الشيعة وطائفية الإعلام
لا شك أن الحديث عن العمل المطلوب القيام به من الإعلام في كشف الحقائق و نقل الأحداث الواقعية، أو الحديث عن أهمية الإعلام في تشكيل قناعة جمهور الناس، وكونه أبرز الأدوات الفاعلة في تحريك الرأي العام تجاه الأحداث السياسية، والقضايا الإجتماعية، والمسائل الدينية أمر أصبح عند العقلاء في عداد الواضحات، إذ لا احد ينكر في هذا العصر الذي تقتحم فيه القنوات الفضائية المنتشرة كل دولة وكل بيت دون أن تستأذن من وزير داخلية أو وزير خارجية أو وزير ثقافة أو رب أسرة؛ ما للإعلام من دور كبير في تغيير العادات والتقاليد والقيم الدينية والإجتماعية، إضافة إلى تغيير طبيعة التركيبة الثقافية و الديني والسياسي و.. الخ عند الناس.
بيد أن الأمر المهم الذي وإن كان بارزا وظاهرا إلا أننا بحاجة لتسليط الضوء عليه في حديثنا لما له من أهمية على واقعنا هو ازدواجية الإعلام العربي وكيله بمكيالين في التعامل مع الشيعة، فالإعلام وإن كان يعتبر بحسب ما هو مفروض في الدول الديمقراطية التي تحترم الحريات وحقوق الناس سلطة رابعة مستقلة في مقابل السلطة التشريعية والسلطة القضائية و السلطة التنفيذية ، إلا أنه في كثير من الدول العربية ـ وهو ما يهمنا ـ هو سلطة لا استقلال لها عن السلطة التنفيذية البتة؛ وإن أعلن هو أو السلطة التنفيذية عن استقلالها. ولو قلنا أن سلطة الإعلام في الغرب هي سلطة أيضا غير مستقلة عن سلطة أصحاب الشركات والمؤسسات الإقتصادية الضخمة النفطية و التسليحية وغيرهما شأنها شأن الإعلام في الوطن العربي التابع للسلطة التنفيذية فكلاهما أداة في يد سلطة أخرى ، لأمكن القول أن سلطة الإعلام في الغرب سلطة مستقلة في أغلب الأحيان، أو هي غير خاضعة للسلطات التنفيذية ولو في التقريرات والأخبار المتعلقة بالدول الأخرى أو بأغلب سلوك السلطة التنفيذية التابعة لنفس الدولة التي تتبع السلطة الإعلامية لها، وهذا المقدار يكفي في عدم مقارنة الإعلام في الدول العربية بالإعلام في الدول الغربية، فالإعلام في أمريكا على سبيل المثال لا الحصر يستطيع بكل حرية وسهولة أن يتناول أداء الحكومة التنفيذية في القضية العراقية بالنقد الشديد، بعكس ما هو موجود في كثير من الدول العربية، فإعلام الرسمي وما يسمى بالمستقل فيها لا يستطيع أن يعطي موقفا مغايرا للموقف الرسمي، أو لا يستطيع أن يكشف الحقائق المتعلقة بالدول الأخرى إلا عندما يكون هناك ضوء أخضر من السلطة التنفيذية ، لأنه تابع في كل المواقف وفي كل الأوقات للسلطات التنفيذية ؛ بل يمكن القول أن مساحة الحرية في الإعلام العربي مقيد بمزاج وقرار أصغر ضابط في الدول العربية لا فقط القيادات السياسية التنفيذية.
ومن نافلة القول قبل الحديث عن ازدواجية الإعلام العربي تجاه الشيعة أن نشير إلى أن الإعلام في الغالب في هذه الدول الغالب لا يبحث عن كشف أو نقل الحقيقة بمقدار ما يريد تحقيق أجندة سياسية يتولى رسم معالمها وخططها الإستراتيجية والتكتيكية السياسيون ومستشاريهم، بل يمكن الإدعاء أن أهم المخططين في الكواليس بشكل مباشر أو غير مباشر لتكتيكات السياسة الإعلامية في كثير من الدول العربية هم ساسة البيت الأبيض في واشنطن، وذلك لكون العلاقة بين هذه الدول وأمريكا علاقة وجودية و رابطية يصعب أن تستمر بغير دعم ومساندة من البيت الأبيض ، والدول ـ أي حكومات الظل ـ تدرك أن لا واقع فعلي وحقيقي لها إلا ضمن السياسة الأمريكية، وعلى أساس ذلك فهي طيعة للقرارات و الإملاءات السياسية والإعلامية الصادرة من وزارة الخارجية الأمريكية، في الظاهر كان الخضوع أو الغرف المغلقة كل ذلك بحسب ما تقتضيه المصلحة السياسية، أي عندما تكون المصلحة في إظهار الإتفاق بين السياسة الأمريكية وسياسة دول الظل فإن الإعلام التابع سيركز على مسألة تلاقي المصالح الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وهذه الدول، وعندما تكون المصلحة التكتيكية في إبراز الإختلاف بين السياستين فإن هذا الإعلام سيتناول المسألة من جهة عدم رضوخ هذه الدول للإملاءات الأمريكية والضغوط الخارجية ، مع أن إظهار الخلاف هو من تكتيكات الإملاءات الأمريكية التي تتقيد الدول وإعلامها بتطبيقها حرفيا.
والإعلام في أكثر الأقطار العربية بما أنه أداة بيد السلطات التنفيذية الشمولية التابعة وجودا كما ذكرنا لأمريكا ـ والتعبير بالسلطة التنفيذية مجاز لأن كل السلطات في الدول الشمولية في واقعها أدوات ؛أي لا سلطة في هذه الأقطار إلا السلطة التنفيذية الشمولية وأما بقية السلطات فهي ديكور و رتوشات للتزيين والتحسين لها ـ فهو يستخدمه لتحقيق الأجندة السياسية للظل أو صاحب الظل.
والمشكلة التي تواجه الشيعة في الوقت الحاضر أن أمريكا تواجه الدولة البارزة كدولة شيعية ، فإيران تشكل بالنسبة لسياستها في الشرق الأوسط تهديدا جديا وحقيقيا، فهي الدولة الوحيدة التي ليس لها علاقة مباشرة مع أمريكا، كما أنها تكاد تكون الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تجهر وتترجم عمليا خلافها السياسي مع الإدارة الأمريكية في القضية الفلسطينية والعراقية واللبنانية ،هذا إضافة لتنديدها وتهديدها وعدم قبولها الصريح بوجود الكيان الصهيوني في فلسطين.
وأمريكا في مواجهتها لسياسة إيران في ملف فلسطين والعراق ولبنان وأخيرا الملف النووي المعقد تضع الدرس المهم الذي تعلمته من التعاطف الكبير والتأييد الظاهر من شعوب الدول العربية والإسلامية لحزب الله في حربه مع إسرائيل في تموز نصب عينيها، فالوقوف الشعبي العربي والإسلامي لحزب الله في لبنان يجعلها تراجع سياستها الف مرة قبل أي خطوة عسكرية تتخذها تجاه إيران، فهي غير مستعدة في الوقت الراهن لتحمل هزيمة عسكرية أكبر من هزيمتها السياسية في العراق و جنوب لبنان.
وأخبث سياسة تتعامل بها الإدارة الأمريكية في الوقت الحاضر لتحقيق سياستها في الشرق الأوسط هي إثارة المسألة الطائفية بين السنة والشيعة في العراق ولبنان وغيرهما؛ وذلك لإيجاد مناخ عام ورغبة جامحة في نفوس عوام ومفكري وعلماء السنة في ضرب إيران المتمثل خطرها كما في أجندتها وتكتيكاتها على العقيدة السنية أو الدول السنية. والغريب في الأمرـ من جهة كون هذا الأمر يصرح به بشكل ظاهر وعلني ـ أن الكثير من العلماء والمثقفين إما بسبب ارتباطهم بالأجندة الأمريكية أو بسبب ثقافة التكفير والكراهية التي يحملونها في رؤوسهم الفارغة تجاه الشيعة يرون ضرورة وقوف الدول العربية والشعوب السنية مع أمريكا في حالة ضرب أمريكا لإيران؛ لأن خطر الشيعة من وجهة نظر الكثير منهم أكبر من خطر اليهود الصهاينة والنصارى على الإسلام والسنة.
بل الأغرب من كل ذلك أن الصهاينة تعلموا أن الثقافة العقدية والفكرية التي يحملها بعض علماء الدين و المثقفين وعوام السنة لها قابلية لقبول النزاع الطائفي بين السنة والشيعة ولهذا في حربهم في تموز مع حزب الله كانوا يركزون على تصوير الشيعة في إيران والعراق ولبنان وبقية الدول العربية كوجود وبروز يشكل خطرا وتهديدا على وجود المذاهب والدول السنية في هذه الدول، وذلك ليكون السنة أداة لتحقيق أهدافهم، وللأسف إنساق الكثير من هؤلاء لهذا المخطط الصهيوني الواضح والظاهر ليس فتح الإسلام التي خلقت لتكون تنظيما سنيا قويا في وجه حزب الله في لبنان بدل أن تكون قوة مع حزب الله في مواجهة إسرائيل أول هذه الأمثلة أو أخرها.
و قد جندت الإدارة الأمريكية و الدول التابعة لها لتحقيق هذه السياسية الإعلام الرسمي وما يحسب على المستقل، فبدأ بالنفخ في نار الطائفية الإسلامية بين السنة والشيعة بالأخص في العراق؛ وذلك عن طريق إختلاق أكاذيب مكشوفة تتمثل بظلم الشيعة في العراق للسنة، أو إقصاء الشيعة في مسألة إدارة الدولة للسنة، ناهيك عن إثارة التصورات و العواطف السلبية عند أخوننا السنة في العالم العربي تجاه قضايا السنة في إيران، مع أن السنة في إيران لهم حضور سياسية تمثيلي يناسب حجم عددهم يغبطهم عليه الكثير من شيعة دول الخليج، ولو كان الأمر يقف في الإعلام العربي الطائفي عند حدود بيان الحقائق في حالة تجاوز الشيعة على حقوق أخواننا أهل السنة أو ممارسة الإقصاء في حقهم دون أن يكون هناك تعمد في خلق الأكاذيب أو إبراز مظلومية أهل السنة وإخفاء مظلومية الشيعة أو إبراز حالة الإقصاء التي تتم تجاه أهل السنة وإخفاء أو إنكار الإقصاء الذي يمارس تجاه الشيعة لكان ذلك أمراً مقبولا يمكن تفهمه بل هو أمر مطلوب من الإعلام تسليط الضوء عليه لأن الإعتداء والتجاوز على حقوق الآخرين ظلم سواء أكان المظلوم شيعيا أو سنيا، إلا أن المشكلة التي يواجهها الشيعة من الإعلام العربي الطائفي أن هناك إزدواجية وكيل بمكيالين في تعامله مع القضايا والحقوق الشيعية، فهو في الوقت الذي يختلق الأكاذيب ليثير حفيظة أخوننا من أهل السنة في جميع الدول العربية والإسلامية فينقموا على الشيعة في جميع العالم وعلى إيران بالخصوص، فهو يتعمد إخفاء الظلم الذي يمارس ضد الشيعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما يقوم إرهابي بتفجير مسجدا يرتاده ويصلي فيه أهل السنة ينقل الإعلام الطائفي الخبر والحدث على أن مسجدا سنيا تم تفجيره؛ مع تركيز هذا الإعلام على كون المسجد الذي استهدف للسنة ، بينما إذا استهدف بالتفجير مسجدا لله سبحانه وتعالى يرتاده ويصلي فيه الشيعة ينقل الإعلام الطائفي الخبر على أن مسجدا في العراق تم تفجيره دون أن يشير إلى أن هذا المسجد يرتاده الشيعة ، هذا ناهيك عن إذا قتل عالما سنيا أو اغتصبت امرأة مصانة سنية فيعرض الحدث في الإعلام الطائفي بان عالما سنيا قتل وأن امرأة سنية اغتصبت؛ ليجيش الرأي العام ضد الشيعة، مع أن التحقيقات في كثير من الأحيان تسفر عن أن المفجر والقاتل والمغتصب من التكفيريين التابعين للمذاهب السنية.
أضف أن إزدواجية الإعلام الطائفي تتضح أكثر عندما يقوم شيعي من دولة ما بعمل إجرامي ،فإن عمل الإعلام الطائفي يقوم بتصوير الدولة الشيعية التي ينتمي لها هذا المجرم في الجنسية أو يصور المذهب أو الحزب والمنظمة التي ينتمي لها المجرم هو من يقف خلف هذا المجرم فيعمم الحكم والتصور للدولة أو للمذهب الذي ينتمي له، بينما عندما يقول سنيا بعمل إجرامي كما هو الحال في تفجير المشهد الشريف في سامراء أو الأضرحة في العراق ـ التي يظهر الكثير من السنة فرحهم في المنتديات بتفجيرها ـ أو كما هو الحال في فتح الإسلام فإن التوصيف الإعلامي الطائفي له ينحصر في شخص المجرم، وينحصر في القاعدة التكفيرية أو فتح الإسلام التكفيرية، وإن كان الإفراد الذين ينتمون لهذا التنظيم الإرهابي من دول سنية مختلفة، أو كانت أهداف التنظيم الإرهابي أهداف طائفية، فإن الحكم في هذا الإعلام الطائفي هو أن هذا المجرم لا ينتمي للسنة بصلة، فلا يتعدى عمل المجرم السني شخصه ليحكم على الدولة الو المذهب الذي ينتمي له، وهذا وإن كان حقا إلا انه ينبغي أن يكون تعامل الإعلام في هذه الأمور بغير إزدواجية أو كيل بمكيالين؛ واحد للسنة، وآخر للشيعة، فيبرئ السنة من فعل المجرم التكفيري السني، ويجرم الشيعة بفعل المجرم الشيعي.
15/6/207 الثلاثاء