شمعة تطفئها البطالة
شباب في سن الزهور يقفون على الطرقات والواجهات البحرية منهم من يفحط بسيارته ومنهم من يشجع ويصفق، والمجتمع يقف موقف المتفرج يلقي اللوم والعتاب والتشكيك في التربية.
إننا نرى الجامعي دون وظيفة, وخريج الثانوية دون الجامعة, ونرى الفتاة تنتظر سلك التعليم الذي يعلن اكتفاءه الذاتي, والعمل في المناطق النائية شبح يطارد أسرتها, ويهددها بالانهيار.
من المسؤول عن روح الوطن وزهرته هل وزارة العمل والتخطيط التي لم تنعش حياة الشباب بوظيفة؟ أم البلديات التي لم تطلق العنان لطاقتهم المكبوتة بوجود أماكن ترفيهية؟ ام المجتمع الذي يلومهم ويعتب عليهم حينما يخربون ويدمرون البلد الذي احتضنهم ولم يوفر احتياجاتهم أو يجوبون الشوارع ذهابا وإيابا من أجل لفت الانتباه إلى معاناتهم؟
- استفهامات محيرة لا نجد لها جوابا..
الشباب طاقة إنتاج في المجتمع تحتاج لمن يدفعها نحو العلم والعمل, فإذا لم تستغل تلك الطاقة تتحول إلى طاقة دمار وخراب, هذه المشكلة يواجهها العالم العربي بمختلف أقطاره، وقد وصفت منظمة العمل العربية الوضع بأنه الأسوأ بين جميع مناطق العالم, ففي الوقت الذي لا يتجاوز متوسط معدل البطالة في العالم 6 بالمائة تشير أحدث التقديرات إلى أن نسب البطالة في العالم العربي تبلغ حاليا ما يتراوح بين 20 و25 بالمائة, فكما تشتكي الدول العربية من أكبر نسبة عاطلين عن العمل تقوم سنويا بتوظيف مئات الآلاف من الأجانب، في المقابل تقف حائرة في كيفية استغلال طاقة الشباب وتوفير ما تستلزم حياتهم،لأن التضارب في حجم معدل البطالة وعدم وجود مقاييس دقيقة في مستوى حجم البطالة يؤدي إلى عدم الدقة في إيجاد منافذ القضاء عليها وهذا ما تطالعنا بعض إحصائيات البطالة والتي تبدأ من 9% إلى 20%.
من أسباب البطالة في المجتمعات وفي المجتمع السعودي بشكل خاص نقص الجامعات التي تستوعب أعداد الطلاب والطالبات المتخرجات, وعدم فتح أبواب الدراسة الجامعية لهم مما يؤدي إلى كثرة حاملي الشهادة الثانوية, وعدم قبول أرباب العمل بذلك, وان قبل الشاب بأي وظيفة فان الراتب القليل لا يسد الحاجات الضرورية لمعيشته, السبب الآخر عدم التناسب بين مخرجات الدراسة وسوق العمل وهذا مانراه في زيادة أعداد المتخرجين في التخصصات النظرية والإنسانية والنقص الواضح في التخصصات الفنية والحرفية,، فحينما نبحث عن المهندس أو الفني نرى الأجنبي ماثلا أمامنا والذي يتنافس مع المواطن في احتلال موقعه الذي عرج له بكفاءته وبدراسته في دولته، فالنقص الفني ضعف من وجود الشباب في الكثير من الأعمال, كذلك المرأة التي زجت في التخصصات التعليمية والصحية فقط ولم تفتح أمامها أبواب المجالات الفنية لتبرز كفاءتها فيها أدى ذلك إلى كثرة الخريجات التربويات العاطلات عن العمل، فالطالبة التي تدرس أدبا انجليزيا لا يؤهلها أن تعمل مترجمة في مستشفى أو في فندق أو في شركة طيران, والتي تدرس علم حيوان لا تستطيع بشهادتها أن تعمل في البيطرة وهكذا بقية التخصصات. كل هذا جعل الخريجات جالسات في منازلهن وقطار الحياة يسير عنهن تتلاطم بهن أمواج الدخل المحدود وعباب المعيشة المرتفعة.
كذلك عدم التأهيل النفسي والاجتماعي عند الشاب السعودي للانخراط في مجالات العمل المتنوعة لأنه عاش فترة الطفرة النفطية, فلم يتعود على الحياة الدونية، فدائما يتطلع إلى الأعمال ذات المناصب العالية, وإن لم يحمل شهادة تؤهله لذلك،ساعد هذا إلى العزوف عن أي عمل لا يتناسب مع مستوى المجتمع المادي, لكن قد يساعد في تغيير هذه النظرة زيادة الراتب الشهري الذي يتقاضاه، وهذا ما طبقته البنوك التي توجهت إلى سعودة الوظائف وتقديم رواتب مغرية وذلك باعتمادها خططا تدريبية للشباب والاستفادة منهم, السبب الآخر نظرة القطاع الخاص للشباب السعودي انه غير مؤهل وليس بذات كفاءة, وليس لديه حس المسؤولية فيُستغل الموظف, وتُستغل رغبته في العمل في منع بعض الميزات التي تتوفر للأجنبي،فتعطيه راتبا لا يتناسب مع الوقت والعمل الذي يقدمه لها، فاختلاف المزايا الوظيفية بين المؤسسات والشركات الخاصة وبين القطاع الحكومي يكون دافعا لرفض العمل, والاكتفاء بالبطالة.
هذه الأسباب إذا تواجدت حققت البطالة وضعفت الروابط الأسرية بين الشباب وبين أسرهم، وقللت فرصة التأثير عليهم من الناحية الأخلاقية, والتربوية، فانخفاض عملية الضبط الاجتماعي والأسري, يؤدي إلى استعداد الشباب للجنوح وسهولة وقوعهم مع رفقاء السوء الذين يوفرون لهم ما يحتاجونه من ماديات, فإذا ضعف التأثير الأسري والاجتماعي وقل المال في يد الشاب ارتفع مستوى الفساد الأخلاقي الذي يتنافى مع الدين والعادات والتقاليد الاجتماعية كالسرقة والمخدرات،كذلك تخلق عنده ضعف الوازع الديني وشرعية الاعتداء على أملاك الدولة وعدم الاهتمام بأرواح الناس لأنه يفقد الشعور بالانتماء للوطن ويشعر أنه ناقص فيدفعه ذلك إلى النقمة على المجتمع وان له الأحقية في التصرف في كل شيء مادامت الدولة لم توفر له احتياجاته.
كلما زادت البطالة ازداد الفقر وازدادت الأنظار السيئة في استغلال هؤلاء الفقراء لزجهم في الجرائم.
وشدد التقرير الذي أصدرته وزارة الاقتصاد والتخطيط أن خط الفقر المدقع في السعودية قدر بنحو دولارين في اليوم للفرد «جريدة الرياض الجمعة 12/ 2/ 1428هـ بادي البدراني» أي ماقيمته 225 ريال في الشهر وهذا المبلغ لا يكفي أسبوعا وليس شهرا!! المملكة تعتزم القضاء على الفقر كليا عام 2009 ولكن تواجهها تحديات تحقيق هذا الهدف كون الفقر متعدد الأبعاد. التجارب العالمية تبين أن خطر الفقر يبقى مهدداً لبعض شرائح المجتمع مهما كان المجتمع متطورا أو متقدما. لذا كان من المهم توفير حماية اجتماعية ذات كفاءة عالية للرصد الدائم لحالات الفقر، وهذه تهدف إلى محاربة ظاهرة الفقر قبل تفشيها وانتشارها ومعالجة تأثيراتها بالتعاون مع الجمعيات الخيرية التي يقدر عددها بـ«343» جمعية موزعة على مختلف مناطق المملكة في عمل إحصائية بحجم الشباب العاطل عن العمل,وحجم الفقراء وإمدادها بمبلغ مالي يتناسب مع حجم الفقراء في كل منطقة لأنها الأعرف بحاجتهم.
البطالة مشكلة حقيقة تورطت الدول بها, لابد من التفكير الجدي والصحيح لحل هذه المشكلة, أما الكلمات والحوارات والتوصيات على الورق, فلا تجدي نفعا إذا لم تترجم إلى برنامج عملي يستفيد الشباب منه, ويتحول الوطن إلى بلد عمل لا بلد يضم بين دفتيه أعدادا كبيرة من العاطلين عن العمل, الذين يجوبون الشوارع طوال اليوم وينضمون إلى جماعات لا تخاف الله, فيعيثون في الأرض فسادا.