شارك في صنع التاريخ !
إننا عندما نقرأ التاريخ نجد أسماء بعض الأشخاص تبوأت مكاناً في الأفق وذلك بسبب ما قاموا به من أعمال صالحة أو أقوال مُحببة وجميلة , ومن هؤلاء ( حاتم الطائي الذي اشتهر بالكرم وقس الأيادي الذي اشتهر بالبلاغة وغيرهما ممن ذكره التاريخ.
وقد نجد في الجهة المقابلة أسماء بعض الأشخاص لطخة سمعتها بالمساوئ التي فعلتها , فأسكنت نفسها مزابل التاريخ , وللأسف هم أكثر من الفئة السابقة ومن هؤلاء ( مسيلمة الكذاب ويزيد بن معاوية الأموي وأشكالهما ممن سكن تلك المزابل.
أما في هذا العصر الراهن فإننا نرى الناس يتسابقون لينضموا إلى إحدى تلك الفئتين , والسعيد من دخل ضمن الفئة الأولى الصالحة ودعا إلى العمل الفاضل بكل وسيلة ممكنة لديه , والتعيس من اتجه إلى الفئة الثانية الطالحة ونشر كل عمل فاضح وشجع عليه ومارسه.
ولو نظرنا في تاريخ الماضين وآثارهم , لوجدنا أن ارتباط الماضي بالحاضر يكشف مسؤولية الأجيال القادمة , ويوقفها على واجبها , وهذا يعني أن لله تعالى سنناً لا تختص بالأقوام الماضين فقط , بل هي قوانين وسنن عامة في الحياة تجري على الحاضرين كما جرت على الماضين سواء بسواء , وهي سنن للتقدم والبقاء , وسنن للتدهور والاندحار , التقدم للمؤمنين المتحدين الواعين , والتدهور والاندحار للأفراد الغارقة في الذنوب والآثام.
إن للتاريخ أهمية حيوية لكل أمة من الأمم , لأن التاريخ يعكس الخصوصيات الأخلاقية والأعمال الصالحة وغير الصالحة , والأفكار التي كانت سائدة في الأجيال السابقة , كما يكشف عن علل سقوط المجتمعات أو سعادتها , ونجاحها وفشلها في العصور المختلفة.
وبكلمة واحدة : إن التاريخ مرآة الحياة الروحية والمعنوية للمجتمعات البشرية وهو لذلك خير مرشد محذر للأجيال القادمة.
إن آثار الماضين خير عبرة للقادمين , وبالنظر والاعتبار بها يمكن للناس أن يعرفوا المسير الصحيح للسلوك والحياة.
فإن الآثار الباقية من العصور السالفة بما فيها من أشكال وصور ونقوش وكيفيات تدلنا على ما كانت تتمتع به الأمم البائدة من روح وفكر , وثقافات ومبادئ , وعظمة أو صغار , في حين لا يجسد التاريخ المدون سوى الحوادث الواقعة وسوى صور خاوية عنها.
إن خرائب قصور الطغاة وبقايا آثار عظيمة مثل : الأهرام , وبرج بابل , وقصور كسرى , وآثار الحضارة المندثرة لقوم سبأ , ومئات من نظائرها الأخرى من هذه الآثار المنتشرة في شتى أنحاء الأرض تنطوي رغم صمتها على ألف حديث وحديث , وألف كلمة وكلمة.
ولهذا عمد كبار الشعراء إلى الاستلهام من هذه الأطلال والآثار واستوحوا منها الدروس والعبر والعظات , وإن مطالعة سطر واحد من هذه التواريخ الشعرية الحية الناطقة تعادل في الحقيقة مطالعة كتاب ضخم في مجال التاريخ , وأن ما تبعثه تلك المطالعة في النفس والروح البشرية لا يقاس به شيء مهما عظم.
-
إن آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثارِ
فيجب على الفرد أن يجعل له موقعاً في هذا العالم الواسع , فيكون رقماً له قيمة في الحياة لا صفراً على شمال العدد , ومعنى ذلك أن يساهم في البناء والعطاء بما يستطيع لا أن يكون حملاً ثقيلاً على الأمة , والمعروف أن النحلة تُرمى من الخلية لأنه لا قيمة لها , وأن الشجرة اليابسة كذلك تُزال وتُقلع من البستان لأنه لا نفع من ورائها , فيا من أراد الخير لنفسه ولأمته لا تكن نسياً منسياً.
- وما للمرء خير في حياة إذا ما عُد من سقط المتاعِ
إن أرخص موجود هو ذلك الإنسان الآكل الشارب النائم الذي جفت منابع نفعه ونضبت أودية خيره وحق له أن يسقط من العيون , لأنه محا اسمه من دفتر الحياة وشطب على رقمه من لوحة العطاء والتضحية فهو في عالم الأموات ولكنه يأكل ويشرب بين الناس.
إن الناس متجهون نحو الأمام يبنون وينتجون , أما هو فمتجه إلى الخلف لأنه عكس النماء والبناء والتطور والرقي والحضارة وضد النفع والعطاء والتضحية وعدو النجاح والتفوق.
إن قافلة الحياة لا تنتظر الخاملين فهي مُعدة لركوب صُنَّاع التاريخ والحياة والمقاعد محجوزة والوقت لا ينتظر أحداً وليس في حافلة النجاح مقعد واحد لهؤلاء النائمين.
إن من أعظم الدروس المشهودة في عالم النجاح ( النملة ) وكيف لا تكون ! وهي من تعيد محاولتها مرات ومرات حتى تصل إلى غايتها فهي تتسلق الشجرة فتسقط ثم تعاود الصعود فتسقط وهكذا حتى تنجح في الصعود والحصول على المطلوب من دون كلل ولا ملل وإذا أغلقت عليها طريقها أخذت ذات اليمين وذات الشمال وإذا صعب عليها الصعود تأخرت ثم عادت أقوى مما كانت وربما تبتعد عن طريقها الأول لبعض العوارض لكنها تعود في نفس الاتجاه حتى تصل ولها قوة عجيبة في الإصرار على المطلوب وعدم اليأس حتى ضرب بها المثل في ذلك.
وكما تذكر الكتب أن أعرابياً سافر لقضاء حاجة فلما تعب من السفر جلس يفكر في عودته من سفره فرأى نملة تصعد صخرة فتسقط ثم تصعد فتسقط مرات كثيرة ثم صعدت حتى علت الصخرة , فقال : أنا أحق بالصبر والمثابرة من هذه النملة فواصل سفره وأردك حاجته , وقال :
اطلب ولا تضجر من مطلب فآفة الطـالب أن يضجرا أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا
فعلى كل شخص أن يعمل بما تعلمه , قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : ( العمل يهتف بصاحبه فإن أجابه وإلا فارتحل ) وعنى بذلك الأعمال الصالحة المفيدة التي يستفيد الفرد والمجتمع منها وتعود عليه بالنفع والصلاح , وعلينا أن ننزع الأفكار الخاطئة من عقولنا والأهواء المضلة من قلوبنا لكي نضمن موقعاً في عالم الصالحين وفي أفق سماء المجد , وقد قال الفيلسوف أبيكتيتوس : ( الأفكار الخاطئة في الذهن كالورم في الجسم يجب بترها ) وعلينا كذلك ألا نتوقف من صنع اسمٍ لنا في سجل الصالحين وفي طيات التاريخ إذا وجهت إلينا انتقادات حادة وجارحة بل علينا أن نتقبلها برحابة صدر وطيب نفس فبتّالي لكل شخص رأيه الخاص , قال إبراهيم لنكولن : ( لو حاولت قراءة رسائل الشتائم الموجهة لي لتعطلت عن العمل ).
وفي نظرنا ما زال عالمنا المسلم يبحث عن الدوافع والمقومات الباعثة به إلى الركب الحضاري حتى بات هذا الإحساس شعوراً حاضراً يطرق باب الحوار والنقاش على الذات والجماعة والأمة في كل آن ولحظة , لأهميته وبالغ ضرورته القصوى , ولسنا نبالغ إن قلنا إنه أصبح الهمّ الشاغل الذي بدا محيراً للكثيرين من أبناء الأمة المهتمين بواقعها , والحريصين كل الحرص على ما آلت إليه الأحوال من تقهقر وضعف , لتواني الأمة المسلمة بنهضتها , في حين أنها تملك كماً هائلاً من الإمكانات والقدرات المادية والمعنوية التي لا يستهان بها , فضلاً عن مواردها الأخرى ذات الأهمية الكبرى في هذا المجال , كرصيدها البشري وثرائها الفكري , لكن رغم كل ما لدى الأمة من مميزات , تجعل منها الأفضل والأقدر , ما زالت ترزح في ظل التخلف والتراجع والتقهقر.
فهل سنتقدم بالركب الحضاري , أم سنبقى في ظلال التخلف ؟ وهل سنستمر في صُنع تاريخ مؤمن وصالح لمجتمعنا ؟