ بحقها..